مقال جمال الكشكي. تسريب أميركي وغضب أوروبي

في ليلة باردة على ضفة الأطلسي، انفتح شق صغير في جدار الثقة، ثم اتسع حتى صار فجوة، ترى منها أوروبا وجهها المرتبك في مرآة واشنطن.

لم يكن التسريب مجرد وثيقة خرجت من درج مغلق، بل كان كاشفا عن طبقات خفية في العلاقة، طبقات تراكمت عليها ابتسامات الدبلوماسيين ووعود الشراكة، حتى صارت أشبه بطبقة ورقية تغطي جدارا متصدعا.

حين ظهرت الوثيقة، بدا أن أوروبا تستيقظ على خوف مجهول، خوف يتسرب من ثنايا الكلمات الأميركية، ويتغلغل في أعماق قارة، ظنت أن التجارب القاسية صارت من الماضي.

وكان المشهد أشبه بعودة التاريخ بعد طول غياب، بلا مقدمات، أو إنذار، أو وسطاء ينصحون بالهدوء، وثيقة تلمح إلى إعادة تشكيل القارة، وإلى سحب دول مؤثرة من تحت عباءة الاتحاد الأوروبي، وإلحاقها بدائرة النفوذ الأمريكي المباشر، كأن أوروبا مجرد مساحة قابلة لإعادة الرسم، أو رقعة تنتظر أيدي اللاعبين الكبار لتحريك قطعها.

المشهد إذن لم يكن سياسيا فقط، إنما كان هزة عميقة في قلب التصور الأوروبي للذات، في قلب عقيدة كامل، بنيت على أن القارة تجاوزت زمن الابتلاع والهيمنة، وأن مستقبلها ملك يديها.

وما أثار الفزع أكثر هو اللغة التي حملتها الوثيقة، لغة مشتعلة بنبرة قريبة من خطب الحملات الانتخابية، لغة ترى أن عظمة أوروبا لن تعود إلا إذا انكمشت داخل حدودها القومية، وأن الهويات التقليدية تحتاج حماية من رياح العولمة، وأن الاتحاد الأوروبي مجرد قيد ثقيل على قرارات الدول.

جاءت اللغة صادمة، لأنها تنطق بما يقوله اليمين الشعبوي منذ سنوات، وكل ما كان ينظر إليه كتهديد داخلي صار الآن موثقا في خطاب صادر من الحليف الأكبر.

أوروبا شعرت كأن يدا خارجية تعيد ترتيب غرف البيت، من دون إذن أهل البيت.

وفي العواصم الكبرى، ظهر صمت يشبه الارتباك، صمت يسبق الانفجار عادة، برلين، التي بنت وجودها على ثقة راسخة في فكرة التحالف، وجدت نفسها أمام سؤال مرعب عن معنى الاعتماد على قوة، لا تخبرك بما تنوي فعله بك.

باريس شعرت أن العمود الفقري للمشروع الأوروبي تلقى طعنة من داخل الخيمة نفسها، وأن الخطر لم يعد يأتي من موسكو فقط، إنما من عمق العلاقة التي ظنتها ثابتة.

وارسو، التي عاشت زمنا طويلا تحت ظل الهيمنة الشرقية، شعرت أن ظلا آخر يقترب، أكثر دهاء، وأقل وضوحا، ظل يطلب الولاء على حساب القارة كلها.

ولم يكن الغضب مجرد رد فعل سياسي، كان ردا نفسيا.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الغد الأردنية

منذ 9 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 9 ساعات
منذ 7 ساعات
خبرني منذ 14 ساعة
خبرني منذ 12 ساعة
قناة المملكة منذ 12 ساعة
خبرني منذ 16 ساعة
قناة المملكة منذ 14 ساعة
صحيفة الرأي الأردنية منذ 13 ساعة
خبرني منذ 14 ساعة
وكالة أنباء سرايا الإخباريه منذ 40 دقيقة