بين السينما والتلفزيون

على الرغم من كون السؤال مطروح على مستوى النهوض بمكانة الفيلم السينمائي خاصة والصورة عموما في الحياة العامة بالمغرب، وفي نقاشات غالباً ما تكون هامشية وسطحية وفقيرة في الأفكار، حاول سينمائيون ونقاد ومهتمون بالصورة عموما، مغاربة تناول الاختلافات بين الأفلام التلفزيونية والأفلام السينمائية، دون أن ينجحوا، غالبا، في إقناع الآخرين حقاً.

ومع ذلك، فإن الفيلم التلفزيوني والفيلم السينمائي ورغم انتمائهما إلى عالم صناعي وفني وتواصلي بصري واحد، لا يتحدثان نفس اللغة.

فالفرق بينهما لا يقتصر على التقنية المستخدمة أو مكان العرض، بل يكمن في تصوُّر الصورة ذاته، وفي فلسفة السرد، وفي العلاقة بالمتفرج، وفي الطموح الفني الذي يحرّكهما.

كما كتب أندريه بازان: «الصورة ليست أبداً ما تُظهره، بل ما تُجبرنا على رؤيته».

يحتلّ كلٌّ من الفيلم التلفزيوني والفيلم السينمائي موقعاً خاصاً داخل منظومة الصورة الحديثة، فلهما تأثير قوي وعميق ولا مثيل له نظرا لحضورهما الدايم واليومي في حياة الجماعات والافراد، على الرغم من اختلاف سعة مساحات الانتشار الكمي، الذي تقابله قوة وعمق التأثير التربوي نفسيا وفكريا وإدراكا لكلاهما: ففي الأول يتفوق التلفزيون وفي الثاني تتفوق السينما.

يكشف كل من التلفزيون والسينما من خلال اختلافاتهما العميقة عن طبيعة السلطة الرمزية التي تحملها الصورة، وعن حدود العلاقة بين التكنولوجيا والخيال، وبين الجمهور والمنتج الفني وبين خدمة المجتمع والفكر والفن والثقافة وخدمة الدولة والمؤسسات الرسمية والأوليات المهيمنة اولا. وحدها الديموقراطية، وقوة المجتمع المدني والمبدعون الكبار، تخلق التوازن وتنتصر للقيم النبيلة كالحرية والعدل والحق، غير ذلك يبين اكتساح التقدم المادي لمساحات أكبر من إنسانية الإنسان: إلى أين نسير؟ وحده المستقبل سيجيب وارجو ان لا يكون الوقت قد فات.

من خلال مقارنة دقيقة بين التلفزيون والسينما، يتضح أن الاختلاف لا يكمن فقط في الوسيط أو التقنية، بل يتجاوزهما نحو اختلاف فلسفي وجمالي وثقافي يمس معنى المشاهدة ذاتها وجدواها بل ووجودها.

يؤكد الناقد الفرنسي أندريه بازان أن «الصورة ليست ما نراه فيها بل ما تدفعنا إلى رؤيته»، وهذا ما يجعل المقارنة بين السينما والتلفزيون مقارنة بين نموذجين للرؤية ونموذجين للوعي أكثر منها مقارنة تقنية بسيطة.

فيما يلي تحليل معمّق للجوانب البنيوية التي تُحدث هذه الفروق الجوهرية، وهو ما يجهله الغالبية من المخرجين بشكل لا يصدق، فماذا عن الجمهور العام بل وعن المسؤولين عن القطاع السينمائي.

1 – الإنتاج بين اقتصاد السرعة واقتصاد الإبداع

تتحدد أولى الاختلافات في الميزانية وطبيعة الإنتاج.

فالفيلم التلفزيوني يقوم على اقتصاد يقوم بتقليص المخاطرة، لأن وجهته النهائية ومصدر تمويله محددان مسبقاً عبر مؤسسات البث. لذلك تبدو ميزانيته «عملية»، كما يسميها المنتج الأمريكي جون رالفورد.

أما الفيلم السينمائي فيستثمر في المخاطرة الخلّاقة التي تدخل ضمن ما يصفه المفكر الإيطالي أمبرتو إيكو بـ«اقتصاد المتخيل»، حيث توسّع الميزانية من قدرة الفريق الإبداعية، وتمنح له هامشاً أكبر لتجريب الصورة والإضاءة وحركة الكاميرا.

في التلفزيون، تسود السرعة في التصوير والإعداد، بينما في السينما يسود التمهل واستثمار الزمن باعتباره جزءاً من الإبداع ذاته. هنا يتجلى قول المخرج الفرنسي روبير بريسون: «السينما ليست فنَّ السرعة بل فنَّ استخراج الزمن من الزمن».

وهذا ما يفسر لماذا تبدو الأفلام التلفزيونية متقشفة بصرياً مقارنة بما يقدمه الفيلم السينمائي من ثراء بصري.

2 – الجماليات البصرية: من النسخ التبسيطي إلى الإبهار

في التلفزيون، تُستخدم الكاميرا والإضاءة والديكورات لتحقيق وضوح بصري يسهل استهلاكه داخل فضاء المنزل.

الإضاءة مباشرة، والكادرات ثابتة، والديكور وظيفي، لأن المشاهد ليس في قاعة مظلمة بل في وسط مليء بالمشتتات.

أما السينما، فتسعى إلى خلق تجربة حسية مكتملة.

الإضاءة ليست مجرد تقنية، بل لغة جمالية.

الكادر ليس وسيلة نقل، بل لوحة.

الديكور ليس خلفية، بل فضاء سردي.

يصف المخرج الألماني فيم فندرز السينما بأنها «اللغة التي تكتب بالضوء»، بينما يعتبر المصور الأمريكي غوردون ويليس أن «الإضاءة السينمائية هي طريقة لإخفاء العالم كي نكشفه».

هذه الأقوال تضع التلفزيون والسينما في مستويين مختلفين.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من هسبريس

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من هسبريس

منذ 7 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 4 ساعات
هسبريس منذ 13 ساعة
2M.ma منذ 5 ساعات
بلادنا 24 منذ 4 ساعات
آش نيوز منذ 10 ساعات
هسبريس منذ 5 ساعات
موقع بالواضح منذ ساعتين
آش نيوز منذ 16 ساعة
هسبريس منذ 9 ساعات