حذّرت رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، لطيفة أخرباش، من تنامي مخاطر التضليل الإعلامي واتساع هشاشة الجمهور المغربي أمام استراتيجيات التأثير المختلفة، بما فيها التأثيرات الأجنبية، في سياق يتسم بتراجع دور الصحافة المهنية كوسيط أساسي في تأمين الولوج المسؤول إلى الخبر. وهو تحذير يعكس، في العمق، تحولا بنيويا يطال المشهد الإعلامي ويضع الديمقراطية التواصلية أمام اختبارات غير مسبوقة.
وخلال افتتاح لقاء خصص لموضوع محاربة الأخبار الزائفة: مقاربات ورؤى متقاطعة ، كشفت أخرباش عن معطيات دالة تفيد بأن شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت نقطة الولوج الأولى إلى الأخبار بالنسبة لـ26,9 في المائة من المغاربة، متقدمة على الصحافة الإلكترونية التي لا تتجاوز 4,7 في المائة، فيما تراجعت الصحافة الورقية والإذاعة إلى حدود 1 في المائة. ورغم احتفاظ التلفزيون، الوطني والأجنبي، بمكانة وازنة كمصدر للأخبار لدى 66,3 في المائة من المواطنين، فإن الاتجاه العام، بحسب المسؤولة، يؤكد انتقالا واسعا نحو منظومة رقمية دائمة الحضور.
هذا التحول، في نظر أخرباش، لا يقتصر على تغيير قنوات الوصول إلى المعلومة، بل يمس جوهر العملية الإعلامية ذاتها. فتراجع الصحافة المهنية يحرم المواطنين من الضمانات التحريرية التي تميز العمل الصحافي، وفي مقدمتها التحقق من الوقائع، وترتيب الأخبار وفق أهميتها، ووضعها في سياقها السياسي والاجتماعي الصحيح. ومع غياب هذه الوساطة، يصبح الجمهور أكثر عرضة للتلاعب، وأكثر هشاشة أمام السرديات المضللة.
وتلفت رئيسة الهاكا إلى أن المنصات الرقمية باتت تمتلك سلطة تحريرية نافذة داخل الفضاء العمومي، تمارسها أساسا عبر خوارزميات تحكمها اعتبارات تجارية لا اعتبارات المصلحة العامة. وهو وضع تصفه بأنه غير مقبول من منظور الحقوق الإنسانية الأساسية، باعتبار أن المعلومة تُعد منفعة عمومية، يفترض أن تُدار وفق مبادئ المسؤولية والشفافية والتعددية، لا وفق منطق الربح والانتشار السريع.
وتزداد خطورة هذا الواقع، وفق أخرباش، مع التطور المتسارع لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، في ظل تأخر التأطير القانوني وغياب حكامة عالمية ملزمة. فالاستخدامات المتنامية لهذه التكنولوجيا، سواء داخل المجتمع أو داخل غرف التحرير، دون ضوابط واضحة أو وعي كاف بمخاطرها، تحولت إلى عامل مضاعِف للتضليل، رغم ما تحمله من إمكانات هائلة للتطوير والابتكار.
وفي هذا السياق، طرحت أخرباش أسئلة وصفتها بالجوهرية، داعية إلى مواجهتها بجرأة سياسية ومؤسساتية. من بينها: أي دعم فعلي للصحافة المهنية يحترم استقلاليتها التحريرية ويعزز دورها كسلطة مضادة؟ وأي تكوين للصحافيين يمكّنهم من مواجهة التحديات التي تفرضها التكنولوجيات الناشئة والتدخلات الرقمية؟ وكيف يمكن تحيين أطر التقنين لحماية المجتمع دون المساس بحرية التعبير أو كبح الابتكار؟
كما شددت على ضرورة تنظيم أكثر شفافية وإنصافا لسوق الإشهار، الذي عرف اختلالات عميقة بفعل هيمنة المنصات الرقمية الكبرى، معتبرة أن هذا الورش يشكل شرطا أساسيا لاستدامة الاقتصاديات الهشة لوسائل الإعلام الوطنية. ولم تغفل، في هذا الإطار، التأكيد على أهمية تعميم التربية الإعلامية والرقمية، باعتبارها ركيزة لا غنى عنها لممارسة مواطِنة حرة ونقدية ومسؤولة في الفضاء الإعلامي.
وتخلص أخرباش إلى أن المرحلة الراهنة لا تحتمل منطق الإبقاء على الوضع القائم ، داعية إلى تحرك استعجالي لصياغة سياسة عمومية إرادوية، واضحة الأهداف ومرصودة الإمكانات، لبناء صمود إعلامي حقيقي. فتعاظم دور المنصات الرقمية في الولوج إلى الخبر، تضيف، لم يعد مسألة تقنية أو تكنولوجية فقط، بل أصبح قضية تمس جودة النقاش العمومي ونزاهة الحياة السياسية، وتفرض إعادة طرح سؤال الإعلام في قلب الرهانات الديمقراطية.
هذا المحتوى مقدم من أشطاري 24
