افتتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطابه الوطني، مساء الأربعاء، بعبارة باتت مألوفة في خطاباته منذ عودته إلى البيت الأبيض قبل نحو عام، قائلاً: "لقد ورثتُ فوضى". وجاء الخطاب، الذي امتد لنحو 18 دقيقة، جامعًا بين ملفات الاقتصاد والهجرة والطاقة والإسكان والرعاية الصحية والجريمة، في محاولة لرسم صورة شاملة لما وصفه بـ"النهضة الوطنية" التي تشهدها الولايات المتحدة تحت قيادته، إلى جانب استعراض قائمة طويلة من الوعود والتعهدات للعام المقبل.وألقي الخطاب في توقيت حساس بالنسبة لترامب، في ظل تراجع معدلات شعبيته وازدياد الضغوط داخل الحزب الجمهوري من أجل تحقيق استقرار اقتصادي واستعادة ثقة الناخبين الذين يواجهون تحديات معيشية متزايدة. وتظهر استطلاعات الرأي أن التضخم، وتباطؤ وتيرة التوظيف، وارتفاع تكاليف المعيشة لا تزال من أبرز هموم الأميركيين، ما دفع عدداً من مستشاري الرئيس إلى حثه على تقديم خطاب اقتصادي أكثر إقناعاً، لا سيما مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي لعام 2026.خطاب ترامب السنويوبدلاً من الخوض في تفاصيل السياسات الجديدة، اكتفى ترامب بإطلاق عبارات عامة تتعلق بانخفاض الأسعار، وتشديد أمن الحدود، وتحسن سوق العمل، إضافة إلى التذكير بانتصاراته الانتخابية، وفقا لمجلة "نيوزويك" الأميركية. ووصف الولايات المتحدة بأنها كانت "ميتة تماماً" قبل عودته إلى السلطة، لكنها أصبحت اليوم، على حد تعبيره، "الدولة الأكثر ازدهاراً في العالم".وتضمن الخطاب الإشارة إلى عدد من الإنجازات التي نسبها ترامب لإدارته، من بينها الحد من عمليات عبور الحدود غير القانونية، ودعم جهود دبلوماسية في غزة وإفريقيا ومناطق أخرى. إلا أن هذه الإنجازات قدمت بصيغة مبالغ فيها، إذ استندت بعض التصريحات، مثل انخفاض أسعار الوقود وارتفاع الأجور، إلى بيانات حقيقية، لكنها صيغت بلغة دعائية ومضخمة. وبهذا، جمع الخطاب بين الوقائع والمعلومات غير الدقيقة، في نمط اعتاد عليه ترامب خلال خطاباته السابقة.ملفات أساسيةفي ملف الهجرة، ادعى ترامب أن 25 مليون مهاجر دخلوا الولايات المتحدة خلال ولاية الرئيس السابق جو بايدن، واصفاً ذلك بـ"الغزو". غير أن بيانات إدارة الجمارك وحماية الحدود الأميركية تظهر تسجيل أقل من 11 مليون حالة مواجهة إجمالية خلال تلك الفترة، بما في ذلك حالات الطرد. وحتى مع احتساب تقديرات الجمهوريين في مجلس النواب حول ما يعرف بـ"الهروب"، فإن الأرقام لا تقترب من الرقم الذي أعلنه ترامب. كما زعم دخول 11,888 "قاتلاً" إلى البلاد، وهو رقم يستند إلى قراءة مضللة لبيانات تشمل غير مواطنين مدانين بالقتل على مدى أكثر من 4 عقود، كثير منهم مسجونون أو جرى ترحيلهم بالفعل.وفي الشأن الاقتصادي، قال ترامب إنه "أوقف التضخم"، مؤكداً أنه ورث "أسوأ تضخم في تاريخ البلاد". إلا أن بيانات مكتب إحصاءات العمل تشير إلى أن معدل التضخم بلغ 3% خلال الـ12 شهراً المنتهية في سبتمبر، وهو معدل أقل من فترات تاريخية سابقة، لكنه لا يعني توقف ارتفاع الأسعار، رغم تراجعه مقارنة بذروته في عام 2022.أما بشأن أسعار الوقود، فقد ذكر ترامب أن سعر البنزين وصل إلى 1.99 دولار للغالون في "3 أو 4 ولايات"، بينما تظهر بيانات جمعية السيارات الأميركية أن المتوسط الوطني بلغ نحو 2.94 دولارا في منتصف ديسمبر، دون أن تسجل أي ولاية متوسطاً قريباً من الرقم الذي أعلنه.وفي ما يخص الاستثمار، قال ترامب إن إدارته جذبت استثمارات بقيمة 18 تريليون دولار، غير أن بيانات البيت الأبيض نفسها تظهر أن إجمالي الإعلانات الاستثمارية بلغ 9.6 تريليونات دولار فقط، تشمل تعهدات أولية لا تمثل تدفقات رأسمالية فعلية. كما أن ادعاءه بإقرار "أكبر تخفيضات ضريبية في التاريخ الأميركي" لا تؤيده السجلات، إذ تبقى تخفيضات سابقة، مثل تلك التي أقرت عام 1981، أكبر من حيث الأثر الاقتصادي.ورغم ذلك، لم تخل تصريحات ترامب من نقاط صحيحة، وإن شابها التهويل. فقد انخفضت أسعار البيض بشكل ملحوظ خلال عام 2025 نتيجة استقرار العرض بعد أزمة إنفلونزا الطيور، كما تراجعت أعداد الموقوفين على الحدود بشكل كبير بعد إعادة العمل بسياسات لجوء أكثر تشدداً، وإن لم تصل إلى "الصفر" كما قال الرئيس.وفي المقابل، غابت عن الخطاب قضايا خارجية بارزة، أبرزها فنزويلا، رغم إعلان ترامب قبل يوم واحد فرض حصار بحري عليها، إضافة إلى غياب أي إشارة للحرب في أوكرانيا أو العلاقات مع الصين وروسيا، ما اعتبره مراقبون نقصاً لافتاً في خطاب يفترض أن يكون شاملاً.(ترجمات)۔
هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد
