جوابا على من انكر البركة

كنت قرأت تدوينة ونسيت أن اتفاعل معها في الحين، مضمونها ان من كان عقله علميا يجب ألا يؤمن بمفهوم البركة ! وراح يستبطن في القول بين الاستهزاء بتوابل من الثناء،

يبدو أن صاحب التدوينة لا زال متأثرا جدا بالدياليكتيك والماركسية و اللينينية، رغم عودة الكنيسة الأرثوذكسية إلى مجدها وحرص الروس على صلاة الأحد وعلى رأسهم بوتين ..

أمر محمود ان يكون الإنسان قد اطلع على كتب لينين ومن قبله ماركس وغيره... ذلك كما اطلعت عليه أجيال من المفكرين المثقفين وقبلهم الفلاسفة ولازالت تطلع الي الان، ولعل القصد ان صاحب التدوينة لا يؤمن بالغيب لانه يخلط بين الغيب والخرافات، هذه الأخيرة لا يختلف فيها العاقلون على ان الغيب غير الخرافة وغير الأساطير وغير السرديات، فكل لها سياقها ومعناها.

بعض الإشارات فقط بشكل مختصر :

1 عدة مفاهيم في الكوانتيك تحمل قمة الغيب! بالمعنى الفلسفي للكلمة، انها تدخل بالإنسان عوالم من تفسير الاحداث والمكان والزمن بطرق احتمالية ولازالت كثير من نتائجها تذهب عكس الحدس الطبيعي، واخرها نتائج حصل أصحابها على جوائز نوبل في الفيزياء،

في الرياضيات وعند المدرسة التي تؤمن بوجود قاعدة لا متناهية الأبعاد في فضاء متجهي لا نهائي الأبعاد، تؤكد بديهية الاختيار او معضلة Max Zorn ما يقابل القضاء والقدر، وهو نقاش رياضي فلسفي فالاختبار في الفضاء المتناهي الأبعاد مدرك بالعقل بحيث تمر من خلال العدد على كل بعد، اما فضاء لا متناهي الأبعاد مفهوم الاختيار فيه لا يمكن إدراكه الا من خلال الإيمان بالقضاء والقدر للاستحالة الإحاطة بالاختيار فكيف بالترتيب! وما عليك إلا التسليم بالبركة

2 اضرب بعض ألامثلة المغلقة في جوابها حتى نختصر القصة من عالم الفيزياء:

* نتحدث في الفيزياء عن الحقول المغناطيسية، و حقول الجاذبية وحقول أخرى... الي درجة هناك تخصص في الرياضيات وليس سهلا اسمه "نظرية الحقول. Theories des Champs أولا هذه الحقول تم اكتشافها وتصميم أنساق رياضية لفهمها، صحيح بعد ذلك استطاع الإنسان توظيفها، بل التحكم فيها مستعملا قدراته العقلية لتوظيفها وتسخيرها ولكن وجودها مستقل عن العقل وموضوع موجود خارج العقل محتل للزمان والمكان معادلات ماكسويل علاقات فيزيائية لواقع قائم وليس تصميما رياضيا عقليا من غير وجود ة، فقد دلت التجارب على صحة الصيغ الرياضية، ثم بعد ذلك تمكن الانسان أن يوظف هذه النتائج في الاتجاه الذي يستجيب لما يريد وفي حدود إمكاناته البشرية، والقصد من حدوده البشرية هو ما يؤكده علم الفلك اكتشاف قوانين حركة الكواكب والنجوم لا يعني ان الانسان يحاول تغيير مساراتها ومداراتها، ولا يعني انه سيغير من حقول جاذبيتها او حقولها المغناطيسية او ولكن السؤال هل رأى أحد حقلا من هذا النوع؟

* ام ان الصيغ الرياضية والآثار الفيزيائية هي التي جعلت العلماء والعقلاء يؤمنون بها و لكونها تفسر لنا العالم، وتعطينا القدرة على التوظيف دون أن ننشغل رؤيتها؟

* ودون ان نلتفت لمن ينكرها! حيث تشكل في عقل الإنسان انه ليس من الضروري سؤال المشاهدة إذا اثبت الوجود بطرق متعددة،

3 هل يشترط الحديث عن الرياح أن يراها الإنسان؟ ام فقط ت يؤمن بها لألف سبب الا سبب رؤيتها! فالعلم يتحدث عن العواصف ويصنع لها نماذج في الحاسوب، ولكن هل رأى احد يوما صورة للريح، أو النسيم او الرياح؟...

4 هل يستطيع الإنسان أن يسمع كل الأصوات ويرى كل الموجودات، ام فقط يعيش بقدرة ما يملك من حواس، ويعتمد عليها في تطوره وهو واع بحدودها! التي اتبث العلم بالتجارب قصورها زمانا ومكانها! وكان من هذا الوعي صناعة التليسكوب والميكرسكوب،

5 أخيرا يحق لمن يمنع نفسه من الإيمان بالبركة، فذلك شأنه ومن حقه، و لكن ليس من العقل والصواب ان ينكر على الناس الإيمان بها، ويصنفهم إنطلاقا من هذا الإيمان بعدم الفهم السليم، والبركة حقل من الحقول التي لا ترى مصداقا لقوله تعالى :

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)

فهي من النور الذي عاشه من عاشه وانكره من وانكره،

إذا كان الإنسان لا يؤمن بالبركة وربما لأنها غير قابلة للتكميم والقياس والمختبر والخضوع للتجربة، فذلك لأنها على نقيض طبيعة ما هو قابل للقياس التكميم وهي قاعدة لا تدخل في المستحيلات إذا استعملنا نسق الاحتمالات، فلا أحد يمنع من لا يؤمن بذلك إذا كان ذلك مبلغه من العلم،

كمغربي نعرف بعضنا البعض، هل ينكر صاحب السعي إلا مشاهدة كل شيئ أنه عاش ويعيش تجربة مجالسة الناس حرصه على آداب المجالس ألا يخرج منه الريح في المجلس، فهو يعرف انهم سيسمعون او يشمون ولكن بالقطع واليقين لن يروا ضراطه،

ملحوظة

كنت زبون لشخص رحمه الله او إن كان حيا فهو بعمر يفوق المئة، كان يوزع علينا الكتب الحمراء مجانا من جوطية باب الجديد مكناس في السبعينات، وقد ساهمت هذه الكتب في هذا العقل الذي كتب التدوينة علما اني إكتشفت بعد ذلك أن فيها ما يفيد وفيها ما لا يفيد، وخاصة عند اكتشاف نسبية فكر الإنسان، بعدما فهمت النسبية الفيزيائية والتي كانت أول ما قدمته من دروس للسنة الثالثة فيزياء بكلية العلوم والتقنيات بفاس، هناك التقى في عقلي المحدود ان ما لا يدركه الإنسان يستحسن الا ينكره إلا بحجة او برهان او يقين وإلا صنع لنفسه خرافة إسمها:

لا أريكم إلا ما أرى"

هذه الخراف تسكن عقل السياسيين كما تسكن عقل العلميين فتجعل من الفئة الأولى. زعماء في الاستبداد و تجعل من الفئة الثانية زعماء في الجهل.

نجانا الله ببركته من الاستبداد والجهل.


هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة كفى

منذ ساعة
منذ 46 دقيقة
منذ 3 ساعات
منذ ساعة
منذ ساعة
منذ ساعة
هسبريس منذ 13 ساعة
هسبريس منذ 18 ساعة
هسبريس منذ 11 ساعة
Le12.ma منذ 6 ساعات
2M.ma منذ 23 ساعة
هسبريس منذ ساعة
هسبريس منذ 14 ساعة
هسبريس منذ 17 ساعة