أكد المحلل السياسي، أحمد التهامي، أن إجراء انتخابات نزيهة في ليبيا، لا يشترط وجود قاعدة دستورية، موضحًا أن الاتفاق على الحدود الدنيا للمنافسة السياسية يكفي لإتمام العملية الانتخابية، مستشهدًا بتجارب الانتخابات التي جرت في 2012 و2014، والتي تمت دون وجود دستور، ولم يشكك أحد في نتائجها بشكل كبير.
وأضاف التهامي، في مقابلة مع قناة سلام، رصدتها صحيفة الساعة 24، أن طبيعة المراحل الانتقالية في ليبيا تجعل من الطبيعي وجود تحديات واستحقاقات سياسية متلاحقة.
وأشار التهامي في تصريحات لقناة سلام ، إلى أن الأزمة السياسية الحالية مرتبطة باستراتيجيات بعض المجموعات السياسية، مثل حزب الوطن، والعدالة والبناء وبعض الأطراف المشاركة في الحكم، والتي تسعى لإطالة الوضع الراهن لأسباب تتعلق بمواقفها الدولية والسيطرة على الموارد والمؤسسات، مثل السيطرة على مصرف ليبيا المركزي، مع وجود مليوني مواطن تحت تأثيرهم في طرابلس.
ولفت إلى أن أي توافق بين الأحزاب الليبية قد يؤدي إلى تغييرات محدودة في مراكز النفوذ، معتبراً أن الأطراف المختلفة، سواء الجيش الوطني أو مجلس النواب أو الحكومة في طرابلس، قد اتخذت مواقفها ولم يعد من المناسب التراجع عنها دون مقابل.
وعن غياب الدستور، شدد التهامي، على أن هذا لا يمنع إجراء الانتخابات، مشيرًا إلى أن الدستور في حد ذاته وظيفة طبقية تهدف لخدمة ما وصفه بالطبقة البرجوازية، وهي غير متوفرة في ليبيا، مقارنة بدول مثل بريطانيا وأمريكا، حيث شكلت الطبقات المؤسسة الدستور لتلبية مصالحها. موضحا أن وجود دستور لا يعني بالضرورة معالجة المشاكل الحقيقية التي تواجه البلاد، مستشهداً بتجربة مصر في عهد مبارك، حيث لم تُطبق فقرات الدستور المتعلقة بحقوق الإنسان بسبب غياب الطبقة الحاكمة المؤثرة. وأضاف أن الاستفتاء على الدستور قد يتم ويوافق عليه البعض، ويرفضه آخرون، لكنه لا يعالج جوهر التحديات الليبية.
كما أشار التهامي، إلى أن المشاركة الشعبية في بعض المناطق محدودة، حيث يبلغ عدد السكان المسجلين نحو 2.5 مليون فقط، مما يقلل من تأثير الاستفتاءات على حل الأزمات الكبرى.
ورأى أن الدعوات لإجراء استفتاء على الدستور من قبل بعض الأطراف في طرابلس لن تسهم في حل الأزمة السياسية في ليبيا، مشيرًا إلى رفضه لهذا المسار باعتباره سينتج دستورًا غير قادر على صناعة دولة بدورها عاجزة عن اتخاذ القرار.
وأوضح التهامي أن هذا الدستور، وفق وصفه، يكرس بيئة غير قابلة للإصلاح السياسي، حيث لا يمتلك رئيس الدولة صلاحيات كافية، والمجلس التشريعي غير قادر على اتخاذ قرارات أساسية، مبيناً أن الأطراف السياسية في ليبيا، تورطت في مواقف أصبحت جزءًا من الصراع الحالي. مؤكداً أن موقفه يتمثل في الرغبة بإجراء انتخابات رئاسية دون شروط مسبقة، بينما يصر الطرف الآخر على ربط الانتخابات بالاستفتاء على الدستور. وقال: إن أي تفاوض سياسي يتطلب تقديم التزامات محددة مقابل قبول الانتخابات، وليس مجرد فرض استفتاء على الشعب دون مقابل.
وأوضح التهامي، أن القوانين الحالية في الدستور تمنح صلاحيات محدودة للرئيس، وأن أي استفتاء يجب أن يكون قرارًا للشعب وليس للرئيس وحده، مؤكداً أن مواد الدستور تتطلب موافقة مجلس النواب على المقترحات المختلفة.
ورأى التهامي أن الأطراف السياسية في طرابلس طالبت بالاستفتاء دون توضيح ما الذي ستقدمه للطرف المقابل الذي يريد إجراء انتخابات مباشرة، مشددًا على ضرورة وجود عطاء مقابل في السياسة وليس مجرد فرض شروط.
كما أوضح أن هناك مواد دستورية يمكن استغلالها لتسريع الانتخابات الرئاسية قبل الاستفتاء، مثل المواد المتعلقة بالمناصب العسكرية، مؤكداً أن السياسة تقوم على مبدأ أعطي وتأخذ وليس مجرد فرض شروط على الطرف الآخر.
وانتقد التهامي، الاعتماد على الاستفتاءات كوسيلة لاتخاذ القرارات السياسية في ليبيا، مؤكداً أن مفهوم قرار الليبيين يعكس فهمًا مبسطًا وغير دقيق للممارسة السياسية. معتبراً أن السياسة الحقيقية تمارس عبر الأحزاب والجماعات والأطراف السياسية، وليست مسألة تعلن على الشاشة أو تُفرض من طرف واحد.
وأشار إلى أن أطرافًا مثل جماعة الإخوان المسلمين، وحزب الوطن، وعبد الحميد الدبيبة، يركزون على الاستفتاء على الدستور، بينما يرفض هو شخصيًا ربط العملية السياسية بهذا المسار دون تقديم تنازلات أو التزامات واضحة للطرف الآخر. مؤكداً أنه لا يمكن لطرف واحد، مهما كانت قوته الإعلامية أو السياسية، أن يفرض إرادته على الجميع. ورأى التهامي، أن أي محاولة للسيطرة على السياسة من قبل مجموعة محددة، ستفشل، لأن السياسة تتطلب تفاوضاً ومقايضة بين الأطراف وليس فرض شروط مسبقة على الآخرين.
هذا المحتوى مقدم من الساعة 24 - ليبيا
