من الداخل إلى الخارج... كيف أسست رؤية الأمير محمد بن سلمان لسياسة دبلوماسية اقتصادية عالمية مختلفة #ملف_ربع_قرن

ملخص يرصد التقرير مسار التحول السعودي من التأسيس إلى الرؤية، مع صعود محمد بن سلمان، وكيف انعكس التحديث الداخلي على سياسة دبلوماسية عالمية أعادت تموضع الدولة إقليمياً ودولياً.

قبل 80 عاماً التقطت مجلة "لايف" الأميركية صورة عرَّفت العالم بالملك عبدالعزيز. كانت تلك اللحظة عام 1943، أول خروج سعودي نحو مسرح السياسة الدولية. وقف المؤسس أمام عدسة لم تعرف من الشرق سوى الحكايات الاستشراقية، وقدم نفسه بوضوح وبساطة رجل دولة يدرك موقعه في زمن مضطرب.

LIVE An error occurred. Please try again later

Tap to unmute Learn more تحدث عن فلسطين ووحدة العرب ومعنى العدالة، وتطرق إلى كيفية إدخال التغيير والحداثة في مجتمع شديد التحفظ، وكأنه يدرك أن الكلمات التي ينطق بها ستتجاوز زمن الحرب العالمية إلى زمن آخر لم يُولد بعد.

ملامح التحول لم يكن ذلك اللقاء مجرد مقابلة صحافية، بل لحظة ميلاد الرواية السعودية الأولى أمام العالم، اللحظة التي كسرت فيها السعودية عزلتها الإعلامية وقدمت نفسها كما تريد أن ترى، لا كما يكتبها الآخرون.

واليوم، وبعد ثمانية عقود من إعلان الملك عبدالعزيز هوية الدولة الناشئة، عبرت البلاد عهداً بعد آخر قاده أبناء المؤسس الذين راكموا ملامح الدولة الحديثة، من زمن سعود، حيث اتسعت مؤسسات الحكم، إلى عهد فيصل الذي ترسخ فيه الحضور الخارجي ورسمت فيه السياسة النفطية، ثم مرحلة خالد التي استقر فيها البناء الداخلي، وصولاً إلى نهضة البنية الإدارية والاقتصادية في زمن فهد، فسنوات عبدالله التي شهدت إصلاحات اجتماعية وتعليمية وتحولات إقليمية عميقة.

ومع تولي الملك سلمان دخلت البلاد طوراً جديداً من التغييرات الاجتماعية والاقتصادية لبناء مرحلة مختلفة من الدولة العصرية، برز فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بوصفه "مهندس التحول" عبر رؤية 2030، لتأخذ السعودية إلى مداها الأوسع، من المدن الذكية إلى اقتصاد الابتكار، ومن حضور إقليمي ثابت إلى دور دولي فاعل، مستنداً إلى إرث المؤسس الذي قدم هوية الدولة، ليقدم هو اليوم ملامح مستقبلها.

وإذا كان لقاء "لايف" مع الملك عبدالعزيز قدم للعالم صورة الدولة السعودية في لحظة تأسيسها، فإن العقد الأخير يرسم صورة أخرى للبلد النفطي وهو يدخل مرحلة إعادة اكتشاف ذاته، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

السعودية في العقد الأخير ظهرت نتائج التحول في السعودية بوضوح على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، عبر تغييرات عملية أعادت تشكيل طريقة عمل الدولة وموقعها في الداخل والخارج. ولم يعد هذا التحول يقرأ بوصفه استجابة ظرفية، بل مساراً متكاملاً يعكس إعادة صياغة عميقة لدور الدولة السعودية في محيطها الإقليمي والدولي.

يرى عضو هيئة التدريس في قسم العلوم السياسية بجامعة الملك عبدالعزيز، إياد الرفاعي، أن ما تشهده السعودية يتجاوز تحسين الصورة أو إدارة الأزمات، ليصل إلى إعادة بناء جذرية للهوية السياسية السعودية. ويقول لـ"اندبندنت عربية" إن هذا المسار يعكس رؤية استراتيجية تقودها قيادة حازمة، أعادت رسم موقع السعودية داخل معادلات القوة الإقليمية والعالمية.

ويلفت الرفاعي إلى أن صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى قلب صنع القرار عام 2017 شكل نقطة تحول مفصلية، نقلت البلاد من نموذج محافظ يعتمد أساساً على النفط والتحالفات التقليدية مع الغرب، إلى لاعب أكثر جرأة وتأثيراً في الساحة الدولية. ويوضح أن هذا التحول لم يكن عفوياً، بل نتاج استراتيجية مدروسة جمعت بين الحزم في التعامل مع التحديات الإقليمية، خصوصاً في مرحلة ما بعد الربيع العربي، والانفتاح على شراكات دولية جديدة مع الصين وروسيا، مع الحفاظ في الوقت ذاته على العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

على الصعيد الإقليمي، يؤكد الرفاعي أن السياسة الخارجية السعودية شهدت تحولاً نوعياً، انتقلت فيه من منطق المواجهة إلى التهدئة الدبلوماسية. ويستشهد باتفاق استئناف العلاقات مع إيران بوساطة صينية في مارس 2023، بعد قطيعة استمرت سبع سنوات، وهو ما أسهم في خفض مستوى التوتر على رغم استمرار أزمات معقدة في غزة واليمن. وامتد هذا النهج إلى إنهاء الأزمة مع قطر عام 2021، وتعزيز الشراكات مع تركيا بين عامي 2023 و2025 في ملفات الاستقرار الإقليمي والتعاون الاقتصادي.

وبحلول عام 2025، بحسب الرفاعي، أكدت الرياض وطهران التزامهما بالاتفاق، مع دور سعودي في تسهيل مسارات الحوار، بما في ذلك المحادثات النووية الإيرانية - الأميركية، ضمن دبلوماسية مرنة تسعى إلى إدارة الصراعات بدلاً من تأجيجها. ويضيف أن هذا الدور توازى مع استمرار الجهود السعودية في مكافحة الإرهاب، ودعم مسارات السلام في السودان واليمن، مع الحفاظ على موقف واضح تجاه القضية الفلسطينية وحق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة.

داخلياً، يشير الرفاعي إلى أن الإصلاحات الاجتماعية شكلت أحد أكثر أوجه التحول وضوحاً، وفي مقدمها توسيع حقوق المرأة منذ عام 2019 في مجالات العمل والتنقل، ووصولها إلى مواقع قيادية في القطاعين العام والخاص. ويرى أن هذه التحولات أسهمت في تغيير الصورة النمطية عن المملكة، ونقلت النظرة الدولية إليها من دولة محافظة تقليدية إلى دولة حديثة تعيد صياغة بنيتها الاجتماعية بما يتوافق مع اقتصاد أكثر انفتاحاً وتنوعاً.

وتزامن هذا المسار مع تحولات ثقافية لافتة، شملت عودة دور السينما، وتنظيم مواسم فنية وترفيهية كبرى، واستضافة فعاليات عالمية مثل سباقات "فورمولا 1" ومهرجان البحر الأحمر السينمائي. ويؤكد الرفاعي أن هذه التغييرات لم تكن تحديثاً شكلياً، بل جزءاً من إعادة بناء شاملة للعلاقة بين المجتمع والاقتصاد والدولة.

ويعتبر الرفاعي أن الدبلوماسية الاقتصادية أدت دوراً مكملاً لهذا التحول، من خلال استثمارات صندوق الاستثمارات العامة في قطاعات التقنية والرياضة والترفيه، مما عزز موقع السعودية كشريك اقتصادي فاعل داخل مجموعة العشرين، ورسخ نموذجاً تنموياً يوازن بين الحزم السياسي والانفتاح الاقتصادي، ويقلص الاعتماد على النفط عبر تنويع مصادر الدخل.

ويأتي التحول الأعمق، وفق قراءة الرفاعي، مع رؤية 2030 التي أعادت منذ إطلاقها عام 2016 تعريف موقع السعودية في الاقتصاد العالمي، عبر الاستثمار في الطاقة المتجددة والسياحة والتقنية، وتعزيز دور الاقتصاد غير النفطي. وعلى الصعيد البيئي، أسهمت مبادرات مثل "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الخضراء" في ترسيخ مسار الاستدامة وخفض الانبعاثات، بما يعكس تحولاً في دور السعودية من مجرد منتج للطاقة إلى فاعل في صياغة سياسات المناخ العالمية.

التعامل مع التحديات وعلى رغم اتساع مسار التحول، لم تكن التجربة السعودية بمنأى عن التحديات، إذ واجهت السعودية انتقادات غربية. ويقرأ بعض المحللين هذه الحملات في سياق تغير موازين القوة الاقتصادية العالمية.

وفي هذا الإطار، يرى الرفاعي أن تراجع اعتماد السعودية على الغرب وتوسع استثماراتها في آسيا وأفريقيا أسهما في تقليص نفوذ أطراف تقليدية، مما انعكس في تصاعد خطاب نقدي يستند في كثير من الأحيان إلى صور نمطية قديمة عن السعودية. ويضيف أن هذه السرديات تتجاهل التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المتسارعة، وتعكس أحياناً محاولات لفرض معايير خارجية على سياق مختلف.

وأكد المتخصص في مجال العلوم السياسية بالقول إن الخطاب الغربي بدأ خلال عام 2025 يميل تدريجاً إلى الاعتراف بحجم التغيير الجاري في السعودية، في وقت يواصل فيه الإعلام السعودي، التقليدي والحديث، تفكيك هذه الصور النمطية عبر إبراز منجزات تحققت في زمن قياسي.

وختم حديثه عن مستقبل السعودية قائلاً إن المرحلة المقبلة مرشحة لتعزيز نموذج "القوة المستقلة المؤثرة" عبر دبلوماسية عالمية متعددة الأقطاب، تتجاوز منطق التحالفات التقليدية، مع توسيع الأدوار القيادية للسعودية في الشرق الأوسط. وأضاف أنه إذا واصلت السعودية هذا النهج المرن والمنفتح، المدعوم بالحزم السياسي والواقعية الأمنية، فإنها تسير بثبات نحو التحول إلى محور للاستقرار الإقليمي وقطب أوسط صاعد في السياسة العالمية.

بناء الضبط والتغيير إعادة هندسة مجتمع واقتصاد بهذا الحجم تحتاج إلى وقت لاستيعاب التحولات وتجاوز العقبات الطبيعية المرتبطة بتغيير أنماط راسخة. ومع ذلك تؤكد تجربة السنوات الأخيرة أن رؤية 2030 لم تكن مجرد خطة تنموية، بل مشروعاً واسعاً لإعادة صياغة شكل الدولة الحديثة في الجزيرة العربية، وإعادة تعريف علاقة السعودية بالعالم، ووضع البلاد على مسار يصعب الرجوع عنه.

وقد وصف عدد من الباحثين هذا المسار بأنه من التجارب اللافتة في التحديث العربي المعاصر.

ومن زاوية إدارة التغيير الاجتماعي يبرز نهج يقوم على الإقناع حيناً، وعلى إحداث صدمة محسوبة حيناً آخر، في مقاربة تستحضر مقارنة لافتة بين جيلين مختلفين من القيادة. فالملك عبدالعزيز أدرك مبكراً أن التحديث لا يمر عبر الفرض أو الصدام، بل من خلال تطويع الحساسية الاجتماعية وطمأنة المتوجسين من كل جديد.

وتأتي قصة الراديو، الواردة في مقابلة مجلة "لايف"، مثالاً دالاً على هذا النهج، حين واجه المؤسس اعتراضاً واسعاً من بعض العلماء. ولتفادي التصادم، طلب بث تلاوة قرآنية عبر الجهاز، فكان الصوت الديني نفسه جسراً أنهى الشكوك وفتح الباب أمام اندماج التقنية في المجتمع الناشئ. لم تكن تلك خطوة تقنية فحسب، بل درساً مبكراً في بناء القبول الاجتماعي لتغييرات عميقة من دون كسر البنية المحافظة.

وفي زمن الحفيد، تتكرر الفكرة بمنطق العصر نفسه، إصلاحات واسعة تُدار بقراءة دقيقة للمجتمع، وبمسارين متوازيين، الإقناع من جهة، والصدمة المحسوبة من جهة أخرى.

فبعد قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة، كتبت "نيويورك تايمز" عام 2017 أن قرارات من هذا النوع جاءت "بعد نقاش داخلي طويل، ومرت بسلاسة لأنها لم تصطدم بالبنية التقليدية للمجتمع".

وذهبت "واشنطن بوست" بعد ذلك بعامين إلى أن ولي العهد "أعاد تعريف دور.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من اندبندنت عربية

منذ 5 دقائق
منذ ساعة
منذ 11 ساعة
منذ ساعة
منذ ساعة
منذ ساعة
قناة العربية منذ 21 ساعة
أخبار الأمم المتحدة منذ 7 ساعات
قناة العربية منذ ساعتين
قناة العربية منذ 5 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 6 ساعات
سكاي نيوز عربية منذ 3 ساعات
قناة روسيا اليوم منذ 13 ساعة
قناة روسيا اليوم منذ 11 ساعة