المغرب يدخل مرحلة مناخية جديدة، ولا يمكن مواجهتها بأدوات تواصل قديمة، فالبلد لم يعد يعيش في مناخ الأمس، المناخ التقليدي المعتدل

المغرب يدخل مرحلة مناخية جديدة، ولا يمكن مواجهتها بأدوات تواصل قديمة، فالبلد لم يعد يعيش في مناخ الأمس، المناخ التقليدي المعتدل.

والسنوات الأخيرة كشفت هشاشتنا أمام ظواهر جوية غير مألوفة: سيول جارفة، أمطار قياسية، رياح عاتية، وارتفاع مفاجئ في منسوب الأودية.. ومع ذلك، ما يزال التواصل المؤسساتي حول الأحوال الجوية أسير أدوات قديمة ولغة لا تصل إلى الجمهور الذي يفترض أن تحميه..

النشرات الإنذارية تكتب بالعربية الفصحى، تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي والجرائد الإلكترونية، وتصاغ بمصطلحات تقنية لا يفهمها سوى المتخصصين..

لكن من هو الجمهور الحقيقي لهذه التحذيرات؟

إنها الساكنة التي تعيش في القرى، في الأحياء الهامشية، في المناطق الجبلية، والتي تعاني من الأمية أو شبه الأمية، ولا تتقن العربية الفصحى، وغياب شبه تام للأمازيغية في التواصل الرسمي.. وبالتالي يصبح الخطر غير مرئي

المغرب بلد اعتاد مناخا معتدلا، وهذا خلق ثقافة اجتماعية لا ترى في الطقس تهديدا حقيقيا..

وبينما يتغير المناخ، حافظ الخطاب الرسمي على نفس النبرة المحايدة، التقنية، والباردة، وكأنها تتحدث عن ظاهرة طبيعية عابرة، لا عن خطر يهدد الأرواح..

في حين أن المطلوب هو خطاب أكثر جدية، أكثر وضوحا، وأكثر قدرة على خلق إحساس بالخطر دون تهويل، فحين لا يشعر الناس بالخطر، لا يتصرفون بجدية..

المغاربة لم يتربوا كذلك على الخوف من الطبيعة، ولهذا نراهم يغامرون بالسفر رغم التحذيرات، يقتربون من الأودية الجارفة لتصويرها، يحاولون إنقاذ السلع بدل إنقاذ أنفسهم، كما حدث في آسفي وغيرها، هذا السلوك لا يمكن اعتباره تهورا فرديا فقط، بل هو النتيجة العادية لغياب تربية مناخية، وغياب تواصل مؤسساتي قادر على تغيير السلوك الجماعي..

فحين لا تبنى ثقافة الخطر، يصبح الناس ضحايا سوء الفهم قبل أن يصبحوا ضحايا السيول، ومنه الحاجة اليوم إلى خطة تواصلية جديدة وحازمة وتحولا جذريا في طريقة التواصل تشمل:

- استعمال الدارجة والأمازيغية في التحذيرات

- اعتماد فيديوهات قصيرة بدل نصوص طويلة

- إشراك الإذاعات المحلية، المساجد، الجماعات الترابية، والسلطات المحلية

- إطلاق حملات توعية مستمرة، وليس فقط عند وقوع الكارثة

- استعمال لغة واضحة، مباشرة، وحازمة، تشعر الناس بأن الخطر حقيقي..

في أوروبا، نرى اليوم كيف تبنى ثقافة الطوارئ ويتم إعداد المواطنين لاحتمال حرب مع روسيا، خطط إجلاء، حملات توعية، تعليمات دقيقة حول ما يجب فعله في الطوارئ، وتواصل يومي يهدف إلى بناء مجتمع يقظ..

الفكرة هنا ليست المقارنة، بل الاستفادة من المنهج

حين تعتبر الدولة أن حياة الناس أولوية، فإنها تستثمر في تواصل فعال، مبسط، ومتعدد اللغات، يغير السلوك وينقذ الأرواح..

خلاصة ما يحدث معنا هو أن الخطر ليس فقط في السيول أوالرياح أو أي كارثة، بل في الرسائل التي لا تصل، أو تصل متأخرة، أو تصل بلغة لا تحدث الأثر المطلوب، وأن بناء ثقافة مناخية جديدة يبدأ من خطاب جديد: واضح، قريب من الناس، متعدد اللغات، وحازم بما يكفي ليغير السلوك قبل أن تتكرر المآسي..


هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة كفى

منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ ساعة
منذ ساعة
منذ 21 دقيقة
منذ 48 دقيقة
هسبريس منذ 15 ساعة
هسبريس منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 16 ساعة
هسبريس منذ 19 ساعة
هسبريس منذ 11 ساعة
هسبريس منذ 13 ساعة
هسبريس منذ 3 ساعات