تُكثّف مطارات دولة الإمارات اعتمادها على تقنيات الذكاء الاصطناعي في إدارة عملياتها، في إطار مساعٍ لرفع الكفاءة التشغيلية وخفض التكاليف وتحسين انسيابية العمليات، بالتوازي مع النمو المتواصل في حركة السفر الجوي. ويعكس هذا التوجه تحولاً أوسع في صناعة الطيران نحو نماذج تشغيلية تعتمد على البيانات والتحليلات المتقدمة لتحسين الأداء وتعزيز تجربة المسافرين.
يأتي هذا التحول في سياق عالمي يشهد تسارعاً في تبنّي الحلول الرقمية داخل قطاع الطيران، إذ تشير التقارير إلى أن 93% من المطارات و97% من شركات الطيران عالمياً يتوقعون تطبيق برامج واسعة النطاق للذكاء الاصطناعي بحلول نهاية عام 2025، فيما شرعت نحو 60% من المطارات بالفعل في تنفيذ مشاريع تشغيلية وتجريبية تعتمد على هذه التقنيات في إدارة عملياتها اليومية.
مسؤول: «مطار دبي» يستقبل أكثر من 95 مليون مسافر في 2025
الذكاء الاصطناعي في مطارات الإمارات
في هذا الإطار، أعلنت شركة «مطارات دبي» الشهر الماضي عن نشر حل مدعوم بالذكاء الاصطناعي لإدارة عمليات دوران الطائرات في «مطار دبي الدولي» (DXB)، بالشراكة مع مزود تقنيات الطيران (Assaia). ويستهدف النظام تحسين انسيابية حركة الطائرات على الأرض والحد من الازدحام، من خلال تحليل البيانات المرئية واللحظية لتعزيز جاهزية البوابات وتنسيق فرق العمل في أحد أكثر مطارات العالم ازدحاماً.
وتُستخدم حلول (Assaia) حالياً في عدد من المطارات الدولية الكبرى، من بينها مطار «جون إف كينيدي» (JFK) في نيويورك، و«مطار فيوميتشينو» (Fiumicino Airport) في روما، ومطار «سياتل تاكوما الدولي» (Seattle-Tacoma International)، ما يعكس اتساع نطاق الاعتماد على هذه التقنيات في الأسواق المتقدمة.
وفي خطوة مماثلة، أعلنت «مطارات أبوظبي» وشركة «سيتا» (SITA) العالمية المتخصصة في تكنولوجيا معلومات الطيران عن دراسة تطوير نظام ذكي لإدارة المطارات في «مطار زايد الدولي»، يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين استخدام الموارد واستباق الاضطرابات التشغيلية، ودعم اتخاذ القرار بالاعتماد على التحليل التنبؤي والبيانات الآنية.
نمو حركة السفر يدفع التحول التقني
يتزامن هذا التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي مع ارتفاع ملحوظ في أعداد المسافرين عبر مطارات الدولة. فقد استقبل «مطار دبي الدولي» 24 مليون مسافر خلال الربع الثالث من عام 2025، بزيادة سنوية بلغت 2%، فيما تعاملت أبوظبي مع نحو 16 مليون مسافر عبر مطاراتها الخمسة خلال النصف الأول من العام ذاته، مسجلة نمواً قدره 13% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024.
ويعزز هذا النمو الحاجة إلى حلول تقنية قادرة على إدارة التدفقات المتزايدة للركاب والطائرات بكفاءة عالية، مع الحفاظ على مستوى الخدمة والانضباط التشغيلي.
حركة المسافرين داخل مطار أبوظبي في العاصمة الإماراتية يوم 28 يونيو 2024.
الذكاء الاصطناعي وكفاءة العمليات
تُظهر تطبيقات الذكاء الاصطناعي إمكانات واضحة في تحسين كفاءة العمليات داخل المطارات، بدءاً من التنبؤ بالطلب وتخطيط السعة، مروراً بالتعرف البيومتري على المسافرين، وصولاً إلى دعم عمليات دوران الطائرات وتشغيل المركبات الذاتية في مناولة الأمتعة وصيانة المرافق.
ويُعد تقليص زمن التحرك إلى البوابة من أبرز مجالات الاستخدام الناضجة، إذ يمثل هذا الزمن عاملاً مؤثراً في استهلاك الوقود والالتزام بالجداول الزمنية. وأظهر بحث أجرته شركة «سينابتك أفييشن» (Synaptic Aviation) المتخصصة في برمجيات الطيران أن أنظمة جاهزية البوابات المدعومة بالذكاء الاصطناعي أسهمت في خفض التأخيرات بنسبة 21% في أحد المطارات الأميركية، محققة وفورات سنوية تجاوزت 40 ألف دولار لكل بوابة نتيجة تقليل استهلاك الوقود والاضطرابات التشغيلية.
تجربة المسافر في صلب التحول
إلى جانب المكاسب التشغيلية، يسهم الذكاء الاصطناعي في إعادة تشكيل تجربة المسافرين داخل المطارات. وتشير دراسات حديثة إلى أن أكثر من 80% من المسافرين عالمياً سيستخدمون حلول الخدمة الذاتية المدعومة بالذكاء الاصطناعي بحلول عام 2025، ما يساهم في تقليص أوقات الانتظار وتحسين انسيابية الحركة.
كما تُستخدم هذه التقنيات في إدارة تدفق الركاب والتنبؤ بأوقات الذروة وتحسين توزيع الموارد، حيث تُظهر البيانات أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على رفع دقة التنبؤ بحركة الركاب وتخصيص الموارد التشغيلية بنسبة تصل إلى 88%.
وفي مجال الخدمات الأرضية، تسهم أنظمة إدارة الأمتعة الذكية في خفض معدلات فقدان أو تأخير الأمتعة بنسبة تصل إلى 40%، في حين تتعامل أنظمة المحادثة الذكية مع ملايين الاستفسارات سنوياً، ما يعزز كفاءة خدمة العملاء ورضا المسافرين.
مطار دبي يسجّل أعلى حركة مسافرين في تاريخه
التحول الرقمي كمسار صناعي
على مستوى الصناعة، يُنظر إلى التحول الرقمي في المطارات بوصفه مساراً تدريجياً تحكمه طبيعة العمليات المعقدة وتداخل الأنظمة التشغيلية. وتشير نتائج دراسات استشارية عالمية إلى أن نحو ثلث القيادات التنفيذية في المطارات ترى أن مؤسساتها وصلت إلى مستوى متقدم من الجاهزية لتبنّي حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي، ما يعكس تفاوت مراحل التحول بين مطار وآخر.
وفي هذا المسار، يُعد توحيد المعايير التقنية وتعزيز تكامل الأنظمة الرقمية عاملاً أساسياً لتعظيم الاستفادة من الحلول الذكية. وتبرز مطارات دولة الإمارات ضمن هذا التوجه بفضل بنية تقنية متقدمة واستثمارات مبكرة في التقنيات الرقمية، ما يدعم تسريع تكامل الأنظمة ورفع كفاءة التطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
توسيع قيمة البيانات خارج أسوار المطار
إلى جانب دوره التشغيلي، يفتح الذكاء الاصطناعي في المطارات المجال أمام الاستفادة من كميات متزايدة من البيانات التي يمكن توظيفها خارج نطاق العمليات اليومية. فالبيانات الناتجة عن حركة الركاب والطائرات وتدفقات السفر تُعد مورداً مهماً لدعم التخطيط في قطاعات أخرى مرتبطة بالطيران، مثل السياحة والخدمات اللوجستية وسلاسل الإمداد.
وفي هذا السياق، يتيح التوسع في الحلول الذكية داخل مطارات دولة الإمارات فرصاً لتعزيز التكامل بين قطاع الطيران وبقية القطاعات الاقتصادية، من خلال تحسين التنبؤ بحركة السفر، ودعم السياسات السياحية، وتطوير الخدمات المرتبطة بالنقل الجوي، بما يعزز الأثر الاقتصادي الأوسع للمطارات خارج دورها التقليدي كنقاط عبور.
هذا المحتوى مقدم من إرم بزنس

