نقد أدبي | بطل الغروب.. رد الاعتبار للمهزوم النبيل - بقلم: أحمد رجب شلتوت

تشكّل السيرة الهلالية مصدرا للخيال الجمعي في مصر والوطن العربي، فهي قصة الترحال والبحث عن الأرض الخصبة، وصراع الفروسية، وانكسار القبائل أمام أقدارها. وفي قلب هذه السيرة يبرز الزناتي خليفة، ملك تونس العجوز الذي يتجاوز المائة عاماً لكنه يظل يقاتل وحيداً دفاعاً عن بلاده.

وحين نقرأ مسرحية "بطل الغروب" للكاتب أحمد سراج ندرك منذ الصفحات الأولى أننا لسنا أمام نص عابر يعيد صياغة أحداث "السيرة الهلالية"، بل أمام عمل يعيد مساءلتها، ويستدعي صورة الفارس النبيل الزناتي خليفة ليضعه في قلب حاضرٍ عربي مأزوم. ويوازن بين الوفاء للمتخيل الجمعي والانحياز لرؤية معاصرة تجعل من السيرة أداة وعي بالذات وبالوطن.

بنية المسرحية

تتكون المسرحية من فصلين طويلين، يتفرعان إلى مشاهد تتراوح بين قصر الزناتي، معسكر الهلالية، ميادين القتال، وخيام الفرسان. البنية تتسم بالتصعيد التدريجي، فالمشهد الأول يبدأ بانكسار الزناتي وتنازله عن العرش شكلياً، لكن سرعان ما يتحول الانكسار إلى مقاومة بطولية تستمر حتى النهاية،

هذه البنية القائمة على التوازي بين معسكرين (الهلالية أهل تونس) تمنح النص إيقاعاً ملحمياً، وتضع القارئ أمام جدلية "الغازي والمدافع"، "الضيف والمضيف"، "الخيانة والوفاء". وكلما تقدمت المشاهد اكتشفنا أن الصراع ليس عسكرياً فحسب، بل أخلاقي وفكري في جوهره.

بين الأسطورة والإنسان

من أبرز عناصر جماليات النص بناء الشخصيات، حيث تتجاوز حدود النمط الشعبي لتكتسب عمقاً إنسانياً:

الزناتي خليفة: شيخ تجاوز المائة، تقدمه المسرحية كفارس خارق، وأيضا كأب، وشيخ، وحاكم يحمل هموم شعبه. يقول: "أنا سورٌ من أسوار تونس؛ فإن انقضيت فأسوار الطمي لا تنتهي".

سعدى ابنته: تمثل الامتداد الروحي لأبيها، وتعيد إلى الأذهان صور النساء اللواتي تحوّلن في السير إلى رموز للوفاء والتضحية.

أبو زيد الهلالي: ليس الخصم المطلق، بل محارب تائه بين واجبه تجاه قومه وإعجابه ببطولة الزناتي. في لحظات كثيرة يبدو وكأنه يود لو كان إلى جوار خصمه لا في مواجهته.

عامر الخفاجي: ضيف الهلالية، الفارس العراقي الذي يقع في صراع داخلي بعد مبارزته للزناتي. حواره مع ابنته ذؤابة يكشف عن التباس القتال حين يصبح العدو شريفاً.

دياب بن غانم: المحارب الذي ينزع عنه النص صفات الفروسية ليجعله رمز الغدر والخيانة، فهو يطعن الزناتي في عينه غدراً، محققاً نبوءة الرمل.

هذا التباين بين الشخصيات يثري المسرحية، إذ تتحول البطولة من مجرّد مهارة بالسيف إلى قضية شرف ووفاء وانحياز للأرض.

بين الملحمة والتراجيديا

تقف مسرحية بطل الغروب على طرف نقيض من سردية السيرة الهلالية الكلاسيكية، التي اختزلت الصراع في ثنائية "الهلالي الغازي"، و"الزناتي المدافع" المتعنت المستبد. هنا، يعيد أحمد سراج رسم المشهد بوصفه نزاعًا بين صاحب الأرض المدافع عن ترابه، وبين غزاة جاؤوا لاجتياح الأرض. وبذلك، تتحول الرواية إلى قراءة مضادة للتراث، تُسائل مفاهيم "الفتح" و"الحق" وتكشف هشاشة الادعاءات الأخلاقية التي حملها الهلاليون في غزوهم.

الزناتي خليفة، بحسب النص، هو الرجل الوحيد الذي ظلَّ على جواده حتى غروب الروح. ليس فقط فارسًا أسطوريًّا تجاوز المئة من العمر، بل حاكمٌ عادل، وقائد يقف بنفسه على الميدان، ويطوف على بيوت الشهداء، ويطعم الجوعى من خصومه. بطل غروب ليس لأنه يُهزم، بل لأنه يختار الموت واقفًا، دفاعًا عن وطنٍ لم يتخلّ عنه. يتحول الزناتي في هذا النص إلى رمز للكرامة والسيادة، تحتشد حولها القيم النبيلة التي أهدرتها الحرب.

يتكئ النص على بناء ملحمي، يُستعاد فيه الطقس البطولي من خلال صراع فردي تتكرر فيه المنازلات، لكنه يستخدم تلك البنية لتكثيف البعد التراجيدي. فالزناتي لا يُقتل في ساحة نزال شريف، بل يُطعَن من الخلف، فضلا عن تعرضه للخذلان والخيانة. هنا تتقاطع البطولة بالتراجيديا.

تنفتح المسرحية على مستويات متعددة من التأويل، لعل أبرزها القراءة المعاصرة، حيث يمثل الزناتي.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة المشهد المصرية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة المشهد المصرية

منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 7 ساعات
موقع صدى البلد منذ ساعتين
صحيفة المصري اليوم منذ 10 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ 18 ساعة
موقع صدى البلد منذ 8 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 15 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 13 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 17 ساعة
مصراوي منذ ساعة