أطلق المجلس القومي لحقوق الإنسان اليوم /الأحد/ تقريره السنوي الـ18 والذي يتناول أوضاع حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الفترة من أول يوليو 2024 حتى 30 يونيو 2025.
جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي بحضور السفير محمود كارم رئيس المجلس وأعضاء المجلس وعدد من المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام وذلك في إطار الحرص لإبرز المؤشرات والتوصيات التي يتضمنها التقرير، بما يدعم بناء وعي مجتمعي مستنير بقضايا الحقوق والحريات.
ضم التقرير ثلاث فصول الأول عن الحقوق المدنية والسياسية في مصر، الثاني عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أما الفصل الثالث عن أنشطة المجلس من يوليو 2024 وحتى يونيو 2025، كما شمل التقرير التوصيات والحساب الختامي للمجلس القومي لحقوق الإنسان.
وأشار المجلس إلى أن منهجية التقرير اعتمدت على المنهج الوصفي التحليلي مع توظيف المنهج المقارن أحيانا خدمة لأهداف التقرير، إذ بنيت على مرجعية دستورية راسخة للحقوق والحريات، وانطلقت من الالتزامات الدولية التي ارتضتها الدولة، ثم انتقلت إلى رصد الإطار التشريعي المنظم، وما اتخذته مؤسسات الدولة من جهود وإجراءات لإعمال هذه الحقوق، وصولا إلى الدور التفاعلي للمجلس من خلال تدخلاته المباشرة، ومعالجاته العملية، والمواقف والتوصيات التي تبناها في مواجهة التحديات.
وأكد المجلس أن عمله لا يقتصر على الرصد والتوثيق، وإنما يمتد إلى الإسهام الفعال في دعم القدرات الوطنية وبناء الشراكات سواء مع مؤسسات الدولة أو مع منظمات المجتمع المدني أو مع الشركاء الدوليين.. وقد واصل المجلس خلال الفترة التي يغطيها التقرير تفعيل آليات التعاون والتنسيق، وعمل على توسيع دوائر الحوار مع مختلف الأطراف، إدراكا منه أن قضايا حقوق الإنسان بطبيعتها متشابكة، ولا يمكن التعامل معها بجهد أحادي أو بمعزل عن الشركاء المعنيين.
كما يولي المجلس أهمية خاصة لتعزيز الوعي المجتمعي بثقافة حقوق الإنسان، من خلال برامجه التدريبية وفعالياته التثقيفية وأنشطته البحثية، إيمانا منه بأن ترسيخ هذه الثقافة هو الضمانة الأوسع لاستدامة الإصلاحات والسياسات.. ويأتي في مقدمة هذه الجهود الاستثمار في رفع قدرات الأمانة الفنية، بما يعزز من كفاءتها في أداء دورها كمحرك رئيسي لعمل المجلس، وبما يسهم في تكوين كوادر وطنية قادرة على مواكبة التطورات المتسارعة في قضايا حقوق الإنسان على المستويين الإقليمي والدولي.
وأكد المجلس القومي لحقوق الإنسان أن التقرير عكس تطورا ملحوظا في إدراج ملف حقوق الإنسان ضمن أولويات النقاش العام، سواء من خلال الخطاب الرسمي، أو السياسات الاجتماعية، أو التفاعل مع الآليات الدولية، وفي مقدمتها الاستعراض الدوري الشامل وفي الوقت ذاته، أكدد التقرير أن هذا التقدم لا يلغي وجود تحديات هيكلية تتطلب معالجات أعمق وأكثر استدامة لضمان تحويل الالتزامات المعلنة إلى ممارسات فعلية يشعر بها المواطن.
على صعيد الحقوق المدنية والسياسية، رصد التقرير عددا من المؤشرات الإيجابية، من بينها استمرار الإفراج عن دفعات من المحبوسين احتياطيا أو المحكوم عليهم بقرارات رئاسية، واتساع نطاق الحوار حول قضايا المجال العام، فضلا عن التفاعل الإيجابي مع المراجعة الدورية الشاملة وقبول عدد كبير من توصياتها.
وفي مجال حرية الرأي والتعبير، أشار التقرير إلى انخفاض نسبي في أعداد المحتجزين على خلفية قضايا النشر مقارنة بسنوات سابقة، لكنه يؤكد استمرار وجود تحديات مرتبطة ببيئة العمل الإعلامي، وأبرز التقرير أهمية عدد من الأحكام القضائية الصادرة خلال فترة الرصد، ولا سيما حكم المحكمة الدستورية العليا الذي رسخ مبدأ حماية النقد الموجه للعمل العام باعتباره جزءا أصيلا من حرية التعبير.
أما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قدم التقرير قراءة واقعية لتأثير الأوضاع الاقتصادية العالمية ومعدلات التضخم على مستوى معيشة المواطنين.. ويسجل الجهود المبذولة لتوسيع برامج الحماية الاجتماعية، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإصدار تشريعات جديدة مثل قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل، باعتبارها خطوات مهمة نحو تعزيز العدالة الاجتماعية.
وفي قطاع الصحة، ثمن التقرير المبادرات الوطنية للكشف المبكر عن الأمراض وتوسيع مظلة التأمين الصحي، مع الإشارة إلى استمرار التفاوت في مستوى الخدمات ونقص الموارد البشرية في بعض المناطق. وفي التعليم، يتناول التقرير التوسع في التحول الرقمي وتطوير البنية الأساسية، مقابل تحديات قائمة تتعلق بالكثافة الطلابية وجودة التعليم والفجوة بين الريف والحضر.
وتناول التقرير بالتفصيل التطورات التشريعية التي شهدتها فترة الرصد، معتبرا إياها عنصرا محوريا في تعزيز منظومة الحقوق وحلل عددا من القوانين والقرارات، من بينها قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وقانون تنظيم لجوء الأجانب، وقانون المسؤولية الطبية، وتعديلات قوانين الانتخابات، وقانون الإيجار القديم، من زاوية مدى اتساقها مع المعايير الدستورية والحقوقية، مع التأكيد على أهمية اللوائح التنفيذية والتطبيق العملي لضمان تحقيق الأهداف المرجوة منها.
وأكد المجلس القومي لحقوق الإنسان أن التقرير أبرز الدور المتنامي للقضاء في حماية الحقوق والحريات، مستعرضا مجموعة من الأحكام الصادرة عن المحكمة الدستورية العليا ومحكمة النقض والمحكمة الإدارية العليا، والتي تناولت قضايا جوهرية مثل الكرامة الإنسانية، والحق في السكن، وحماية الملكية الخاصة، والعدالة الضريبية، والحق في الخصوصية، وتكافؤ الفرص في تولي الوظائف العامة، باعتبار هذه الأحكام ركيزة أساسية لدولة القانون.
وآولى التقرير اهتماما خاصا بحقوق الفئات الآولى بالرعاية، باعتبارها مقياسا جوهريا لمدى فعالية السياسات العامة.. وفي هذا السياق، تناول أوضاع النساء والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن واللاجئين والمهاجرين، لافتا إلى تطورات تشريعية وبرامج تنفيذية هدفت إلى تعزيز الحماية الاجتماعية والتمكين الاقتصادي، ومكافحة التمييز، وتوسيع فرص الإدماج وثمن التقرير الخطوات المرتبطة بدمج منظور النوع الاجتماعي في بعض السياسات والبرامج، مع التأكيد على أن التحدي الحقيقي يظل في ضمان التطبيق المتكافئ لهذه السياسات، خاصة في المناطق الأكثر احتياجا.
كما يتناول التقرير وضع اللاجئين وطالبي اللجوء في ضوء صدور قانون تنظيم لجوء الأجانب، معتبرا إياه تطورا تشريعيا مهما ينظم هذا الملف لأول مرة في إطار قانوني وطني متكامل.. وأكد التقرير أهمية الموازنة بين اعتبارات السيادة الوطنية والالتزامات الدولية، وضمان تمتع اللاجئين بالحقوق الأساسية، وعلى رأسها الحق في الحماية، والرعاية الصحية، والتعليم، والعمل اللائق، مع ضرورة توفير آليات تنفيذ واضحة تمنع أي تمييز أو انتقاص من الكرامة الإنسانية.
وفيما يتعلق بالحقوق البيئية، أبرز التقرير تزايد الوعي بأهمية البعد البيئي كجزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، خاصة في ظل التغيرات المناخية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.. ويتناول جهود الدولة في مجالات إدارة المخلفات، وتحسين جودة الهواء والمياه، والتوسع في مشروعات الطاقة النظيفة، مع الإشارة إلى الحاجة لمزيد من الدمج بين السياسات البيئية وحقوق المجتمعات المحلية، وضمان مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات ذات الصلة بالبيئة والتنمية المستدامة.
وتوقف التقرير عند مسألة العدالة الجنائية باعتبارها محورا رئيسيا في تقييم حالة حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن صدور قانون الإجراءات الجنائية الجديد يمثل فرصة لإعادة ضبط التوازن بين متطلبات الأمن وضمانات الحرية، شريطة تفعيل البدائل القانونية للحبس الاحتياطي، وتعزيز الرقابة القضائية، وضمان الحق في الدفاع والمحاكمة العادلة.
كما عالج التقرير قضية الحق في الخصوصية وحماية البيانات الشخصية في ظل التحول الرقمي المتسارع، معتبرا أن التوسع في الخدمات الرقمية يجب أن يقترن بضمانات قانونية وتقنية تحمي بيانات المواطنين، وتمنع إساءة استخدامها.. ويشدد التقرير على أهمية الإسراع في استكمال الأطر التنفيذية لقوانين حماية البيانات، ورفع الوعي المؤسسي والمجتمعي بهذه الحقوق، بما يعزز الثقة في التحول الرقمي ويضمن اتساقه مع المعايير الحقوقية.
وأكد التقرير أن العلاقة بين حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية علاقة تكامل لا تعارض، مشددا على أن السياسات الاقتصادية الناجحة هي تلك التي تضع الإنسان في صدارة أولوياتها.. وفي هذا الإطار، يبرز التقرير أهمية تبني مقاربات قائمة على العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتوزيع عادل للموارد، بما يسهم في الحد من الفقر وعدم المساواة، ويعزز الاستقرار الاجتماعي على المدى الطويل.
وعلى مستوى أداء المجلس، استعرض التقرير أنشطته الوطنية والدولية، بما في ذلك تلقي الشكاوى ومتابعتها، والزيارات الميدانية، وبناء الشراكات المؤسسية، والمشاركة الفاعلة في المحافل الدولية، كما يؤكد التقرير التزام المجلس بالحفاظ على تصنيفه في الفئة (أ) وفقا لمبادئ باريس، ومواصلة جهوده لتعزيز استقلاليته وتطوير بنيته المؤسسية.
وأكد التقرير أن تعزيز منظومة حقوق الإنسان في مصر يظل مسارا تراكميا يتطلب نفسا طويلا، وإرادة سياسية مستمرة، وتعاونا مؤسسيا ومجتمعيا واسعا.. ويشدد المجلس القومي لحقوق الإنسان على أن التقرير لا يمثل نهاية تقييم، بل نقطة انطلاق لنقاش وطني أعمق حول سبل تطوير السياسات العامة، وتعزيز سيادة القانون، وترسيخ ثقافة الحقوق والحريات، بما يدعم بناء دولة حديثة تقوم على الكرامة الإنسانية والمواطنة والمساواة.
وخلص التقرير إلى أن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال فترة الرصد تعكس مسارا مركبا يجمع بين خطوات إصلاحية ملموسة وتحديات قائمة.. مؤكدا أن تحقيق تقدم مستدام يتطلب تعزيز سيادة القانون، وتوسيع المشاركة المجتمعية، وتطوير آليات المتابعة والمساءلة، وترسيخ الشراكة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
وقدم التقرير توصيات تستهدف دعم هذا المسار، انطلاقا من قناعة راسخة بأن حقوق الإنسان تشكل ركيزة أساسية للاستقرار والتنمية وبناء الثقة بين الدولة والمواطن.
وأكد المجلس القومي لحقوق الإنسان أنه ينظر إلى هذا التقرير باعتباره أداة للمساءلة الإيجابية وفرصة لتعزيز جسور الثقة مع المواطنين، ودعوة مفتوحة لمؤسسات الدولة والمجتمع المدني وللأكاديميين والباحثين والخبراء إلى التفاعل مع ما ورد فيه من وقائع وملاحظات وتوصيات وهو في الوقت نفسه يعبر عن قناعة راسخة لدى المجلس بأن التحديات، مهما كانت جسامتها، يمكن مواجهتها عبر الحوار الصريح والالتزام المتبادل، وأن مستقبل حقوق الإنسان في مصر - ونقدر ما تم إنجازه حتى الآن - مرهون بقدرتنا جميعا على العمل المشترك الذي يوازن بين ضرورات الأمن ومتطلبات الحرية، وبين مقتضيات التنمية وواجبات العدالة الاجتماعية.
وذكر المجلس أنه على الصعيد الأممي، عقد المجلس القومي لحقوق الإنسان على هامش جلسة مناقشة تقرير جمهورية مصر العربية أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل في مقر الأمم المتحدة في جنيف حلقة نقاشية حول حالة حقوق الإنسان في مصر في الفترة من 2019 حتى 2024: ماذا تحقق ، وذلك يوم 27 يناير 2025. وقد نظم المجلس هذه الفعالية بالشراكة مع المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، وهو المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في الدنمارك.
كما شهدت جلسة المراجعة الدورية الشاملة الرابعة لمصر في 28 يناير 2025 تقييما دوليا مهما لواقع حقوق الإنسان، حيث كانت مصر قد تلقت في الاستعراض الثالث عام 2019 عدد 372 توصية قبلت منها الغالبية العظمى، واستعرضت الحكومة المصرية في تقريرها الأخير جهودها عبر 14 محورا أبرزها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
وعلى المستوى البرلماني، شهدت العلاقة مع السلطة التشريعية تطورا ملحوظا، تمثل في مشاركة المجلس بمناقشة عدد من مشروعات القوانين المرتبطة بالحقوق والحريات العامة، وفي دراسة موازنته وخطته السنوية، فضلا عن الاجتماعات المشتركة مع اللجان المختصة لمناقشة القضايا ذات الصلة، وفي مقدمتها ما يتصل بتعديل قانون المجلس بما يحقق مزيدا من الاتساق مع مبادئ باريس.
وفي إطار ملف الاعتماد والتصنيف، بذل المجلس القومي لحقوق الإنسان جهودا متواصلة للحفاظ على تصنيفه في الفئة (أ)، تضمنت إعداد تقارير فنية مفصلة للرد على ملاحظات لجنة الاعتماد الدولية، وتطوير أدواته المؤسسية، بما في ذلك تحديث موقعه الإلكتروني وإتاحة تقاريره ومخرجات عمل المجلس باللغتين العربية والإنجليزية، فضلا عن الحرص على إنجاز وإطلاق تقريره السنوي الـ18 قبل انعقاد جلسة التصنيف المقبلة، تأكيدا على التزامه بالمعايير الدولية ومواصلة تعزيز استقلاليته ومصداقيته.
وفي هذا السياق، ينظر المجلس بتقدير إلى ما تبديه لجنة الاعتماد من موضوعية وشفافية في ملاحظاتها، والتي اعتبرها خارطة طريق لتطوير الأداء المؤسسي وتعزيز الفاعلية.
وانطلاقا من رؤية حقوقية واضحة، تمكن المجلس في فترة وجيزة من تحقيق إنجازات ملموسة، مستندا إلى منهجية ثنائية الركائز تجمع بين المقاربة المبنية على الأدلة (Evidence-Based Approach) والمقاربة القائمة على حقوق الإنسان (Human Rights-Based Approach)، وهو ما انعكس على صياغة سياسات أكثر فاعلية.
وفي ضوء الاستجابة لملاحظات لجنة الاعتماد الدولية بشأن تعديل قانون المجلس، عقدت لقاءات تنسيقية موسعة مع الجهات التشريعية والتنفيذية المعنية انتهت إلى بلورة مسودة مشروع قانون متكامل يتناول الملاحظات الجوهرية الواردة من اللجنة.. وفي أغسطس 2025، توجت هذه الجهود بلقاء مع دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، لبحث مطالب المجلس بشأن تعديل قانون إنشائه رقم 94 لسنة 2003 والمعدل بالقانون 197 لسنة 2017، بما يعزز الاستقلالية والتناسق مع مبادئ باريس.. وقد أكد دولة رئيس الوزراء حرصه على دعم المجلس قانونيا ومؤسسيا، وصدر في هذا الشأن بيان شامل جامع من رئاسة مجلس الوزراء.
واستكمالا للنهج التشاركي، أطلق المجلس أولى جلساته التشاورية مع منظمات المجتمع المدني، بمشاركة واسعة من شخصيات حقوقية وإعلامية وأكاديمية، في خطوة تعكس انفتاح المجلس على النقد البناء، وحرصه على إدماج أصوات الفاعلين المستقلين في صياغة أوراق السياسات وخطط العمل المستقبلية.. ولم يغفل المجلس في الوقت ذاته البعد المؤسسي، حيث شرع في مراجعة شاملة للبنية التنظيمية واللوائح الحاكمة، بما في ذلك تحديث اللوائح المالية والإدارية، وإعداد لائحة جديدة للشؤون العاملين، تعزيزا لمبادئ الشفافية والعدالة وتيسير الإجراءات وتحسين بيئة العمل.
وأكد المجلس القومي لحقوق الإنسان أن هذا التقرير لا يمثل مجرد توثيق سنوي لما تحقق من جهود، بل يعكس إرادة جماعية لإحداث نقلة نوعية في مسيرته، ارتكازا على المهنية والاستقلالية والانفتاح والتفاعل المستمر مع مختلف الشركاء الوطنيين والدوليين وقد أظهر تحليل متابعة تنفيذ توصيات التقرير السابق تقدما ملحوظا في عدة محاور، من بينها المشاركة في الحوارات الوطنية، وتقديم المقترحات التشريعية، والمساهمة في إصلاحات قانونية مؤثرة، إلى جانب رصد زيارات في مخصصات قطاعات حيوية، وإطلاق مبادرات نوعية لحماية الفئات الخاصة. وفي المقابل، ما زالت بعض التحديات الجوهرية قائمة، وتتطلب مزيدا من التنسيق المؤسسي وتطوير الآليات الوطنية المعنية.
وجدد المجلس التزامه بمواصلة جهوده الرامية إلى تعزيز امتثاله الكامل لمبادئ باريس والمعايير الدولية ذات الصلة، والحفاظ على تصنيفه ضمن الفئة (أ) للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان.
وأكد المجلس أن الفترة من يوليو 2024 حتى يونيو 2025 شهدت حضورا متزايدا لقضية حقوق الإنسان على أجندة الدولة، سواء من خلال التوجهات الرئاسية أو عبر السياسات العامة والبرامج التنفيذية التي سعت إلى تحسين أوضاع المواطنين وتعزيز منظومة الحقوق والحريات، حيث تكرر التأكيد في أكثر من مناسبة على أن كرامة المواطن المصري واحترام حقوقه الدستورية يمثلان أساسا لبناء الجمهورية الجديدة، وأن الارتقاء بحقوق الإنسان لم يعد خيارا هامشيا وإنما عنصر أصيل في عملية الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد انعكس ذلك في حرص الدولة على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، باعتبارها إطارا مرجعيا يربط بين الإصلاح التشريعي والسياسات التنفيذية، وفي انفتاح متزايد على النقاش العام من خلال الحوار الوطني وما طرحه من قضايا شائكة كان لبعضها اتصال مباشر بمنظومة الحقوق والحريات.
وأكد المجلس القومي لحقوق الإنسان أن توجهات رئاسية متعددة تستهدف التوسع في برامج الحماية الاجتماعية لمواجهة الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، والتخفيف عن الفئات الأكثر هشاشة، إلى جانب مبادرات تنموية في القرى والمناطق النائية عبر استكمال مشروعات البنية الأساسية وتوفير خدمات الصحة والتعليم، كما انعكس الحرص على دعم المرأة والشباب وذوي الإعاقة من خلال برامج تمكين اقتصادي وتوسيع نطاق الحماية القانونية، وهو ما يترجم على نحو ملموس توجه الدولة لإدماج الفئات الأكثر احتياجا في مسار التنمية الشاملة. وكذلك مبادرة رئيس الجمهورية لبناء الإنسان المصري، التي تهدف إلى تعزيز وعي المواطن وتطوير قدراته التعليمية والصحية والثقافية، بما يرسخ قيم المواطنة ويحافظ على الحقوق والحريات الأساسية في إطار رؤية تنموية شاملة ومتوازنة.
وأشار إلى أن الدولة تولي اهتماما متناميا بالتحول الرقمي في تقديم الخدمات الحكومية، سواء في القطاعات الخدمية أو في مجال العدالة، بما يعزز الشفافية ويسرع وتيرة الحصول على الخدمات، وييسر وصول المواطنين إلى حقوقهم.
وقد شهدت فترة التقرير إصدار عدد من التشريعات ذات الصلة بممارسة وحماية الحقوق المدنية والسياسية، لعل أبرزها قانون الإجراءات الجنائية في نسخته الأولى، وقانون تنظيم لجوء الأجانب، إلى جانب القوانين المنظمة للانتخابات البرلمانية التي ستجرى في مصر خلال الثلث الأخير من عام 2025، كما شهدت ذات الفترة تفاعل الدولة المصرية للمرة الرابعة مع آلية الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، والذي اتسم بطابع إيجابي.
وعلى مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بذلت الدولة جهودا حثيثة لتحسين مستوى المعيشة عبر رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الحكومي وزيادة مخصصات برامج الحماية الاجتماعية، وهي إجراءات تعكس إدراكا رسميا للتحديات المعيشية المتفاقمة غير أن معدلات التضخم واستمرار هشاشة أوضاع العمالة غير الرسمية، والضغوط الاقتصادية العالمية، جعلت من أثر تلك الإجراءات محدودا في بعض الأحيان، مما يفرض ضرورة بذل مزيد من الجهود لضمان مستوى لائق من العيش الكريم.
كما شهد القطاع الصحي استمرار المبادرات الوطنية للكشف المبكر عن الأمراض وتطوير برامج التأمين الصحي، غير أن تفاوت مستوى الخدمة بين المحافظات وضعف الموارد البشرية المتاحة يظل تحديا قائما.
وفي مجال التعليم، استمر التوسع في إدخال التكنولوجيا الرقمية وتطوير البنية الأساسية، غير أن الكثافة الطلابية والفجوة بين الحضر والريف ما زالت تمثل تحديا أمام تحقيق الجودة المطلوبة.
هذا المحتوى مقدم من بوابة دار الهلال
