«حكاية بلا بداية ولا نهاية»: جدل الدين والعلم في عالم نجيب محفوظ - بقلم: د. عبدالكريم الحجراوي

يفتتح نجيب محفوظ مجموعته القصصية «حكاية بلا بداية ولا نهاية» (1971م) بالقصة التي حملت اسمها، حكاية تمزج بين الدراما المسرحية والنفس القصصي، يغلب فيها عنصر الحوار على عناصر السرد الأخرى. يطرح محفوظ من خلالها قضيته الفكرية، الصراع بين العلم والدين، وما يعتري الطرفين من انحرافات حين يغيب العقل أو تغيب الروح. ينتهي هذا الصراع عند محفوظ إلى حل توافقي يرى ضرورة وجود الطرفين معًا، مع ضرورة ابتعاد التدين عن الخرافات واستغلال حاجة الناس، وأن يتحرر العلم من الغرور والادعاء بقدرته على كشف كل الحقائق.

يدور الصراع بين نقيضين رمزيّين محمود، وريث الطريقة الأكرمية وصاحب النفوذ الروحي الذي يطيعه المريدون طاعة عمياء، وعلي، الشاب المتعلم الذي يسعى إلى تفنيد الخرافات المحيطة بالطريقة وتنقيتها عبر البحث في الكتب والمخطوطات. يعثر على وثائق تكشف تاريخًا ملتبسًا للعائلة، الأكرمية الجد كان مجرمًا قبل توبته، وعمته تركت دينها وتزوجت من إنجليزي، أما محمود الوريث الحالي فتكشف الأحداث أنه غارق في الملذات، يعيش حياة الترف والفساد معتمدًا على نذور الفقراء الذين يسحقهم العوز.

يتصاعد التوتر بين الفريقين إلى حافة الاحتراب الدموي في الحارة، كاد أنصار كل طرف أن يفتكوا بالآخر. غير أن المفاجأة الدرامية الكبرى تأتي حين تتكشف الحقيقة، علي ليس إلا ابن محمود من علاقة غير شرعية قديمة مع المدرسة زينب. بهذه الصدمة يكشف محفوظ عن تهاوى الحدود التي رسمها كل طرف لتجريم الآخر، فيدرك الجميع أن الدنس والقداسة لا يفصل بينهما سور عالٍ، وأن الإنسان قد يعبر بينهما في لحظة ضعف أو صحوة.

يلفت نجيب محفوظ النظر إلى نسبية الخطايا والفضائل، فالجد، رغم كونه مجرمًا في بداياته، استطاع أن يتوب ويجد طريقًا مستقيمًا، وهو ما كشفت عنه المخطوطات التي كتبها تلاميذه رجل جمع بين الشر والخير، كان قطاع طرق ثم تغلب عليه خيره. أما محمود، فبرغم اعتقاده بنقاء ثوبه الروحي، فإن حياته تكشف عن انغماسه في الدنس واستغلاله للمريدين، لكن الصراع مع ابنه جعله يكتشف ما كان خافيًا عنه يبحث عن طريق جديد ليتلاءم مع العصر الحديث فأفكاره القديمة بما فيها من خرافات لم تعد صالحة اليوم.

يحضر في القصة أيضًا الشيخ تغلب الصناديقي بوصفه الحكيم القادر على الجمع بين الطرفين، يعرف ضعف النفس البشرية، ويمثل المرشد الروحي المتزن. يحث محمود أن يتبع وصية سلفه الذي طلب منه أن يبحث عن طريقه الخاص ويرى في علي الرجل الأصلح لوراثة الطريقة إذا ما تزوّد بالحكمة، وأنه قادر على ضخ دماء جديدة في مسارها يجمع بين التفكير العقلاني والحس الروحي.

لتتبلور رؤية محفوظ لا خلاص من دون التكامل بين الأب والابن، بين الدين والعلم. فالعلاقة بينهما ليست عكسية أو معركة صفرية وإنما هي علاقة تكامل في بناء الإنسان والعالم.

يواصل محفوظ في القصة الثانية «حارة العشّاق» مناقشة الإشكالية الفلسفية ذاتها، لكن من زاوية نفسية هذه المرة، عبر شخصية عبدالله بما تحمله من حمولة رمزية شاملة. يمرّ عبدالله بعدة مراحل متعاقبة تمثّل تطوّر الوعي الإنساني وتقلّباته.

تبدأ المرحلة الأولى بعمله في الأرشيف، يغرق في رتابة، في حياة أقرب إلى الوجود البدائي، عمل بلا متعة ولا فسحة للراحة، همه الأول والأخير أن يوفر لقمة العيش. ثم يترقى في عمله، فيخف العبء الوظيفي، البحث عن الراحة والمتعة، لينتقل إلى عهد القهوة؛ عهد الحياة الحسية، حيث يقع في حب هنية، وينسجم مع نمط عيش جديد يستمر خمس سنوات.

غير أن الشك يتسلل إلى قلبه، فيطلق.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة المشهد المصرية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة المشهد المصرية

منذ 11 ساعة
منذ 9 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 8 ساعات
منذ 10 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 4 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ 10 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ 20 ساعة
بوابة الأهرام منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 13 ساعة
صحيفة المصري اليوم منذ 7 ساعات
صحيفة الدستور المصرية منذ 14 ساعة