مؤشر جديد يعيد رسم خريطة المال العالمية.. كيف تصعد المراكز المالية الخليجية إلى الصف الأول؟

في عالم مالي يزداد تعقيداً، لم تعد المراكز المالية تقاس فقط بحجم رأس المال أو عدد المؤسسات العاملة فيها، فالصعود السريع لمدن جديدة، وتحوّل التكنولوجيا إلى محرّك أساسي في إدارة الأصول واتخاذ القرار، وتغيّر طبيعة المخاطر الجيوسياسية، كلها عوامل جعلت التصنيفات التقليدية غير كافية لشرح لماذا تتقدّم بعض المدن وتتراجع أخرى.

وسط هذا التحوّل، أطلقت كلية ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك أبوظبي مؤشر التنافسية للمراكز المالية، الذي يوظف علم البيانات لإنتاج رؤية تحليلية تتجاوز منطق الترتيب البسيط إلى فهم بنية القوة المالية لدى كل مركز.

ويمثل هذا المؤشر، الذي صُمم بدعم من المستثمر العالمي راي داليو ومن معهد التنافسية المالية العالمية في أبوظبي، إحدى الأدوات الأولى التي تحاول قراءة المراكز المالية عبر ركيزتين: الأثر الحالي والديناميكيات المستقبلية. وهو بذلك يوفّر أرضية منهجية للتخطيط، لا مجرد تصنيف رقمي.

من الترتيب إلى التشخيص.. ما الذي يجعل المؤشر مختلفاً؟

يؤكد روب سولومون، عميد كلية ستيرن للأعمال في جامعة نيويورك أبوظبي، في مقابلة مع CNN الاقتصادية أن التصنيفات التقليدية «تخبرك أين تقف دون أن تشرح لك لماذا»، مشيراً إلى أن مؤشر التنافسية للمراكز المالية صُمم لتحويل الترتيب إلى أداة استراتيجية، ويوضح أن أحد أبرز أهداف المؤشر هو تمكين صنّاع السياسات من فهم العوامل التي تؤثر في أداء مراكزهم، سواء كانت تنظيمية، أو بشرية، أو تقنية، أو مرتبطة بعمق رأس المال.

ويضيف أن المؤشر الجديد يمكّن القادة من استخدام أداة تفاعلية لاختبار سيناريوهات «ماذا لو»، مثل تأثير تغيير اللوائح التنظيمية أو زيادة الاستثمار في التكنولوجيا على التنافسية، وبذلك تتحول عملية التقييم إلى عملية صنع قرار مبنية على معطيات دقيقة وليس انطباعات عامة.

ويشير سولومون إلى أن المؤشر «يبني لغة مشتركة» بين المراكز المالية المختلفة، إذ يساعدها على تقييم نقاط القوة والضعف لديها بطريقة موحدة، ما يسمح بمقارنة واقعية بين مراكز ذات طبيعة مختلفة، سواء تقليدية أو ناشئة.

الخليج في قلب الخريطة.. أربعة مراكز ضمن أفضل 30 عالمياً

لا يلفت النظر فقط وجود نيويورك ولندن وسنغافورة في الصدارة، بل الحضور المتقدم لأبوظبي (المرتبة 12)، ودبي (14)، والرياض (26)، والدوحة (29)، هذا التقدم يعكس تحوّلاً حقيقياً في ميزان القوة المالية العالمية، حيث باتت مراكز عمرها أقل من عقدين تنافس مراكز مالية راسخة تمتد تاريخياً لأكثر من قرن.

ويرى سولومون أن الزخم الخليجي نتيجة «التقاء عوامل متعددة في اللحظة نفسها»، موضحاً أن المنطقة جمعت بين إصلاحات تنظيمية قوية، وتدفقات رأسمالية كثيفة، وبنية تحتية عالمية المستوى، وجهود متواصلة في استقطاب المواهب وبناء المنظومات المالية، ويعتبر أن هذا التناغم أحد أسرع الطرق لبناء مركز مالي مستدام.

وفي ما يتعلق باستدامة هذا النمو، يشدد سولومون على ضرورة استمرار العمل على عدة مسارات: تعزيز المؤسسات، استقطاب المواهب والاحتفاظ بها، وتطوير بنية تحتية تقنية قادرة على مواكبة التحولات، ويرى أن المكونات موجودة بالفعل، لكن الاستمرارية في الاتجاه الصحيح هي ما سيحدد من سيحافظ على مكانته خلال العقد المقبل .

ويشير أيضاً إلى أن الخليج أظهر قدرة واضحة على التعلم السريع من التجارب العالمية، وتبني أفضل الممارسات التنظيمية، وتطوير أنظمة تشريعية تستوعب الابتكار بدلاً من أن تعيقه.

هل نتجه نحو نظام مالي متعدد الأقطاب؟

مع ارتفاع دور المراكز المالية الجديدة، يبرز سؤال حول شكل النظام المالي العالمي في المستقبل، هل تتجه الأسواق نحو تعدد المراكز بدلاً من هيمنة ثلاثي نيويورك لندن سنغافورة؟

يقول سولومون إن الإجابة ليست محسومة، فالبيئة المالية تتغير بسرعة، وصعود مركز ما اليوم لا يعني بالضرورة استمراره، كما يشير إلى أن المراكز التقليدية نفسها لن تقف ساكنة؛ فهي أيضاً تستثمر وتعيد تطوير هياكلها.

مع ذلك، تُظهر بيانات المؤشر أن عدداً من المراكز، لا سيما في الخليج، يمتلك المقومات اللازمة للدخول إلى الفئة العليا من المراكز المالية خلال العقدين المقبلين، ويعتبر سولومون أن المراكز الأكثر تنافسية مستقبلاً ستكون تلك التي تتقن «دمج المكوّنات الخام»: رأس المال المالي، ورأس المال البشري، والتكنولوجيا، والمنظومات الشاملة للاعبين الماليين.

ويضيف أن الدور المتعاظم للذكاء الاصطناعي، الذي أصبح يتدخل في إدارة المحافظ واتخاذ القرار وتخصيص الأصول، سيمنح أفضلية للمراكز التي تستثمر مبكراً في البنية التحتية للبيانات والتطبيقات التقنية، لكنه يحذّر من الاعتقاد بأن التكنولوجيا وحدها كافية، مؤكداً أن التنظيمات والموهبة عنصران أساسيان بالقدر نفسه.

منهجية المؤشر.. رؤية للحاضر واستعداد للمستقبل

يرتكز المؤشر على ركيزتين تكملان بعضهما:

1. ركيزة الأثر: وتقيس النشاط الحالي، والقوة المؤسسية، والموارد، والأنظمة البيئية المالية.

2. ركيزة الديناميكيات: وتقيّم إمكانات النمو المستقبلية والاستعداد التقني والابتكار والبنية التحتية للبيانات.

هذا الدمج بين «ما هو قائم» و«ما يمكن أن يكون» يمكّن صناع القرار من فهم الصورة الكاملة، خصوصاً في عالم لا تكفي فيه قراءة الماضي للتنبؤ بالمستقبل.

كما يشرح سولومون أن المنصة الإلكترونية المرافقة للمؤشر «تمكّن المستخدمين من تعديل الأوزان وإنشاء تصنيفات خاصة بهم»، وهي أداة تمنح المستثمرين وصناع السياسات قدرة على محاكاة تأثير الخيارات المختلفة قبل تنفيذها.

لماذا أبوظبي؟

اختيار أبوظبي مقراً لمعهد التنافسية المالية العالمية يعكس التحوّل الذي تشهده الإمارة، باعتبارها مركزاً يجمع بين رأس المال، والرؤية الحكومية الاستثمارية، والبيئة التنظيمية المتقدمة، كما يراها سولومون موقعاً مثالياً لتطوير أدوات تعالج أسئلة متعلقة بمراكز جديدة تتشكل في آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا.

ويرى أن أداء مدن الخليج هو «دليل على السرعة التي يمكن أن تنمو بها المراكز الجديدة عندما تتكامل السياسات واللوائح التنظيمية والمواهب والابتكار»، ما يجعل أبوظبي مختبراً طبيعياً لمثل هذا المشروع البحثي العالمي.

نظرة إلى الأمام

بحسب القائمين على المؤشر، ستتم مراجعته سنوياً، مع خطط لتوسيعه عبر مؤتمرات وشراكات بحثية إضافية، ويتوقع أن يصبح أداة مرجعية للحكومات التي تسعى لبناء مراكز مالية قادرة على المنافسة، وللمؤسسات الاستثمارية التي تبحث عن فهم أعمق لتوجهات الأسواق.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ ساعة
منذ ساعة
منذ 5 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ ساعتين
منذ ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 22 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 8 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 44 دقيقة
منصة CNN الاقتصادية منذ 6 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 4 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 6 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 3 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعتين