في مجموعة "أغنيات ما قبل الفجر" الشعرية للشاعر والناقد الإنجليزي آلغرنون تشارلز سوينبرن نزعة رومانطيقية ماثلة وحقيقية، لكنها رومانطيقية نضالية وظفت من أجل قضية... فما هذه المجموعة؟ لماذا وضعها؟ وما سبب خروجها عن مألوفه الشعري؟

"يمكن القول إن أحكام سوينبرن على وجه العموم صائبة، وذوقه يمتاز بالحساسية والقدرة على التمييز، بحيث إننا لا نستطيع أن نصف تفكيره بأنه مخطئ أو ملتو في وقت يظل تفكيره معه تفكيراً. غير أن سوينبرن يتوقف عن التفكير في عين اللحظة التي نكون فيها معه أشد ما نكون حماسة إلى التفكير، وهذا التوقف على رغم أنه لا يفسد عمله، يجعل من هذا العمل مدخلاً، أكثر منه متناً". هذا الحكم الذي أصدره الناقد والشاعر تي. أس. إليوت على سلفه الشاعر والناقد الإنجليزي آلغرنون تشارلز سوينبرن، كان إليوت يقصد منه الحديث عن نقد هذا الشاعر لا عن شعره. ذلك أن هذا الشعر لم يكن مبدئياً، من النوع الذي يمكن الحديث عنه من منطلق العقل والتفكير، إذ إن شعر سوينبرن، في صورة عامة، انتمى إلى الشعر السابق على السوريالية، من خلال تأثره المعمق بويليام بليك وبودلير، ثم صداقته الطويلة مع روزيتي. ومع هذا يمكن هنا التوقف عند عمل شعري معين لسوينبرن، لإخراجه من ما قبل السوريالية، وضمه إلى حيز الفكر العقلاني. وهذا العمل هو مجموعته "أغنيات ما قبل الفجر"، التي وضع قصائدها انطلاقاً من اندفاعته الحماسية إلى جانب المسألة الإيطالية، على غرار حال بايرون في موقفه المناصر، عملياً وفكرياً، للثورة اليونانية، وكذلك على غرار شيللي في بعض لحظاته الثورية. طبعاً لا تنتفي هذه "العقلانية" عن شعر سوينبرن بصورة عامة. ففي "أغنيات ما قبل الفجر" نزعة رومانطيقية ماثلة وحقيقية، لكنها رومانطيقية نضالية وظفت هنا من أجل قضية. وبالتالي بات في الإمكان مد حكم إليوت النقدي ليشملها، من دون أن يشمل جملة أعمال أخرى لسوينبرن كتبت قبل تلك "الأناشيد" وبعدها. والحقيقة أن إليوت لم يكن الوحيد الذي "حاسب" تلك المجموعة عقلانياً، على اعتبارها مواقف فكرية وسياسية تستدعي التفكير، ثم ما إن يصل هذا التفكير إلى ذروة حماسته، حتى يعود الشاعر لعواطفه وشاعريته الخاصة، تحديداً - وفي استعارة من اليوت - "في اللحظة التي نكون فيها أشد ما نكون حماسة إلى التفكير". فما هذه المجموعة؟ لماذا وضعها سوينبرن؟ وما سبب خروجها عن مألوفه الشعري؟

بحثاً عن فجر الحرية

إن المناخ الطاغي على قصائد هذا العمل هو مناخ البحث، والسعي إلى فجر الحرية في اندفاعة عاطفية "جمهورية" حادة، عاشها سوينبرن في زمن كان فيه شديد الاستلهام من نهضة الشعوب الباحثة عن استقلالها. وكان الشعب الإيطالي، في نظره، في مقدمة هذه الشعوب. ومن هنا نراه يستلهم نضال هذا الشعب، ولكن في تعميم لدائرة النضال يشمل غيره من الشعوب. أما سبب وجود الشعب الإيطالي وقضيته في صلب ذلك النضال، ففي خلفيته لقاء عقد بين سوينبرن وماتزيني، قائد الثورة الإيطالية ومنظرها الأكبر. كان لقاء عقد خلال آذار (مارس) 1867 بترتيب من كارل بلايند، الذي كان من غلاة الإنجليز المؤيدين للثورة الجمهورية الإيطالية، والساعين حتى إلى انتفاضة جمهورية في إنجلترا. وسوينبرن كان، على أية حال، قريباً من تلك الأفكار منذ دراسته الجامعية، حين انضم إلى رفاق كانت النزعة الجمهورية والاشتراكية الطوباوية، رائدهم. ومن هنا اهتمام ماتزيني به، إذ وجه إليه قبل اللقاء رسالة يقول فيها: "في وقت تخاض فيه معركة طاحنة بين العدل والظلم، بين الحقيقة والكذب، بين الحرية والطغيان، بين الله والشيطان، من أجل تحقيق تصور جديد للحياة (...)، يتعين على الشاعر أن يكون رسول اندفاعة مناضلة تجعل من كلامه برنامج عمل للأمم المضطهدة المناضلة، وجنازاً ختامياً للقامعين المضطهدين".

لا مبررات ضرورية للمعركة

ولم يكن سوينبرن في حاجة إلى أكثر من هذا الدفع الحماسي من نجم بين نجوم النضال التقدمي الإيطالي في ذلك الحين، حتى يخوض المعركة، بشعره وعواطفه كلها. والحال أن سوينبرن كان سبق له أن كتب في الأقل، قصيدتين تمجدان ذلك النضال: "نشيد في ثورة كانديا" و"أغنية إيطاليا"، وهكذا راح مندفعاً يكتب الشعر السياسي الحماسي. فولدت أشعار مجموعة "أغنيات ما.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 6 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 6 ساعات
قناة العربية منذ 18 ساعة
قناة العربية منذ 4 ساعات
سكاي نيوز عربية منذ 8 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 12 ساعة
سكاي نيوز عربية منذ 19 ساعة
أخبار الأمم المتحدة منذ 23 ساعة
سي ان ان بالعربية منذ 5 ساعات
قناة العربية منذ 9 ساعات