كما السحرة المهرة، تمكن دونالد ترمب من تحويل الهزيمة الأميركية في أوكرانيا إلى فشل أوروبي ماحق. أكثر من ذلك، لم تعترض أوروبا، ولم تقل كلمة واحدة عن لعبة تغيير الطرابيش التي قادتها الولايات المتحدة ببراعة، متنصلة من مسؤوليتها في إشعال الاقتتال، بل عضت على الجرح، وتحاول تضميده بمفردها.
أميركا هي التي ضيقت الخناق على روسيا وحاصرتها من جهة أوكرانيا، واستفزتها. ومن ثم عندما جنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبدأ هجومه على أوكرانيا، تولت أميركا التسليح والتمويل والتجييش والعقوبات والحصار، والمعركة الدبلوماسية ضد روسيا في الأمم المتحدة، ومن ثم إجبار أوروبا على مقاطعة الغاز الروسي، شريان الحياة والاقتصاد لعشرات ملايين الأوروبيين، الذين أوقعتهم الخطة الأميركية في الفاقة والعجز وإقفال المصانع وإفلاس الشركات، وبخاصة في ألمانيا.
أسوأ من ذلك، تصالحت أميركا مع روسيا وعقدت القمم، ولم تعد تعتبرها تهديداً؛ بحسب استراتيجية ترمب للأمن القومي التي نشرت في 33 صفحة، محددة سياسته للسنوات المقبلة. لم تذكر هذه الاستراتيجية الصين باعتبارها عدواً، ولا مصدر وباء قاتل أو ديكتاتورية خطرة، بل بوصفها منافساً نداً، وبلداً يعزز قدرته التسلحية النووية.
أما أوروبا، حليفة الأمس، فهي المشكلة؛ لأنها محكومة بضعفاء فقدوا البوصلة، وعليهم أن يصلحوا أحوالهم لتقبل بهم أميركا شركاء عبر الأطلسي.
«القوة هي التي تصنع الحق» عند الرئيس ترمب. هذا قاله في مقابلته مع «بوليتيكو» قبل أيام، وعليه بنى رؤيته الاستراتيجية. روسيا نالت رضاه، لأنها «كانت قوية، وصارت أقوى بكثير». أما أوكرانيا «فقد خسرت شريطاً ساحلياً كاملاً، وأراضي واسعة، قبل وصولي». أي أن ترمب لا يعتبر نفسه مسؤولاً عن هزيمة بلاده، بل هو الإطفائي الآتي لإعادة الاستقرار وفرض السلام بالقوة، حتى من دون موافقة أوروبا، وليذهب المغتاظون إلى الجحيم، أولهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي عليه أن ينظم انتخابات، وهو ما سيفعله صاغراً.
هكذا حوّلت أميركا حليفتها الأولى أوروبا، إلى كبش فداء. والغريب أن أوروبا تمعن في التوغل في ورطتها، معتبرة أن الحرب ستبقى مستمرة. قبل أيام، دعا رئيس هيئة أركان الجيوش الفرنسية الجنرال فابيان ماندون، رؤساء البلديات إلى إعداد الشعب الفرنسي نفسياً لتقبل ما سمّاه بسيناريو «فقدان الأبناء» في نزاعات مستقبلية. وهو ما أثار صدمة في نفوس الناس.
هدأت النار.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الشرق الأوسط
