خلال محادثات استمرت يومين بين رئيس بيلاروس والمبعوث الأميركي الخاص إلى بيلاروس، جون كول، نُوقشت قضايا تطبيع العلاقات، في مشهد يؤكد أن بداية فتح صفحة جديدة تمت صياغته في هذه المحادثات، وكنتيجة أولية مثمرة، أصدر الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، كجزء من اتفاق مع الإدارة الأميركية، عفواً عن مجموعة أخرى تضم 123 سجيناً أدينوا بجرائم تتعلق بالتجسس والتطرف والإرهاب. ومنذ بداية اجتماع الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، مع المبعوث الأميركي الخاص، أثبتت المفاوضات البيلاروسية الأميركية نجاحها ونتائجها الواضحة، لا سيما بالنسبة للجانب البيلاروسي، فقبيل الاجتماع رُفعت العقوبات الأميركية عن شركة الطيران الوطنية "بيلافيا"، وبعده، تم رفع العقوبات عن الشركات البيلاروسية المنتجة للأسمدة البوتاسية. غير أن السؤال المهم هنا، هل يؤثر تشبيك العلاقات الأميركية-البيلاروسية على العلاقة حول شكل ومضمون دولة الاتحاد (روسيا وبيلاروس)؟ والجواب ببساطة نعم يؤثر، ولكن هذا التأثير إيجابي، لأن المبادرة الأميركية واضحة لجهة إنهاء الأزمة الأوكرانية، وبالتالي التنسيق الأميركي مع روسيا لن يكون بمعزل عن التوافق مع بيلاروس الدولة الحدودية مع بولندا وليتوانيا، وإنهاء أي توتر معها من شأنه أن يضع حاجز صد لأي تطورات محتملة مستقبلاً، فضلاً عن أن دولة الاتحاد توفر مظلة أمنية موثوقة، بما في ذلك مظلة نووية، فوق "شرفة بيلاروس".تحالف أميركا مع روسيا وبيلاروس ومع ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية، يعمل بشكل واضح على تلافي أخطاء سلفه، لجهة أن من يتحالف مع روسيا وبيلاروس، يضمن القوة في المنطقة الأوروبية والأوراسية معاً، في وقت تتطلع أوروبا لمحاولة الخروج بأقل الخسائر بعد الإنهاك الذي تعرضت له طوال 3 سنوات. أما السؤال الآخر، هل يعني هذا أن "الاتفاق" بين لوكاشينكو وترامب يتعلق فقط بالعفو عن السجناء مقابل رفع العقوبات؟ هذا مستبعد، إذ تسعى مينسك وواشنطن حالياً إلى تطبيع جميع جوانب علاقاتهما الثنائية، التي كانت في الواقع في أدنى مستوياتها على الإطلاق، وقد أصبح انفراج التوتر بينهما ممكناً بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، فضلاً عن بدء مفاوضات مباشرة بين القيادتين الروسية والأميركية بشأن تسوية النزاع في أوكرانيا وإطلاق حوار أمني أوسع. وفي هذه الحالة، تستغل بيلاروس الفرصة لإقامة حوار ثنائي صريح ومنفتح مع الأميركيين لحماية مصالحها الوطنية، والتي تتمثل في رفع جميع العقوبات غير القانونية والتأثير على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لخفض التوترات العسكرية والسياسية التي قد تؤدي إلى مواجهة مباشرة مع بولندا وليتوانيا. لذلك تشكل مينسك بالنسبة لواشنطن، كجزء من دولة الاتحاد، الطريق لتحقيق بنية أمنية مستدامة في المنطقة، إذ إن "شرفة بيلاروس" تؤثر بشكل كبير على ميزان القوى، ويجب أخذ ذلك في الاعتبار إذا كان تحقيق سلام مستدام وتوازن عسكري سياسي هو فعلاً جوهر التوجه الأميركي، لذلك عيّن ترامب مبعوثاً خاصاً منفصلاً لبيلاروس، حيث يُعتبر جون كول، المحامي الذي واجه مشاكل بسبب دعمه لترامب خلال رئاسة الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، أقرب المقربين إليه. أما فيما يتعلق بالمخاوف بشأن المفرج عنهم، فمن غير المرجح أن تكون هذه المخاوف في محلها، بل على العكس من ذلك، قد يُزعزع هذا العدد الكبير من "الناشطين" الطموحين صفوف المعارضة في المنفى، ويبدو أن هذا جزء من حسابات الدولة البيلاروسية الدقيقة، التي اشترطت نقل جميع السجناء السابقين إلى الخارج كأحد شروط "الصفقة".العلاقات البيلاروسية الروسية ويدرك الأميركيون هذا الأمر تماماً، لأن مناقشة العلاقات البيلاروسية الروسية لا تشمل أطرافاً ثالثة، كما يصبّ العامل البيلاروسي موضوعياً في مصلحة روسيا في عملية السلام مع الولايات المتحدة، وذلك من خلال ما أفادت به المتحدثة باسم الرئيس البيلاروسي، ناتاليا إيسمونت، من أن بعض السجناء الذين شملهم العفو وأُرسلوا إلى أوكرانيا قد تم تبادلهم مع جرحى روس وبيلاروسيين، على ما يبدو لتنفيذ مهام ضمن العملية العسكرية الخاصة. بالتالي، إن موقف لوكاشينكو يوضح تماماً رؤية مينسك للسلام لدى الأميركيين، وهي رؤية تتوافق بوضوح مع موقف روسيا، إذ تسعى بيلاروس، من خلال المفاوضات الثنائية مع الولايات المتحدة بشأن نفوذها على حلفائها الإقليميين - بولندا ودول البلطيق وأوكرانيا - إلى خفض مستوى التصعيد وإزالة العقبات أمام النقل اللوجستي العابر للقارات في أوراسيا، ويتوافق هذا كله تماماً مع المصالح الاستراتيجية الروسية على حدودها الغربية. وهذا يعني أن للجميع مصلحة في إتمام هذه الصفقة لصالح فتح صفحة جديدة تحي الركود السابق وتحقق مصالح الجميع من بوابة الأزمة الأوكرانية.۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
