كشف تقرير حديث لبنك المغرب حول السياسة النقدية عن تطور مقلق في بنية الائتمان، مع تسجيل الديون المتعثرة ارتفاعا بنسبة 3,7 في المائة إلى غاية أكتوبر الماضي، لتبلغ 8,6 في المائة من إجمالي القروض البنكية، في مؤشر يعكس استمرار الضغوط التي تواجهها الأسر والمقاولات على حد سواء، في سياق اقتصادي يتسم بتباطؤ النمو وارتفاع كلفة التمويل.
ويُظهر التقرير، الصادر عقب الاجتماع الفصلي الرابع لمجلس بنك المغرب برسم سنة 2025، أن هذا الارتفاع شمل مختلف فئات المقترضين، حيث زادت الديون المتعثرة لدى الشركات غير المالية الخاصة بنسبة 3,5 في المائة، مقابل 3,2 في المائة لدى الأسر. وبلغت نسبة هذه الديون 13,2 في المائة بالنسبة للمقاولات الخاصة، و10,6 في المائة لدى الأسر، ما يسلط الضوء على هشاشة متزايدة في القدرة على السداد، سواء في النشاط الإنتاجي أو في الاستهلاك العائلي.
ويقرأ محللون هذه الأرقام بوصفها مؤشرا على انتقال جزء من الصعوبات الاقتصادية إلى ميزانيات الفاعلين الاقتصاديين، خاصة في ظل استمرار تأثيرات التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة خلال الفترات الماضية، وتفاوت وتيرة تعافي بعض القطاعات. كما تعكس هذه المعطيات تحديات إضافية أمام البنوك، التي تجد نفسها مطالبة بتعزيز مخصصات المخاطر والحفاظ على توازن دقيق بين دعم التمويل وضمان الاستقرار المالي.
وفي موازاة ذلك، سجلت القروض الممنوحة للقطاع غير المالي من طرف الشركات المالية غير البنكية ارتفاعا لافتا بنسبة 12,6 في المائة خلال الفصل الثالث من سنة 2025. ويعزى هذا التطور أساسا إلى نمو القروض الممنوحة من قبل شركات التمويل بنسبة 13,2 في المائة، وجمعيات القروض الصغرى بنسبة 9,2 في المائة، إلى جانب زيادة محدودة في القروض المقدمة من قبل البنوك الخارجية بلغت 3,7 في المائة.
ويعكس هذا المنحى توسع دور الفاعلين غير البنكيين في تمويل الاقتصاد، خاصة لفائدة فئات ومشاريع قد تواجه صعوبات في الولوج إلى القروض البنكية التقليدية. غير أن هذا التوسع، رغم أهميته في تحريك عجلة التمويل، يطرح بدوره تساؤلات حول مستويات المخاطر، وحول قدرة هذه المؤسسات على تدبيرها في حال تفاقم التعثر.
أما بخصوص الكتل النقدية للتوظيفات المتداولة، فقد أشار التقرير إلى استقرار نسبي في وتيرة نموها عند 14,4 في المائة خلال الفصل الثالث وأكتوبر، وهو ما يخفي تحولات داخلية في مكونات هذه الكتل. فقد تباطأ نمو سندات هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة بالسندات من 17 في المائة إلى 16,5 في المائة، مقابل تسارع ملحوظ في نمو سندات هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة بالأسهم والمتنوعة من 50,6 في المائة إلى 52,8 في المائة، إضافة إلى ارتفاع نمو سندات الخزينة من 4,2 في المائة إلى 4,8 في المائة.
وتعكس هذه التحولات ميلا متزايدا نحو أدوات استثمارية ذات عائد أعلى، رغم ما تحمله من مخاطر أكبر، في مقابل حذر نسبي تجاه أدوات الدين التقليدية. كما تشير إلى استمرار بحث الفاعلين الماليين عن فرص توظيف في سياق يتسم بتقلبات الأسواق وتغير توقعات المستثمرين.
في المجمل، ترسم معطيات بنك المغرب صورة مركبة لوضعية الائتمان والسيولة، حيث يتقاطع ارتفاع الديون المتعثرة مع توسع التمويل غير البنكي وتحولات سلوك الاستثمار. وهي مؤشرات تضع السياسة النقدية والرقابية أمام تحديات متزايدة، تتطلب الحفاظ على الاستقرار المالي دون خنق التمويل، ومواكبة الفاعلين الاقتصاديين في مرحلة تتسم بكلفة أعلى للمخاطر وبحاجة متزايدة إلى اليقظة والحكامة.
هذا المحتوى مقدم من أشطاري 24
