اقتصادات الشتاء.. أكثر الدول استفادة وأكثرها خسارة

مع بداية شتاء 2025، تصبح الفصول الباردة محوراً لتحليلات اقتصادية واسعة النطاق. فبينما تتدفّأ بعض الاقتصادات على عوائد السياحة والموارد الشتوية، تتحمّل أخرى عبء الأضرار والتكاليف المناخية. يعتمد التقرير التالي على أحدث البيانات والمقارنات التاريخية لتسليط الضوء على أبرز الدول المستفيدة والمتضررة من فصل الشتاء عالمياً، بالإضافة إلى تكاليف الكوارث الشتوية والتأمين عليها. شهد العالم في السنوات الأخيرة درجات حرارة قياسية تعدّ الأشد على الإطلاق، ما أدى إلى تشوّه أنماط الطقس وارتفاع تواتر الظواهر المتطرفة. تُشير تحذيرات خبراء المناخ إلى أن الاحتباس الحراري يستمر في تغذية الرطوبة الجوية وزيادة شدة العواصف. وفي هذا الإطار، يحمل شتاء 2025-2026 فرصاً اقتصادية متباينة، ويُخلف خسائر كبيرة في الوقت ذاته.

الدول الأكثر استفادة من موسم الشتاء تكمن الفائدة من موسم الشتاء أساساً في النمو الاقتصادي المرتبط بالسياحة الشتوية والطلب الموسمي على السلع والخدمات، إذ ترتفع إيرادات السياحة في الدول ذات المنتجعات الجليدية واقتصادات الرياضات الثلجية في هذا الفصل.

في أوروبا، تبدو المناظر الطبيعية الثلجية أكثر أهمية؛ إذ تشير تقديرات إلى أن قطاع تزلج الجبال في أوروبا يسهم بنحو 34 مليار يورو سنوياً في اقتصاداتها.

يستقطب قطاع التزلج أعداداً هائلة من السائحين، فقد استقبلت فرنسا نحو 50 مليون زائر على منتجعات التزلج سنوياً.

ولا يختلف الوضع كثيراً في دول جبال الألب الأخرى مثل النمسا وسويسرا. هذا التركيز على السياحة الشتوية يجعل من جبال الألب الأوروبية ممراً اقتصادياً مهماً؛ إذ تستحوذ المنطقة على أكثر من 60% من زيارات التزلج عالمياً.

وتشكل إيرادات التزلج نسبة كبيرة من اقتصادات هذه الدول، إذ توضح بيانات أن قطاع التزلج يوفر أكثر من 4% من الناتج المحلي الإجمالي للنمسا.

كما يعتمد الاقتصاد المحلي في بافاريا وأوتريش بشكل كبير على السياحة الشتوية.

وفي الولايات المتحدة يدعم قطاع التزلج والرياضات الثلجية اقتصاداً ضخماً، فتقدر قيمة صناعة التزلج الأميركية بأكثر من 20 مليار دولار سنوياً مع نحو 191 ألف وظيفة مباشرة.

بينما بلغت مساهمة قطاع الرياضات الشتوية في كندا نحو 6 مليارات دولار كندي سنوياً. وتنمو هذه القطاعات بشكل متسارع، إذ بلغت قيمة سوق التزلج الأميركي 5.53 مليار دولار في 2023 ومن المتوقع أن تتجاوز 7.74 مليار دولار بحلول 2030. وفي آسيا، تسعى الصين بشكل واضح إلى استثمار موسم الشتاء في تنشيط الاقتصاد. فقد أجرت الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين في 2022 ديناميكية جديدة لهذا القطاع، وتشير تقديرات رسمية إلى أن عدد السياح الشتويين في الصين سيتجاوز 520 مليون زائر مع إيرادات تفوق 720 مليار يوان، أي نحو 104.5 مليار دولار خلال موسم 2024-2025. أشارت تقارير إلى أن قيمة صناعة الرياضات الشتوية في الصين قاربت 1.05 تريليون يوان، أي نحو 147.7 مليار دولار، في 2024، مع توقعات بأن تتجاوز 1.5 تريليون يوان بحلول 2029.

من جهة أخرى، تتعاظم فرص النمو في الصناعات الاستهلاكية الشتوية، فزيادة البرد ترفع من الطلب على البطانيات والملابس الشتوية والتدفئة المنزلية. ويتم الاستثمار في البنى التحتية الشتوية كمنتجعات التزلج وشركات السياحة، بالإضافة إلى قطاع الطاقة المتجددة مثلاً، والاستفادة من جريان الأنهار الثلجية لتوليد الطاقة الكهرومائية في دول الشمال الأوروبي. وحتى في القطاع الزراعي تمنح الثلوج فرصة لحماية التربة من الجفاف وانتعاش مخزون المياه، وهو ما يعود بالنفع على المدى المتوسط. الدول الأكثر تضرّراً من فصل الشتاء على النقيض من الفوائد السابقة، يتحمّل الشتاء ثمنه الأثقل غالباً في الدول ذات البنية التحتية الأضعف والموارد المحدودة، سواء عبر الأضرار المباشرة أو التكاليف غير المباشرة، تتجلّى هذه الخسائر في تعطل البنى التحتية والاقتصاد الكلي والتأمين. فوفق تقارير الأمم المتحدة فإن البلدان ذات الدخل المنخفض تُسجّل نسب خسائر أكبر من الناتج القومي الوطني بسبب الكوارث مقارنة بالبلدان الغنية.

ويبلغ متوسط الخسائر السنوية للدول الفقيرة جراء الظواهر المناخية بين 0.8% و1% من الناتج، بينما تقل هذه النسبة في الدول عالية الدخل إلى 0.1-0.3%.

مثال بارز على التأثير الإنساني الشديد هو أفغانستان، إذ أدت الانهيارات الثلجية والبرد القارس في شتاء 2025 إلى سقوط أكثر من 20 قتيلاً خلال يومين فقط. وغالباً ما تعوق الثلوج الكثيفة عمليات الإغاثة وتغلق الطرق، كما ذكر مسؤولون أفغان للصحافة. كذلك قُتل عشرات الأشخاص ومنهم نساء وأطفال تحت الأنقاض الثلجية في ولايات شرقي أفغانستان، واستمر انقطاع التيار وصدّ الثلوج الطرق عن القرى النائية. وفي الدول الضعيفة اقتصادياً، تؤدي آثار الشتاء إلى أعباء صحية واجتماعية إضافية من انقطاع التدفئة يرفع معدلات الوفيات بين المشردين وكبار السن، وانتشار الأمراض الموسمية يزيد الضغوط على النظام الصحي. وتصيب الزراعة أيضاً بنقص المحاصيل عند تساقط الثلوج بشكل مفاجئ على مناطق الزراعة المفتوحة. وفي بلاد الشام وشمال إفريقيا أدت عواصف الأمطار والصقيع أحياناً إلى انهيار بعض المساكن والضغط على البنى التحتية الضعيفة.

حتى في الدول الغنية والمتقدمة لا يخلو الشتاء من تداعيات سلبية؛ فقد أبطل تساقط ثلجي كثيف حركة النقل في أجزاء من الولايات المتحدة الشتاء الماضي، إذ ألغيت مئات الرحلات الجوية جراء عاصفتين شتويتين تسببتا بإغلاق الطرق. فقد حطّمت العواصف الشتوية أرقام خسائر قياسية في السنوات الأخيرة. فمثلاً، في فبراير/شباط 2021 تسببت عاصفة شتوية شديدة عرفت بـ«يوراي» في الولايات المتحدة بخسائر اقتصادية تقارب 30.1 مليار دولار، منها نحو 15 مليار دولار مؤمّنة.

على غرار ذلك، خلّف التجمد العميق في تكساس بمنتصف فبراير/شباط 2021 تداعيات اقتصادية ضخمة، رغم أن الولاية تقع عادة في مناخ أكثر دفئاً.

وفي أوروبا، أثارت حصى جليدية، بحجم 7.5 بوصة، خسائر بمليارات الدولارات في إيطاليا ودول أخرى خلال صيف 2023. تتجاوز تكاليف الظواهر الشتوية الأضرار المادية المباشرة لتشمل توقف النشاط الاقتصادي وارتفاع الفقر والأمن الغذائي بسبب تعطّل الزراعة.

على سبيل المثال، في باكستان والصين والهند قُدّرت خسائر الزراعة السنوية نتيجة التقلبات الحرارية القصوى في الشتاء بعشرات المليارات من الدولارات، نتيجة انخفاض المحاصيل وموت الماشية.

ومع أن البيانات المحدّثة شحيحة، تجدر الإشارة إلى كارثة الفيضانات الشتوية في أوروبا عام 2021 والتي أودت بحياة مئات وشلت قطاعات واسعة، مقدّرة خسائرها الإجمالية بنحو 50 مليار دولار.

هذه الخسائر غير المباشرة من تعطّل الإنتاج وتعطل النقل تشكل جزءاً من الكلفة الحقيقية لمواسم الشتاء القاسية. تتحمّل الشركات والمؤسسات المالية هي أيضاً عبء الشتاء؛ إذ تستمر تكاليف التأمين على مخاطر الطقس في الارتفاع مع تزايد وتيرة الكوارث المناخية. وبحسب تقارير عالمية، تجاوزت خسائر شركات التأمين جراء الكوارث الطبيعية في 2023 حاجز 95 مليار دولار عالمياً، معظمها ناتج عن أعاصير ورياح شديدة رغم أنها ظواهر صيفية، لكن الجهود التصعيدية لاحتواء الشتاء كانت جارية.

في المملكة المتحدة مثلاً، دفع قطاع التأمين رقماً قياسياً قدره 585 مليون جنيه إسترليني في عام 2023 مقابل الأضرار المناخية المتعلقة بالعواصف والفيضانات تزامناً مع شتاء متقلب.

وكلما ارتفعت خسائر الشتاء، ارتفعت أقساط التأمين على الممتلكات والسياحة الشتوية في تلك الدول، ما يعني بدوره تكلفة إضافية على الناتج المحلي. تكلفة الظواهر الشتوية ودور التأمين رغم المنافع السالفة، فإن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الظواهر الشتوية يمكن أن تكون فادحة، وتُظهر إحصائيات شركات إعادة التأمين أن الخسائر المجمعة من كل الكوارث الطبيعية حول العالم بلغت نحو 275 مليار دولار في 2022، أي أعلى من المتوسط السنوي في العقد الماضي. وقد غطت شركات التأمين ما يقارب 125 مليار دولار من ذلك المبلغ، وهو ثاني أكبر معدل تأمين سنوي بعد عام 2017. وكان من بين أبرز الأحداث شتاء 2022 في أميركا وأوروبا، حين تسببت سلسلة من العواصف الرعدية والثلجية، مثل آينيس Eunice وفرانكلين Franklin وغيرها، بخسائر مؤمنة تقارب 4 مليارات دولار. أما الإعصار الشتوي «أوري» الذي ضرب تكساس في فبراير/شباط 2021 فقد تسبب بنحو 15 مليار دولار خسائر، ما جعله واحداً من أكثر الكوارث الشتوية كلفة في التاريخ الحديث. وفي أوروبا أيضاً، يُعدّ العاصفة الثلجية «كريل» عام 2007 مثالاً على المخاطر الكبيرة، إذ بلغت الخسائر المؤمنة منها 10.6 مليار دولار في 2022 ومن اللافت أن معظم خسائر الشتاء تقع ضمن قطاع الطقس والفيضانات وليس الزلازل، ما يعكس نمط الحرائق والعواصف المتزايد. وتشير هذه الحصيلة إلى أن العديد من الأضرار الكبيرة في هذه الفترات مرتبطة بالطقس القاسي مثل حرائق كاليفورنيا الشتوية ودمارها الذي تجاوز 53 ملياراً. وفي الولايات المتحدة وحدها بلغت الخسائر الإجمالية من عواصف مارس/آذار حتى مايو/أيار 2025 نحو 34 مليار دولار، منها نحو 26 مليار مؤمَّنة.

ومع ذلك، يبقى جانب التأمين محدوداً بالنسبة لخطر الشتاء عالمياً، فبينما تغطي شركات التأمين جزءاً كبيراً من الأضرار في الدول الصناعية ذات الأصول الثمينة، غالباً ما تتحمل الاقتصادات النامية العبء الأكبر غير المؤمن. فحسب تقرير الأمم المتحدة، تمثل الخسائر غير المؤمن عليها نسبة كبيرة من تكلفة الكوارث في البلدان الفقيرة، ما يفاقم العبء على المالية العامة ودعم التعافي. وبالتالي، تسعى شركات التأمين لرفع الأقساط أو تقييد التغطية في بعض المناطق، ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكلفة التأمين على الظواهر الشتوية. وعلى المستوى العالمي، يمكن القول إن تكلفة الظواهر الشتوية تشمل ما لا يُحصى من أوجه، فهي تشمل الأضرار المباشرة لمباني وأساطيل ومزارع الثلج، بالإضافة إلى التكاليف الثانوية مثل انخفاض الإنتاج الصناعي وتعطّل الخدمات اللوجستية وتأجيل الأنشطة الاقتصادية. فالتأخير في رحلات الشحن وحركة الركاب بسبب الثلوج، كما حدث في الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني 2023، يرفع تكاليف سلسلة التوريد. ويُضاف إلى ذلك الاستثمارات المتزايدة في البنية التحتية للوقاية كأنظمة التدفئة الذكية وتمويل أنظمة الطوارئ كتكلفة بديلة تدفعها الحكومات والشركات بدلاً من استثمارها في قطاعات أخرى. ** مصادر هذا التقرير مُجمعة من قواعد بيانات وتقارير كلٍّ من UNDRR، وMunich Re، وSwiss Re، وNOAA، وFEMA، وITC Trade Map، وGrand View Research، إضافة إلى تقديرات مبنية على أحدث التحليلات والبيانات المتاحة حتى عام 2025، مع الإشارة إلى أن بعض الأرقام الواردة تُعد تقديرية وفقاً لما تتيحه هذه الجهات من معلومات.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 3 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 4 ساعات
منذ 31 دقيقة
منذ 4 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ 9 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 15 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 9 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 20 ساعة
فوربس الشرق الأوسط منذ 14 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 4 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 13 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 4 ساعات