نحو بناء منظومة للإنذار المبكر والتأهب لحماية مكاسب التنمية من خطر الكوارث

تعرف المدن المغربية في الأون الأخيرة عددا من المشاكل الكبرى والاحداث المرتبطة بالبنية التحتية والعمرانية والتي أصبحت تتجاوز التكلفة المالية إلى الخسائر في الأرواح البشرية، ويرجع الأمر إلى عدد من العوامل المعقدة والمتداخلة التي لم تسعف جل السياسات والتدابير والإجراءات المتخذة في التقليص أو التقليل من الخسائر التي تخلفها، وهذا المشهد المتكرر والاحداث الأليمة التي نعيشها على طول السنة تستلزم وضع استراتيجية وطنية مندمجة وشاملة للتأقلم مع التغييرات المناخية التي أضحت بعدا أساسيا ينبغي استحضاره في جل السياسات القطاعية ومحددا في وضع كل المخططات والتصورات والبرامج التنموية الوطنية والمحلية.

بل الأكثر من ذلك فإن الوثيرة التي تتسارع بها الأحداث وتتكرر بها الكوارث الطبيعية بالمغرب من حرائق وفيضانات وزلازل تستدعي بناء منظومة للإنذار الاستباقي والتأهب المحكم للكوارث بالمغرب

فالإنذار المبكر من شأنه مساعدة السلطات العمومية على بناء نظام متكامل ومحكم لرصد المخاطر والتنبؤ بها وتوقعها وتقييم مخاطر الكوارث والتأهب للكوارث يرتكز على وجود أنظمة وعمليات الاتصالات والتنبؤ التي تمكّن الجهات المختصة من اتخاذ وتبني الإجراءات في الوقت المناسب للحد من مخاطر الكوارث قبل وقوع الأحداث الخطيرة.

وبهذا الخصوص يمثل إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015-2030 المنبثق عن مؤتمر الأمم المتحدة العالمي الثالث المنعقد باليابان في17 مارس 2015 خارطة طريق لكيفية جعل مجتمعاتنا أكثر أمانًا وقدرة على الصمود أمام الكوارث الطبيعية.

فالتدبير الفعال للكوارث الطبيعية يقتضي وضع أنظمة الإنذار المبكر التي ترتكز على أربعة عناصر أساسية مترابطة:

أولا: معرفة مخاطر الكوارث بناءً على جمع منهجي للبيانات وتقييمات مخاطر الكوارث

ثانيا: الكشف والرصد والتحليل والتنبؤ بالمخاطر والعواقب المحتملة؛

ثالثا: نشر وإبلاغ، من خلال مصدر رسمي، لتحذيرات موثوقة وفي الوقت المناسب ودقيقة وقابلة للتنفيذ ولمعلومات مرتبطة بها حول الاحتمالية والتأثير؛

رابعا: الاستعداد على كافة المستويات للاستجابة للتحذيرات الواردة.

وبالتالي فاستحضار هذه المكونات الأربعة المترابطة داخل القطاعات المختصة من الأدوات الحيوية للتنبؤ بالمخاطر والاستعداد لها، مما ينقذ الأرواح ويقلل الخسائر، كما قد يؤدي الفشل في أحد العناصر أو عدم التنسيق فيما بينها إلى فشل النظام بأكمله.

وأمام حجم الخاسر الفادحة التي نتجت عن انهيار المساكن بفاس وفيضانات مدينة أسفي وإلى حين تحديد الجهات المسؤولة يبقى من اللازم التفكير في تحديث استراتيجية مواجهة الكوارث التي أصبحت تفرض على الفاعل العمومي استحضارها مستقبلا وهذا لن يتأتى إلا عبر الاليات التالية:

الألية الأولى: فهم المخاطر والكوارث، وذلك عبر تسخير هذه المعارف لأغراض إجراء تقييمات سابقة على نشوء مخاطر الكوارث، ولأغراض الوقاية والتخفيف ولوضع إجراءات مناسبة وفعالة للتأهب للكوارث والتصدي لها. بحيث يجب أن تستند إدارة مخاطر الكوارث إلى فهم لجميع أبعاد مخاطر الكوارث المتمثلة في قابلية تضرر الأشخاص والممتلكات وقدراتهما ومدى تعرضهما للمخاطر وخصائص الأخطار والبيئة.

الالية الثانية: تعزيز سبل إدارة مخاطر الكوارث من أجل تحسين التصدي لها، ويلزم في هذا الصدد وجود رؤية واضحة وخطط واختصاصات وإرشادات وتنسيق داخل القطاعات المعنية وفيما بينها، وكذلك مشاركة الجهات المعنية. لذلك، فإن تعزيز إدارة مخاطر الكوارث بغرض الوقاية والتخفيف والتأهب والاستجابة والتعافي وإعادة التأهيل، أمر ضروري من شأنه الحد من مخاطر الكوارث وتحقيق التنمية المستدامة

الالية الثالثة: الاستثمار في الحد من مخاطر الكوارث من أجل تعزيز القدرة على التحمل، ولتحقيق المناعة الاقتصادية والاجتماعية، والصحية، والثقافية للأشخاص والمجتمعات والبلدان وممتلكاتهم، وكذلك البيئة، فلا بد من ضخ استثمارات عامة وخاصة في مجال الوقاية من مخاطر الكوارث والحد منها باستخدام تدابير إنشائية وغير إنشائي، وهذه الاستثمارات قد تكون حوافز قوية للابتكار، والنمو، وتفادي المخاطر، وهي تدابير فعالة من حيث التكلفة وتساهم بشدة في إنقاذ الأرواح، ومنع وقوع الخسائر وتقليلها، وضمان فعالية التعافي وإعادة التأهيل.

الالية الرابعة: تعزيز التأهب للكوارث بغية التصدي لها بفعالية و إعادة البناء بشكل أفضل في مرحلة التعافي وإعادة التأهيل والإعمار، فالنمو المطرد لمخاطر الكوارث، وما يشمله من زيادة تعرض الأشخاص والممتلكات للكوارث، بالإضافة إلى الدروس المستخلصة من الكوارث السابقة، يستلزم ضرورة مواصلة تعزيز الاستعداد لمواجهة الكوارث واتخاذ إجراءات تحسباً لعوارض الطبيعة، وجعل الحد من مخاطر الكوارث جزءاً من التأهب للمواجهة، وكفالة توفر القدرات اللازمة للتصدي للكوارث والتعافي من آثارها بفعالية على جميع المستويات.. وقد أثبتت الكوارث أن مرحلة التعافي وإعادة التأهيل والإعمار، التي تحتاج إلى التأهب قبل وقوع الكوارث، تمثل فرصة حاسمة لإعادة البناء بطريقة أفضل، بسبل منها إدماج الحد من مخاطر الكوارث في تدابير التنمية، مما يجعل الأمم والمجتمعات قادرة على مواجهة الكوارث.

إن المطالبة بمنظومة للإنذار المبكر بالمغرب تتوافق مع بعض الدراسات الدولية التي تشير إلى كون الإنذار الصادر قبل 24 ساعة من حدوث خطر أن يقلل الأضرار اللاحقة بنسبة تصل إلى 30%، كما أن عدد الوفيات العالمية الناجمة عن الكوارث المناخية انخفض بين عقدي السبعينيات والعقد الماضي، ويعزى ذلك بشكل كبير إلى تحسن أنظمة الإنذار المبكر، إضافة إلى أن هذه الأنظمة تعد من أكثر تدابير التكيف مع تغير المناخ فعالية من حيث التكلفة، حيث قد يعود كل دولار يستثمر فيها بعشرة أضعاف قيمته من خلال تجنب الخسائر.

وجدير بالذكر أن منظومة الإنذار المبكر والتأهب للكوارث تقوم على عدد من المبادئ التوجيهية، التي تقود إلى تحديد المسؤوليات وتعزز القدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، وهي كالتالي:

مسؤولية الدولة عن الوقاية من الكوراث والحد منها

تقاسم المسؤولية بين السلطات المركزية والترابية بما يتناسب مع طبيعة الكوارث

حماية الأشخاص وممتلكاتهم واحقهم في التنمية المستدامة

التزام المجتمع برمته والتزام مؤسسات الدولة على الصعيدين الوطني والمحلي

اتخاذ قرارات مبنية على الدراية الشاملة بالمخاطر مع اتباع نهج متعدد الأخطار

التقائية وتناسق جميع السياسات والخطط والممارسات والاليات المتعلقة بالحد من مخاطر الكوارث والتنمية المستدامة عبر القطاعات المختلفة

الالمام بالخصائص المحلية والمحددة لمخاطر الكوارث كي يتسنى تحديد التدابير المناسبة للحد من المخاطر

تجنب التسبب في مخاطر الكوارث والحد من المخاطر الحالية من خلال إعادة البناء على نحو أفضل

التصدي للعوامل الكامنة وراء مخاطر الكوارث عن طريق الاستثمار باعتباره ألية تخفف من التكلفة بعد وقوع الكارثة.

أستاذ محاضر بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية-أكدال الرباط-


هذا المحتوى مقدم من مدار 21

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من مدار 21

منذ 5 ساعات
منذ 46 دقيقة
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 56 دقيقة
منذ 22 دقيقة
هسبريس منذ 6 دقائق
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 11 ساعة
هسبريس منذ 5 ساعات
آش نيوز منذ 10 ساعات
جريدة أكادير24 منذ 5 ساعات
Le12.ma منذ 8 ساعات