لا شيء يُدعى الخيال! لأن ما نلتقطه ونتخيّله هو من الواقع، بالضرورة والفعل. وكلّ ما نفعله، ونسمّيه خيالا أو إبداعا، هو أننا نعيد تركيب ما التقطناه، ونعيد صياغته، وقد نذهب إلى الفنتازيا، في ذلك، فنقدّم خيالًا لا يشبه الواقع، لكنه مُستَمَد منه. ولا أبالغ إذا جزمت بأن لا شيء نفكّر به وفيه، من الخارج المُتاح والمنظور. حتى أن عملية "التفكير" نفسها تلزمنا بأن يكون ما سنفكّر به موجودا، ولدينا آليات للتواصل معه(الحواس الخمس)، ولدينا معلومات مُسْبقة حوله وعنه..وإلا فالتفكير لن يكون علميا أو موضوعيا، وسيشطح في الوَهْم. من هنا تبدأ عملية استقدام الذكريات، أو التبصّر في مكوّنات الواقع الملموس حولنا، فنأخذ ما يناسبنا، ونشذّبه، أو نعجنه، أو نعيد تركيبه، أو نقتطع منه..ونُجري عمليات وَصْل جديدة، أو قَطْع، أو تلوين أو تبهيت أو تضخيم.. أو ما إلى ذلك. ومن هنا، أيضا، تبدأ مهمّة اللغة، التي هي ليست أداة تواصل، بقدر ما أنّها تعيد صياغة الواقع وتشرحه أو تقزّمه أو تعظّمه أو تنتقده، من خلال الكاتب. بمعنى؛ أن الكاتب يستدخل الواقع إلى عقله ووجدانه، فتجري عمليات إعادة الطبْخ والتركيب، بكيمياء الكاتب، التي، ربّما، تُذيب ملامح الواقع، وتُعيد هيكلته، وتعطيه نسغا وملامح جديدة.
أما النصّ المُنتَج فهو حصيلة تلك العمليّة المُركّبة، التي قد تسلّل إليها اللاوعي، بجموحه وغموضه وسورياليته، مثلما أعمل الوعيُ عمليّاته في تشكيل النصّ ومدّه بألوان وروح تغيّاها الكاتب نفسه. فالكتابة وطقوسها مترابطان بشكل يستدعي كلّ منهما، إذا حضر الآخر، وكأن الكتابة، بهذا المعنى، لا تتكامل إلا مع خارجها، ولم لا! فالكتابة على ذاتيتها هي استحضار "الآخر"، أو استدراج الخارج عن طريق إخراج الداخل. والكتابة - عملياً - ليست بنت واقعها فقط، إنها نتاج طويل من الخبرة الشخصية والجماعية، الفردية والجمعية، "الأنوية" و"الأخروية".. الكتابة فيها "الآخر" حاضراً، شئت هذا أم أبيت.
والكتابة هي عمل فردي حقاً ولكنها تتضمن كل ما فعله "الآخر" (الواقع) بي.. وكل ما تركه لي.. الكتابة تنفتح على التاريخ من جهة والعالم الموضوعي من جهة أخرى.. فهي محصّلة قوى روحية ونفسية وتاريخية، وبهذا، فإن الاطلاع المعرفي يشكّل للكاتب دعامة حقيقية وركيزة قوية لإثراء ما يريد قوله.
بلغة أخرى؛ النصّ يكتب خارجه، وهو واعٍ لواقعه الموضوعي، لكنه، ومع ذلك، خيار شخصي أيضاً، مجال فردي بالتأكيد، ولهذا فإنني لا أفكر بالجمهور أثناء الكتابة، ومع ذلك فإن الجمهور حاضر فيها، ففي نهاية الأمر فإن النصّ الابداعي هو ابن جمهوره، ولهذا لا يمكن أن تخونه أو تقف ضده أو تصدمه. النصّ ابن ذوق جمهوره وزمنيته ومكانه.. والكاتب الحقيقي خير من يدرك "القاع الغامض" للجمهور الذي ينتمي إليه.
ولا أجانب الحقيقة إذا قلت إنّ النصّ له قدرة عجيبة على نقلي إلى عالمه الخاص،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة المشهد المصرية
