من المُبالغ فيه الادعاء بأن انهيار برنامج «مساعدة التكيف التجاري» الأميركي قبل ثلاث سنوات، هو المسؤول عما تقوم به إدارة ترامب الثانية. لكن الحجة تُشير إلى الاتجاه الصحيح. فقد كان البرنامج الذي أُطلق في عهد كينيدي لحماية العمال، الذين خسروا وظائفَهم بسبب المنافسة الأجنبية بخيلاً للغاية، بحيث لم يُحدث فرقاً يُذكر لملايين الأميركيين الذين اضطروا على مدى عقود للبحث عن وظائف جديدة، لأن ما كانوا يصنعونه، بات يُنتَج في بلد آخر بكفاءة أكبر وبتكلفة أقل، أو عن طريق آلة.
لكن هذا البُخل في الدعم يعزّز سردية أوسع حول التوازن الهش، الذي يُبقي على تماسك البنية الليبرالية العالمية: إن تجاهل أميركا لأولئك الذين سحقهم نصف قرن من العولمة والأتمتة، ساهم في بناء موجة من الاستياء، دفعت عشرات الملايين من الأميركيين إلى التصويت لمرشح وعد بإغلاق ليس فقط التجارة والهجرة، بل الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق بأكمله.
فالولايات المتحدة، التي كانت منارةً للنظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، والتي نصّبت نفسَها حارساً لنظام دولي قائم على الأسواق والديمقراطية - تراجعت فجأةً إلى حالة من السلطوية اليمينية، ربما لافتقارها لما حرصت عليه ديمقراطيات الغرب الأخرى: شبكة أمان اجتماعي قوية تحمي المجتمعات من التحولات الاقتصادية العنيفة. وهذه قصة كثيراً ما تُروى على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي: رغم أن أوروبا تشارك في التجارة أكثر من الولايات المتحدة، ورغم أن وظائف التصنيع فيها تتناقص أيضاً كنسبة من إجمالي العمالة، فإن الأوروبيين يتعاملون مع التجارة والعولمة بهدوء، بل وتفاؤل. فهم لا يشاركون أميركا التي تحمل شعار «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماجا) في اعتقادها بأن شركاءَها التجاريين يستغلونهم. وما السبب؟ على مدار نصف القرن الماضي، كرّست الحكومات الأوروبية حصةً أكبر بكثير من مواردها لبناء شبكة أمان اجتماعي لا تحمي العمالَ فحسب، بل أيضاً الفقراء والمرضى وكبار السن والأسر والمشردين والمواطنين الأضعف في المجتمع من الاضطرابات الاقتصادية.
وقد ساعد ذلك في الحفاظ على التماسك الاجتماعي، في وقت كانت فيه القوى الاقتصادية تحوّل الولايات المتحدة إلى مجتمع يستحوذ فيه الرابح على كل شيء، ويتجاهل الفئات الضعيفة.لكن هذه القصة ناقصة، إذ قد تكون الولايات المتحدة أول الديمقراطيات الليبرالية الغنية، التي تتراجع نحو توازن غير ديمقراطي، إلا أن التوجهات غير الليبرالية تنتشر في جميع أنحاء العالم الصناعي، حتى بين الدول التي تمتلك أكثر أنظمة الرفاه شمولاً لحماية شعوبها. ففي السنوات الأخيرة، خرجت النمسا واليونان والبرتغال والمملكة المتحدة من مجموعة الدول المصنّفة كديمقراطيات ليبرالية كاملة، وفقاً لمعهد «في-ديم» السويدي.
وقد أعرب المعهد عن قلقه أيضاً بشأن تراجع الديمقراطية في إيطاليا وهولندا، وأشار إلى أن فرنسا -التي تُعد من أكبر المنفقين على البرامج الاجتماعية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية- تعاني من ذات الاستقطاب السياسي الضار الذي تعاني منه الولايات.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الاتحاد الإماراتية
