يبعث الدور التركي المطروح بشأن الاضطلاع بدور في إعادة إعمار قطاع غزة وتسوية أوضاعه الأمنية تساؤلات عديدة، أو بالأحرى هواجس في الأوساط السياسية الغربية، في ظل سجل أنقرة الطويل في دعم حركة "حماس"، بما يضع علامات استفهام حول مدى الاطمئنان لدورها كـ"ضامن" أو شريك في مرحلة ما بعد الحرب، وفق "ناشيونال إنترست".الدور التركي
ويعاود الفريق المتشكك أو المعارض للدور التركي نتيجة هذه المخاوف تداول تصريحات سابقة للرئيس رجب طيب إردوغان، طالب فيها حلفاءه عدم الوقوف إلى جانب "المنظمات الإرهابية" ودعمها في سوريا، في إشارة إلى دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، وهي المقاربة التي يؤكد من خلالها المعارضون أن تركيا مطالبة اليوم بالالتزام بالمعيار ذاته، في وقت تسعى فيه إلى الانخراط في ترتيبات غزة، رغم رفضها تصنيف "حماس" منظمة إرهابية، واستمرار احتضانها قيادات تابعة للحركة.
وعلى مدى قرابة عقدين، استضافت تركيا شخصيات بارزة من "حماس"، وقدّمت دعما ماليا واسعا، فيما سمحت لشبكات مرتبطة بالحركة بإدارة أصول مالية كبيرة في الخارج. ورغم فرض الولايات المتحدة عقوبات متكررة على هذه الشبكات، فإن كثيرا منها واصل نشاطه، وسط امتناع أنقرة عن الاستجابة للموقفين الأميركي والأوروبي إزاء الحركة.ومنذ هجوم 7 أكتوبر 2023، تصدّر إردوغان قائمة أكثر المدافعين عن "حماس"، مقابل تصعيد غير مسبوق في لهجته تجاه إسرائيل. فقد رفضت أنقرة إدانة الهجوم في حين نسّقت حكومته مع قادة الحركة، وقدمت لهم دعما لوجستيا وإنسانيا، وعالجت مصابين في مستشفيات تركية. كما لوّح أردوغان بإمكانية التدخل العسكري، في تصعيد اعتُبر غير مسبوق في الخطاب التركي.لاعب إقليمي
ومع التوصل إلى وقف لإطلاق النار، أعلنت أنقرة استعدادها لتقديم "كل أشكال الدعم لغزة"، وهو ما تُرجم عمليا باستضافة وفد من "حماس" في إسطنبول، بعد أسابيع قليلة من بدء الهدنة. يأتي ذلك في سياق مساع تركية لتكريس موقعها كلاعب إقليمي محوري، غير أن المعارضين للدور التركي يرون أن هذا موقف أنقرة تحكمه دوافع أيديولوجية وسياسية، تتجاوز الاعتبارات الإنسانية المعلنة.
وبحسب هذه الرؤية، يسعى إردوغان إلى إعادة تشكيل غزة ضمن نموذج سياسي قريب من توجهاته، بما يشمل الدفع نحو دور عسكري تركي ضمن قوة "تثبيت الاستقرار"، أو لعب دور "الضامن" للفلسطينيين، وهو ما يثير تحفظات أميركية واضحة.
وتحذّر دوائر سياسية في واشنطن من أن أي انخراط عسكري تركي في غزة قد يقوض الهدف الأساسي لخطة السلام المطروحة، والمتمثل في نزع سلاح "حماس" وتفكيك بنيتها العسكرية. فالدولة التي حافظت، وفق هذه الدوائر، على بقاء الحركة لعقود، يصعب أن تكون طرفا محايدا في عملية تهدف إلى إنهاء نفوذها.
إلى جانب البعد السياسي، تبرز اعتبارات اقتصادية لا تقل أهمية. إذ يُنظر إلى إعادة إعمار غزة بوصفها فرصة محتملة للشركات التركية، خصوصا في قطاع البناء، الذي يشكل ركيزة أساسية للاقتصاد التركي. ويرى مراقبون أن تأمين عقود ممولة دوليا قد يوفر دفعة اقتصادية وسياسية لإردوغان، في ظل التحديات الداخلية التي تواجهها بلاده.إنهاء الدعم لـ"حماس"
وفي هذا السياق، يربط منتقدو الدور التركي أي مشاركة محتملة بجملة شروط، في مقدمتها إنهاء الدعم لـ"حماس"، وإغلاق مكاتبها، ووقف أنشطة جمع الأموال، إضافة إلى ممارسة ضغوط فعلية لنزع سلاحها. كما يشددون على ضرورة إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد أن شهدت تدهورا حادا منذ أكتوبر 2023.
وحتى في حال استيفاء هذه الشروط، يرى هؤلاء أن الدور التركي يجب أن يظل محصورا ومحدودا، بعيداً عن القطاعات ذات التأثير الأيديولوجي، مثل التعليم والمؤسسات الدينية والصحية.
وتخلص رؤية الفريق المعارض إلى أن سجل أنقرة السابق يجعل من الصعب الوثوق بدورها الأمني في غزة، لكنه لا يستبعد مشاركتها في إعادة الإعمار، شريطة أن تثبت التزامها بالوقوف إلى جانب حلفائها، لا إلى جانب الحركات المسلحة.(ترجمات)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
