ما الذي يدفع المؤسسات إلى توسيع استثماراتها في الأصول الرقمية؟

لم تعد الأصول الرقمية مجرّد فئة استثمارية هامشية أو رهاناً قصير الأجل يعتمد على دورات المضاربة. فخلال العامين الماضيين، تسارعت وتيرة التحول في هذه الصناعة مع دخول المؤسسات والصناديق السيادية والمستثمرين المحترفين على نحو غير مسبوق. ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل: وضوح تنظيمي أكبر في الأسواق المتقدمة، وتطور جذري في البنية التحتية التقنية، وتوسع أدوات الاستثمار المنظمة التي تسمح بتعرّض آمن ومبني على الحوكمة.

هذا التحوّل بات ملموساً بشكل خاص في منطقة الخليج، حيث تتعامل المؤسسات مع الأصول الرقمية كجزء من استراتيجيات طويلة الأجل وليس كأدوات للمضاربة. وفي هذا السياق، تقدّم ريحانة شريف-أسكري، المديرة التنفيذية ورئيسة قسم المنتجات والأبحاث، قراءة معمّقة لكيفية تغير سلوك المستثمرين، وللقطاعات التي تقود موجة الاهتمام الجديدة. سولانا.. الاستخدام الفعلي يسبق السرديات ترى شريف-أسكري أن الاهتمام الحالي بشبكة Solana ليس نتيجة حملة ترويجية أو موجة مضاربة جديدة، بل نتيجة «عودة المستثمرين إلى تقييم الأماكن التي يجري فيها نشاط حقيقي على السلسلة»، وتوضح أن المؤسسات في الخليج وخارجه تبحث increasingly عن شبكات تتميز بسرعة التنفيذ، انخفاض التكلفة، واستقرار الأداء، وهي العناصر التي جعلت Solana محوراً لاهتمام واضح خلال العام الماضي.

وتشير إلى أن «الشبكة أصبحت ببساطة ممتعة في الاستخدام»، في إشارة إلى تجربة المستخدم التي باتت جزءاً من تقييم المستثمرين المؤسسيين. فعدد المعاملات اليومية وصل إلى عشرات الملايين، واستخدام العملات المستقرة والمدفوعات والتطبيقات الاستهلاكية ارتفع بصورة ملموسة. وفي رأيها، ما يميز Solana هو أن «المعاملات تُنجز في أجزاء من الثانية وبتكلفة تكاد لا تُذكر، وهذا ما يبقي المطورين والمستخدمين ضمن المنظومة». وتضيف أن Solana أصبحت «مكمّلاً عالي الأداء لإيثريوم»، إذ يشتركان في خاصية أساسية: الاعتماد على نشاط فعلي على السلسلة وليس فقط على القيمة السوقية. ومن هنا يبرز اهتمام المؤسسات التجارية والعائلية في الخليج بمنتجات تمنحها تعرضاً منظماً لهذه الشبكة، لا سيما مع توجهها نحو بناء محافظ رقمية ذات أهداف استراتيجية طويلة الأجل. Chainlink البنية التي تمنح البلوكتشين فائدته الاقتصادية وفيما يزداد الحديث عن الاستخدامات الواقعية للأصول الرقمية، تبرز Chainlink كأحد أهم مكونات البنية التي تربط البلوكتشين بالأسواق التقليدية. وتوضح شريف-أسكري أن «البلوكتشين لا يستطيع الوصول إلى بيانات العالم الحقيقي بمفرده، وهذه الوظيفة الجوهرية هي ما تجعل Chainlink عنصراً لا يمكن الاستغناء عنه». وتشير إلى أن المستثمرين في المنطقة، ومنهم المؤسسات الخليجية، باتوا يبحثون عن أصول رقمية ذات «منفعة اقتصادية واضحة» وليس فقط أصولاً تُستخدم كمتاجر للقيمة. ولهذا يلقى هذا القطاع اهتماماً متزايداً لأنه يمثّل ما تصفه بـ«طبقة الخدمات والمرافق» التي يعتمد عليها النظام الرقمي كله، تماماً كما تعتمد الاقتصادات التقليدية على البنية التحتية للنقل أو الاتصالات. وتضيف أن Chainlink أصبح مكوّناً يربط بين شبكات متعددة ويقدم «دليلاً ملموساً على الاستخدام الحقيقي»، وهو ما يجعله جذاباً للمستثمرين الذين يريدون تعرّضاً يعكس النشاط الفعلي داخل المنظومة، لا التقلبات السعرية فقط. مرحلة جديدة.. الطلب المؤسسي يمتد عبر قطاعات متعددة تؤكد شريف-أسكري أن المرحلة المقبلة من الطلب المؤسسي لن تُبنى على أصل واحد أو شبكة واحدة، بل على «محافظ متعددة القطاعات تعكس الشكل الحقيقي لمنظومة الأصول الرقمية». وتوضح أن المؤسسات أصبحت أكثر وعياً باختلاف وظائف الأصول الرقمية، وأنها تميز اليوم بين شبكات تنفيذ عالية الأداء، وطبقات خدمات تعتمد عليها التطبيقات، وأنظمة مالية لامركزية بدأت تكتسب نضجاً ووضوحاً أكبر من حيث البيانات والاستخدام. وتبرز كذلك موجة جديدة تعتمد على الربط بين الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين. وترى أن «الوكلاء المدعومين بالذكاء الاصطناعي الذين يتفاعلون مع الشبكات، أو البروتوكولات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة المنصات، أصبحت جزءاً من المحادثة الاستثمارية بالفعل». وتعتبر أن هذا التقاطع يمثل أحد أكثر الاتجاهات الواعدة في السنوات المقبلة، خصوصاً مع اهتمام الخليج بالبنية الرقمية والذكاء الاصطناعي كجزء من رؤى اقتصادية طويلة الأجل. وتلفت أيضاً إلى أن المستثمرين يبحثون عن منتجات تجمع بين التعرض للأصل ومصادر الدخل، عبر دمج مكافآت الـ staking في أدوات منظمة، معتبرة ذلك «انعكاساً واضحاً لنضج الطلب المؤسسي». السوق لم تعد محكومة بالسردية التقليدية لدورة الأربع سنوات بحسب شريف-أسكري، لا يزال كثيرون ينظرون إلى الأسواق الرقمية عبر «نظارة دورة الأربع سنوات» التي طبعت قطاع العملات المشفرة فترة طويلة. لكنها ترى أن هذا الإطار أصبح «أقرب إلى نبوءة ذاتية التحقق» أكثر منه أساساً اقتصادياً. وتشير إلى أن البنية التحتية والنظام الاستثماري تغيّرا بصورة عميقة خلال السنوات الثلاث الماضية: هناك سيولة مستقرة على السلسلة، وحفظ مؤسسي بمستويات عالمية، ومنتجات فورية مدرجة في أسواق تقليدية، وشركات مالية كبيرة تبني جنباً إلى جنب مع الشركات الأصلية في الصناعة. وتعتبر أن هذه التطورات جعلت السوق «أقرب إلى سوق مستمرة تُحرّكها الأساسيات، وليس موجات مضاربة عابرة»، وهي نقطة تكتسب أهمية خاصة في الخليج حيث تدرس المؤسسات كيفية دمج الأصول الرقمية ضمن محافظها الاستراتيجية. الاهتمام المتزايد ببيتكوين.. رؤية مؤسسية مختلفة وتوضح شريف-أسكري أن المؤسسات والسياديين الذين يدرسون التعرض لبيتكوين يقتربون منه بالمنطق نفسه الذي يطبّقونه على أي فئة أصول كبرى: يبحثون عن السيولة، والعمق، والقدرة على الاندماج في أنظمة العمل الداخلية، وعدم تعارض المنتجات مع معايير الامتثال والحوكمة لديهم. وترى أن المرحلة المقبلة ستشهد توسعاً في خيارات التعرض لبيتكوين، سواء عبر منتجات مركّزة على الأصل نفسه أو محافظ متعددة الأصول أو استراتيجيات توفر مصادر عائد مرتبطة بالبنية التحتية الرقمية حول بيتكوين.

أبوظبي مركز متقدم يعيد صياغة المشهد العالمي تشدد شريف-أسكري على أن أبوظبي باتت «جسراً حقيقياً بين الشرق والغرب في مجال الأصول الرقمية»، لأن المنظومة التنظيمية فيها واضحة، ولأنها تتعامل مع الاقتصاد الرقمي بوصفه «بنية تحتية استراتيجية». وتشير إلى أن هذا المزيج يجذب مطورين وشركات ومواهب عالمية، ويجعل المنطقة طرفاً مؤثراً في كيفية تطور الأسواق الرقمية عبر الحدود. وترى أن دور الصناديق السيادية والمؤسسات الخليجية سيزداد أهمية، خصوصاً مع بحثها عن أدوات منظمة وآمنة للدخول إلى القطاع، وهو ما سيدفع البنية التحتية والمنتجات العالمية إلى التطور وفق احتياجات هذه المنطقة أيضاً.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 8 دقائق
منذ 12 دقيقة
منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
منذ ساعتين
منذ ساعتين
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 12 ساعة
قناة العربية - الأسواق منذ 4 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ ساعتين
قناة CNBC عربية منذ 13 ساعة
منصة CNN الاقتصادية منذ ساعتين
صحيفة الاقتصادية منذ 5 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 5 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 15 ساعة