منذ عشرات الأعوام كان مشهد الالتفاف حول أجهزة الراديو لسماع الأخبار التي تبثها الإذاعات الدولية شائعاً ومألوفاً، بخاصة في أوقات الحروب والأزمات الكبرى، لما تميزت به أخبارها من صدقية وثقة. ولاحقاً، تحول المشهد إلى الاجتماع أمام شاشات التلفزيون مع دخول العالم عصر القنوات الفضائية، الذي شكل طفرة كبرى في حينها، وحول وجهة الجماهير من الاستماع إلى المشاهدة.
في العقد الأخير ومع الانتشار غير المسبوق للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي زاحمت الإعلام التقليدي، ووفرت سيولة كبيرة من إتاحة المعلومات بشكل لحظي لا تحكمه أي قيود، حدثت تغيرات في المشهد الإعلامي الدولي، أبرزها تقليص وغلق كثير من المحطات والقنوات التي كانت تمثل النماذج الأشهر عند الحديث عن الإعلام الدولي.
وشهد عام 2023 إغلاق واحدة من أشهر الإذاعات الدولية في العالم، وهي "بي بي سي" العربية التي أنهت بثها الذي استمر 85 عاماً بنفس العبارة الشهيرة التي بدأت بها إرسالها "هنا لندن: هيئة الإذاعة البريطانية"، وفي الآونة الأخيرة أغلقت الولايات المتحدة قناة "الحرة" و"إذاعة صوت أميركا" ومنصات رقمية متعددة بدعوى تقليل النفقات، وخلال الأعوام السابقة حدث تقليص لكثير من المحطات والقنوات الدولية في العالم كله لأسباب تختلف من حال إلى أخرى.
وفي مقابل حال التقليص والإغلاقات لكثير من مؤسسات الإعلام الدولي كان هناك نمو وانتشار مطرد للمنصات الرقمية والاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي بوصفها وسيلة فعالة وسريعة الانتشار لمخاطبة الشعوب ونشر الأفكار، مما يطرح تساؤلاً هل ستشهد الأعوام المقبلة تغيراً شاملاً في المشهد الإعلامي، وهل سينتهي عصر الإعلام الدولي التقليدي لمصلحة الرقمي؟
مخاطبة الشعوب عبر وسائل التواصل
يقول أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة حسن عماد، "الإعلام الدولي بمفهومه العام لن يتراجع، لكنه سينتهج أساليب جديدة تتوافق مع متطلبات العصر. وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت مستخدمة بصورة أكبر من وسائل الإعلام التقليدية، مثل محطات الراديو وقنوات التلفزيون، لدينا تراجع في دور الإعلام التقليدي سواء على المستوى الدولي أو المحلي، وعلى مدار الأعوام كان هناك نماذج ناجحة في الإعلام الدولي حظيت بصدقية كبيرة في العالم العربي، وفي أوقات وأحداث بعينها كانت مصدر رئيساً للمعلومات في كثير من الدول العربية، وكذلك قنوات تلفزيونية دولية أطلقت وحققت نجاحاً كبيراً، وأخرى لم تنجح في تحقيق أهدافها، فكان الغلق مصيرها".
ويضيف، "الإعلام الدولي هو إحدى أهم الوسائل التي يعتمد عليها في الحروب بأساليب مختلفة تتناسب مع طبيعة العصر، فكان له دور كبير في الحرب العالمية باستخدام الوسائل المتاحة وقتها واستمر دوره مع تطورها فمن الإذاعات لقنوات التلفزيون وصولاً إلى الوضع الحالي الذي يشهد طفرة في الإعلام الرقمي، دور الإعلام لا يتراجع إنما يطوع بالشكل والصورة المناسبتين مع طبيعة العصر".
ويأتي تقليص دور الإعلام الدولي بصورته التقليدية في وقت تشتعل فيه الأزمات في العالم كله، وتدار فيه الحروب بأساليب مختلفة، وتسيطر عليه حرب المعلومات والتأثير في العقول، فالإعلام أصبح ليس فقط ناقلاً للمعلومة أو الخبر، لكنه تحول إلى أداة تروج أحياناً روايات خطأ وسرديات مضللة كثيراً مما ينتج منها خلق حال من الوعي الزائف بحدث ما أو قضية بعينها، والتسويق السياسي لقرار تنتهجه دولة معينة تجاه أخرى.
اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدر الدين، "الحروب الحديثة أصبحت لا تعتمد فقط على الصدامات المسلحة بين الجيوش النظامية، لكنها تعتمد على نشر الأفكار المدسوسة والمغلوطة والإشاعات، والعمل على أن تأتي الهزيمة من داخل المجتمعات، وهو ما يطلق عليه التآكل الذاتي، ويعتمد هذا على نشر الأخبار المضللة والتشكيك في الداخل بهدف إضعاف المجتمع وخلق فجوة بين الشعب والمؤسسات والقيادة فينهار المجتمع وتسهل هزيمته، وهذا النوع يطلق عليه حروب الجيل الرابع والخامس، وهو أسهل وأقل في الكلفة من المواجهات العسكرية المسلحة، والعبرة هنا ليست بالوسيلة فالأفكار ستنشر سواء من طريق الإعلام التقليدي أو من طريق المنصات الرقمية التي أصبحت أكثر فاعلية وانتشاراً".
ويوضح بدر الدين، "العلاقة بين السياسة والإعلام متبادلة والتأثير متبادل، فالإعلام يعتمد على الأخبار السياسية، والسياسيون يعتمدون على وسائل الإعلام، لنشر توجهاتهم وأفكارهم وأهدافهم سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وتظهر الأزمة عندما يساء استخدام وسائل الإعلام سواء لخدمة أغراض سياسية معينة بنشر أخبار مغلوطة أو إخفاء جوانب من الحقيقة أو طمسها كاملة والمثال الأبرز على ذلك حالياً هو المجازر التي تحدث في غزة وتغطيات كثير من وسائل الإعلام الدولية لها بما يتناسب مع توجهاتها".
الإعلام.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية
