محمود خضر الشبول عمان- في بداية العام الدراسي، انتقلت عائلة صباح الرفاعي من جبل اللويبدة إلى الصويفية. لم يكن السبب ارتفاع الإيجارات أو تغيير مكان العمل، بل رغبة ابنتهم في الاقتراب من مدرسة مهنية في منطقة الجندويل، تدرّس تكنولوجيا المعلومات ضمن المسار المهني الجديد.
تقول صباح، طالبة الصف العاشر في مدرسة بمنطقة الجندويل "إحنا في عصر التكنولوجيا والعالم محتاج ناس متطورين بهذا الشي. أنا بحب الحوسبة، وأهلي دعموني، بس كانوا معارضين عشان المسافة. نقلنا من اللويبدة للصويفية عشان أصير أقرب شوي للمدرسة، وصرت أروحلها بسيارة".
واقع مدرسي غير مواكب للإقبال
هناك تحوّل في خريطة التعليم المهني والتقني في الأردن؛ مسار جديد تُبنى عليه آمال رسمية، لكنّه ما يزال محصورًا بنسبة محدودة من الطلبة، ومقيَّدًا ببنية تحتية وقدرة استيعابية وثقافة مجتمعية لم تواكبه بالكامل.
تقول وزارة التربية والتعليم لـ"الغد" على لسان أمينها العام للتعليم المهني والتقني د. محمد غيث، إن "السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت إعادة هيكلة شاملة للتعليم المهني والتقني، وصلت معها أعداد الملتحقين إلى نحو 49 ألف طالب وطالبة، موزعين على 331 مدرسة تقدّم 12 برنامجًا مهنيًا وتقنيًا في المحافظات.
لكن الخبير في التربية د. محمد أبو عمارة، لفت إلى أن هذه الأعداد تمثّل فقط بين 10 % و15 % من طلبة المرحلة الثانوية، برغم الحاجة المتزايدة للأيدي العاملة المهارية.
وتؤكد هذه المعطيات ما خلص إليه تقرير "مراجعة نظام التعليم والتدريب المهني والتقني في الأردن" الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في العام 2023، الذي أشار إلى استمرار انخفاض نسبة الالتحاق بالتعليم المهني في الأردن، إذ بلغت 10.5 % من إجمالي طلبة المرحلة الثانوية في العام الدراسي 2022، وهي نسبة أقل بكثير من النسب المستهدفة.
ويبيّن التقرير مسارًا تنازليًا لنسبة الالتحاق بالتعليم المهني في السنوات السابقة يبدأ من 15.7 % في 2019 إلى 13 % في 2020 و12.6 % في 2021، ويعزو ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها الصورة النمطية السلبية للتعليم المهني، وربطه بالتحصيل المنخفض، والتحيّز للتعليم الجامعي، ومحدودية المسارات الانتقالية إلى التعليم العالي، وضعف جاذبية الوظائف المهنية، من حيث الأجور وظروف العمل والاستقرار، بالإضافة إلى نقص المخصصات المالية التي تحدّ من قدرة المدارس على توفير تدريب عملي حديث، ومشاغل مجهزة تلبي احتياجات السوق.
ضعف الإمكانات وقلة المدارس المتخصصة
يُرجع أبو عمارة تدني النسبة لسببين رئيسين، أولاها: أن الوزارة حدّدت أعداد الملتحقين ببرنامج BTEC الجديد، ولم تسمح بزيادتها برغم الإقبال، بسبب ضعف الإمكانات وقلة المدارس المتخصصة؛ وثانيا اشتراط انتقال طلبة المدارس الخاصة الراغبين بالتحويل إلى المسار المهني في المدارس الحكومية منذ الصف التاسع، ما يجعل قرار الانتقال أصعب على الأسر.
برنامج "BTEC" بحسب غيث- في ردّه على أسئلة "الغد"، يمثل نقلة نوعية في التعليم المهني والتقني في الأردن، بوصفه مسارًا قائمًا على المشاريع الفردية والجماعية والتعلّم عن طريق العمل، إذ تسعى الوزارة عبره إلى رفع جاذبية التعليم المهني، واستحداث تخصصات في تكنولوجيا المعلومات والضيافة والزراعة والشعر والتجميل، والفن والوسائط الإبداعية، مع خطط لإضافة برامج جديدة في السنوات المقبلة.
في قاعة دراسية بمدرسة البيادر المهنية، تقول الطالبة في الصف الأول الثانوي بتخصص تكنولوجيا المعلومات هبة الششتاوي، إنها امتلكت سابقًا خبرة في البرمجة، وإن علمها عن تحويل التخصص من أكاديمي إلى مهني، دفعها لاختياره كـ"أولوية"، برغم نصائح محيطة تدعوها إلى المسار الأكاديمي "وفق فكرة منتشرة، بإن التعليم المهني للطلبة اللي مش شاطرين"، مضيفة "بس النظام اللي بندرسه صعب وبدّه مهارات، والمهام العملية أكثر من النظري".
المعلّم والمدرب المهني المتقاعد في صناعة الفخار والخزف ووالد هبة، إسماعيل الششتاوي أكد أنه ترك لها حرية الاختيار، خلافًا لصورة الأب الذي "يحلم بابنه دكتور أو مهندس، يقول "مش أنا اللي بختار. بفضل إنه الطالب هو اللي يختار رغبته. إذا بحب تخصصه راح يبدع، وفرصة العمل في التخصصات التقنية ممكن تكون أفضل من المسار الأكاديمي العادي".
على الورق، يبدو أن جزءًا من المجتمع بدأ يتخفّف من "ثقافة العيب" تجاه التعليم المهني، لكن أبو عمارة يقول إن النظرة السلبية ما تزال حاضرة، فالمجتمع ينظر لمن يعملون بهذه المهن نظرة دونية، برغم أن بعضهم يحقق دخلًا أعلى من أصحاب الشهادات العليا، بينما يخشى كثير من أولياء الأمور على أبنائهم من "المهن الصعبة" ويفضّلون لهم مسارات أكثر راحة.
استمرار الوصم الاجتماعي
وفي السياق ذاته، يرى الخبير في التربية د. عايش النوايسة، أن ضعف الإقبال على التعليم المهني، يعود إلى استمرار الوصم الاجتماعي، وربطه بالفشل الدراسي، إلى جانب ضغط الأسرة وغياب التوجيه المهني الفاعل، ما يحدّ من وعي الطلبة بدوره في توفير فرص عمل، ودعم التنمية الاقتصادية.
هذه الصورة، يكمّلها صوت من الميدان، فمدرّسة تكنولوجيا المعلومات في مدرسة البيادر بنظام BTEC بتول العويدي، تلاحظ بأن كثيرًا من الأهالي والطلبة يتعاملون مع المسار المهني باعتباره خيارًا للطلبة ذوي المعدلات المتدنية. تقول "ما عندهم وعي شو يعني BTEC. أغلب اللي بيجوا معدلاتهم بالخمسينات، نادرًا.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية
