لم تكد تمر أيام قليلة على فاجعة فاس التي أودت بحياة أزيد من 20 شخصا جراء انهيار بنايتين سكنيتين، حتى استفاق المغاربة على هول فاجعة أخرى أشد منها راح ضحيتها ما يقارب 40 شخصا إثراء فيضان واد الشعبة على محلات ومنازل المدينة القديمة لآسفي.
المشاهد التي تناقلتها عدسات الكاميرا أدمت القلوب، وستكون شاهدا على من اعتاد المراهنة على النسيان ومرور الوقت لترميم ذاكرة المغاربة. مشاهد نساء يقاومن تيار الواد الجارف، وأناس يبحثون عن ذويهم وسط الأوحال، وتجار يراقبون تعب سنينهم يزول أمام أعينهم في رمشة عين، وعائلات تفقد ذويها بلا سابق إنذار.
قد يكون ما حدث مفاجئا لمن لم يزر آسفي ودروب مدينتها القديمة يوما، غير أنه لن يكون كذلك للزائرين الذي صدمتهم بشاعة الأوضاع بمدينة تعد رائدة في إنتاج الطاقة والصيد البحري والثروات الطبيعية، ولن يكون كذلك لساكنة المدينة التي طالما نبهت لهشاشة البنيات التحتية وكأنها كانت ترى الفاجعة القادمة منذ زمن طويل.
قد يطول الحديث عن الأسباب والمسببات ويتم تقاذف المسؤوليات في تحقيقات لا تنتهي، غير أن الثابت الذي لا ينبغي أن يكون التنازل عنه هو ربط المسؤولية بالمحاسبة وترتيب الجزاءات، إذ لا يعقل أن يجد المواطنون أنفسهم دائما أمام سردية الأقدار، حتى وإن كانت جزءا من صميم اعتقادهم وإيمانهم، ذلك أن العامل البشري حاسم عبر السياسات العمومية ومراقبة البنيات التحتية ومعرفة مآل الميزانيات المصروفة، والصفقات المغشوشة التي لم تسفر إلا ملء جيوب منعدمي الضمير.
في هذا السياق فإن المسؤولية تقع على أطراف مختلفة من قطاعات وزارية جعلت آسفي في آخر سلم أولوياتها، وعلى مجالس منتخبة توالت على المدينة لعقود دون أن تحقق إلا الاغتناء غير المشروع لوجوه يعرفها القاصي والداني، وللسلطات المحلية التي تجري كل صغيرة وكبيرة تحت أنظارها، ولشركات غير مواطنة تستغل عمال وعاملات آسفي بأثمنة بخسة وتلوث سماء المدينة وأرضها دون أن تسهم بتنميتها قيد أنملة.
فاجعة آسفي تثير الاستياء لحجم خسائرها، خاصة في الأرواح، التي كان بالإمكان تفاديها بقليل من الاستباقية والنجاعة في التحرك عقب النشرات الإنذارية، إذ لا يعقل أن الحمولة المضاعفة عشرات مرات للوادي جاءات دون أن ترصدها أجهزة أو تصل بشأنها تحذيرات، وهو ما ينبغي الوقوف عنده والتحقق منه أيضا. ثم ماذا عن قنوات الصرف والمسؤولية عن صيانتها ومراقبته من طرف الشركة المسؤولة خاصة وأن توقعات الأمطار الغزيرة كانت معروفة من قبل.
وكما يطرح السؤال بشأن نجاعة المراقبة ومدى كفاية وفعالية الميزانيات المرصودة للجماعات الترابية، يطرح أيضا سؤال حصيلة تنزيل التعليمات الملكية على مستوى إحداث منصات كبرى للمخزون والاحتياطات الأولية، والتي يفترض الرجوع إليها في مثل هذه الكوارث.
وبالرغم مما أظهره رجال السلطة والوقاية المدنية والأجهزة الأمنية من حضور لافت ومجهودات مقدرة، إلا أنه على صعيد يسجل أن المغرب لم يستفد بعد من كارثة زلزال الحوز على مستوى مراكمة التجربة في التعامل مع الأزمات، وأبان عن ارتباك كبير في تدبير مثل هذه المأساة.
ومرة أخرى، كما جرت العادة خلال الأزمات، غاب عن المشهد مرة أخرى وزراء الحكومة، خاصة القطاعات المعنية مباشرة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول أسباب هذا التأخر في التفاعل مع مآسي المغاربة، خاصة وأن هذا السلوك يقدم صورة سلبية لمغرب يفتح أبوابه أمام العالم خلال الأيام والسنوات المقبلة عبر تظاهرات عالمية، بينما يدير مسؤوليه ظهورهم لمواجع البلاد.
أقل واجب يمكن القيام به هو تعويض الضحايا والمتضررين جراء هذه الكارثة، مع ضرورة تبسيط مساطر الاستفادة من صندوق الكوارث الطبيعية، إلى جانب العمل مستقبلا على اتخاذ كافة الإجراءات للقطع مع سيناريوهات مماثلة تسببها الإرتجالية والانتظارية الطاغية على تسيير المسؤول العمومي.
أخيرا، فإن المغرب مقبل على أوراش وطنية مهمة ويحتضن منافسات قارية وعالمية، تتطلب انخراط الجميع في إنجاحها، وعدم صب كل الانتقادات عليها، لما لها من إيجابيات معقولة، مع التأكيد على ضرورة انعكاس آثارها على مختلف الجهات والمدن المغربية ليحس الجميع بأثر التنمية المنشودة، وقبلها ليشعر المواطنون بأن حياتهم مهمة وأن هناك من يحرص على حمايتها ويسعى لتجويدها.
هذا المحتوى مقدم من مدار 21
