انتقد المدون والناشط، أسامة الشحومي، أداء بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، معتبراً أن البعثة فقدت فرصة حقيقية لإعادة ضبط مسارها وبناء ثقة الليبيين بعد سنوات من الفشل.
وقال الشحومي، في حديث على تلفزيون المسار ، رصدته الساعة 24 ، إن الحوار المهيكل الذي أطلقته البعثة منذ البداية شهد فوضى في التنظيم، وعدم الالتزام بالمواعيد المحددة، مشيراً إلى أن الاجتماعات التي كانت مقررة نهاية نوفمبر لم يتم التعامل معها بجدية، وأن الأحداث السياسية التي قدمتها البعثة كإنجازات لم تترك أي أثر ملموس على الشارع الليبي.
وأضاف الشحومي، أن المواطنين الليبيين فقدوا الاهتمام بهذه المسارات، إذ لم تفتح النقاشات الوطنية ولم تحرّك الرأي العام، مؤكداً أن هذا يدل على أن المسار وُلد ميتاً. موضحا أن الليبيين كانوا يتوقعون أن تكون الأسماء المشاركة معروفة، إلا أن البعثة اختارت أشخاصاً بناءً على ثقتها، وليس على أساس ثقة الليبيين، ما أدى إلى غياب النشطاء السياسيين المستقلين والأصوات الممثلة للشارع.
وأشار إلى أنه حتى في حالة حسن النية من بعض المبعوثين مثل هانا تيتيه أو ستيفاني خوري أو باتيلي، إلاّ أن المشكلة تكمن في المنظومة المحيطة بهم، والتي سبق أن فشلت، مؤكداً أن هذه المنظومة ستسحبهم إلى نفس النتائج الفاشلة السابقة.
كما انتقد الشحومي، تعامل المجتمع الدولي مع المسار، مشيراً إلى أن الأسماء التي تقدمها البعثة لا تحمل وزنًا فعليًا، وأن البعثة نفسها لا تقبل النقد وتتصرف مثل الطبقة السياسية المحلية، مستبعدة كل من حاول محاسبتها أو فضح إخفاقاتها.
ورأى أن اختيار رئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة للوصول إلى السلطة في جنيف كان مثالاً على هذا الفشل الأممي، مشيراً إلى أن النتائج الحالية تكشف مدى الانحياز وسوء التقدير في إدارة العملية السياسية.
وكشف عن جوانب حساسة تتعلق بدور مسؤولي البعثة الأممية في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، مؤكدًا أن هناك قضايا فساد وسوء إدارة لم تُعرض بشفافية على الرأي العام.
وتابع: عملية اختيار بعض الأسماء داخل البعثة لم تكن دائمًا على أساس الكفاءة، بل تأثرت بعلاقات شخصية أو صلات سابقة، في حين أن البعض الآخر تم انتقاؤه بطريقة رسمية تشبه آلية إرسال السيرة الذاتية للوظائف الإدارية. وأضاف أن بعض الشخصيات المقرّبة من البعثة تمتلك القدرة على التأثير على القرارات، مما يخلق واقعًا غير متوازن في إدارة الشأن الليبي.
ولفت إلى بعض الملفات الحساسة، مثل الملحق السري رقم (٣) المتعلق بخبراء جنيف، تتضمن معلومات عن رشاوى لم تُكشف للعامة، وأن هناك مجموعات تُوصف بأنها من الأثرياء والسماسرة الذين يستفيدون من الأزمة الليبية. وذكر الشحومي شخصية لبنانية بارزة في الأوساط الدبلوماسية الليبية محاطة بشبهات فساد، مشيرًا إلى أن هذه القضية ليست مفاجئة بالنظر إلى سوابق فساد داخل البعثة نفسها.
وتطرق الشحومي، إلى التمويل الأمريكي للمسار السياسي الليبي، مؤكدًا أن ما يُعرض على أنه طريق لتشكيل حكومة جديدة ما هو إلا شراء للوقت والحفاظ على واقع قائم، حيث يتم استخدام الحوار المهيكل لتأجيل الحلول الفعلية للنزاع.
وبينّ أن هناك مساعٍ أمريكية لتوحيد الحكومتين الليبيتين، والمؤسسة العسكرية بالتعاون مع القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، بما في ذلك عمليات مشتركة في مدينة سرت تحت اسم فانتلوك ، موضحاً أن دعم واشنطن يلعب دوراً محورياً في قيادة العملية السياسية، مؤكداً أن مبعوث الإدارة الأمريكية، مسعد بولس، له تأثير مباشر في تحريك الأمور السياسية منذ انطلاق الحوار.
وأكد الشحومي، أن لقاءات نادرة بين الفرقاء الليبيين لم تحدث منذ اتفاق الصخيرات عام 2015، ولم تتمكن البعثة الأممية من إجبار الأطراف على الالتقاء أو تعيين المناصب السيادية إلا بفضل الضغوط الأمريكية. ورأى أن التوجه الحالي من شأنه تمديد الأزمة، محذرًا من أن أي حكومة جديدة لن تكون بالضرورة أفضل من السابقة، معربًا عن أمله في تفادي أي خسائر مادية أو بشرية.
وأكد الشحومي، أن مخرجات الحوار السياسي الليبي الحالي شبه جاهزة بنسبة 90%، وأن التعديلات المحتملة لن تغير من جوهر المسودة القائمة. وأضاف أن الشخصيات الليبية المشاركة في الحوار على دراية مسبقة بما يسعى إليه الأطراف الدولية، وأن أي تغييرات محتملة ستكون سطحية وليست جوهرية.
ولفت إلى أن الأطراف التي ساهمت في إطالة فترة حكومة الدبيبة هي نفسها التي أثارت احتجاجات مايو الماضي، والتي أثارت قلق بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. لافتا إلى أن المسار السياسي الحالي ولد نتيجة هذه الاحتجاجات، بهدف التوصل إلى حكومة جديدة. وحذر الشحومي، من تدهور الوضع الاقتصادي، موضحاً الفجوة المتسعة بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، مع استمرار غموض مصادر الثروات التي يمتلكها الأثرياء. مؤكدا أن الحكومة الحالية رهنت مستقبل البلاد من خلال استراتيجية تهدف إلى تشتيت انتباه المواطنين ومنحهم أملًا كاذبًا، لتجنب العودة إلى الاحتجاجات الشعبية.
وأضاف أن الأطراف الرئيسية والصراع الداخلي واضحان، وأن مخرجات العملية السياسية الحالية تهدف أساساً إلى إطالة عمر الحكومة الحالية وتوفير وهم الأمل لدى المواطنين، دون معالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العميقة في البلاد.
وشدد الشحومي، على أن الواقع السياسي الليبي يتطلب وعياً من المواطنين، محذراً من استمرار اللعب على التوازنات الدولية دون مصلحة حقيقية للشعب الليبي.
وقال إن أي حل سياسي في ليبيا يرتكز بشكل أساسي على موازين القوة، مؤكدًا أن من يمتلك القوة هو القادر على فرض خياراته على أرض الواقع. وأضاف أن الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تمتلك القدرة على طرح حلول مقبولة لدى جميع الأطراف، لكن ذلك سيكون دائمًا مرتبطًا بواقع القوة على الأرض.
وأوضح الشحومي، أن البعض قد يمتلك سقفًا عاليًا من الطموحات السياسية، لكنه شدد على أن القوة الفعلية هي التي تحدد القدرة على التأثير، مشيرًا إلى السيطرة على مناطق جغرافية معينة والحقوق النفطية كمحددات رئيسية للنفوذ.
هذا المحتوى مقدم من الساعة 24 - ليبيا
