وما يجعل هذا الجرح مفتوحاً إلى اليوم، هو استمرار المعاناة الناتجة عن غياب أي اعتراف رسمي من الجزائر بهذه الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها المطرودون، إلى جانب استمرار الرهان على النسيان، في محاولة لطمس هذه المأساة وما خلّفته من مآسٍ إنسانية واجتماعية،

فهذه القسوة المناخية تستحضر، في الوعي الجماعي، المعاناة التي تكبدها آلاف ضحايا المغاربة خلال عملية الطرد، وما رافقها من آلام جسدية ونفسية ما تزال آثارها حاضرة في ذاكرتهم، وفي ذاكرة أسرهم وذوي حقوقهم، بل وتمتد أيضاً إلى الأجيال اللاحقة.

وما يجعل هذا الجرح مفتوحاً إلى اليوم، هو استمرار المعاناة الناتجة عن غياب أي اعتراف رسمي من الجزائر بهذه الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها المطرودون، إلى جانب استمرار الرهان على النسيان، في محاولة لطمس هذه المأساة وما خلّفته من مآسٍ إنسانية واجتماعية، كما لم يتم إلى حدود اليوم إنصاف الضحايا أو جبر أضرارهم عبر الآليات القانونية المتاحة، في ظل ما يُوصف بمحاولات إنكار ما حدث سنة 1975.

وفي هذا السياق، برز دور التجمع الدولي لدعم العائلات ذات الأصل المغربي المطرودة من الجزائر، الذي أُسس في فبراير 2021 كهيئة حقوقية اختارت أن تتموقع خارج الإطار التقليدي لجمعيات الضحايا، دون أن تنفي أهمية الأدوار التي تقوم بها هذه الجمعيات في حفظ الذاكرة والتحسيس. وقد تبنّى التجمع مقاربة قائمة على إدراج هذه القضية ضمن منظومة حقوق الإنسان، وجعل الترافع بشأنها على المستوى الدولي، بعيداً عن أي منطق داخلي أو ثنائي.

ويرتكز عمل التجمع على تحميل المسؤولية الأساسية للدولة الجزائرية، باعتبارها الجهة التي أمرت ونفذت عملية الطرد التعسفي والجماعي للمغاربة، دون أي سند قانوني أو ذنب مقترف، سوى الانتماء والهوية. فقد تم الطرد على أساس الهوية فقط، رغم أن المؤرخين والسياسيين يقدمون تفسيرات متعددة مرتبطة بالظرفية السياسية أو المناخ العام آنذاك.

المغاربة المطرودون كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر، حيث استقرت أسرهم لأجيال، وساهموا في الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي، كما شاركوا في بناء الاقتصاد الجزائري بعد الاستقلال، قبل أن يُجردوا فجأة من ممتلكاتهم ومنازلهم ومتاجرهم، ويُنقلوا قسراً عبر الشاحنات والعربات إلى الحدود المغربية الجزائرية.

يضم التجمع الدولي مكونات متعددة، من ضحايا الطرد وذوي حقوقهم، إلى جانب إعلاميين وحقوقيين وأطر من تخصصات مختلفة، تجمعهم قناعة مشتركة بعدالة القضية وضرورة مواصلة الترافع بشأنها، كما تربطه شراكة مع مجلس الجالية المغربية بالخارج، بالنظر إلى أن جزء مهما من أعضائه ينتمون إلى مغاربة العالم، ممن كانوا ضحايا الطرد أو من ذوي حقوقهم والمقيمين في بلدان متعددة بأوروبا وأمريكا الشمالية وإفريقيا.

سبق أن تم تقديم تقرير مرجعي أنجز بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، وبمساهمة المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، تم إعداد هذا التقرير على أساس قناعة مفادها أن عدالة القضية وحدها لا تكفي، بل لا بد من سند علمي وحقوقي موثوق يمكن الاستناد إليه في الترافع، حيث اشتغلت فرق بحث متعددة على إعداد التقرير، شملت جانب الذاكرة التاريخية، والبعد القانوني والحقوقي والتشريعي، بمشاركة خبراء وأكاديميين وحقوقيين وطنيين ودوليين، من بينهم أساتذة وباحثون متخصصون في القانون الدولي، كما تميز التقرير بتوثيق معطيات جديدة اعتماداً على أرشيف الصليب الأحمر الدولي، الذي كان أول منظمة دولية حاضرة على الحدود المغربية الجزائرية خلال عمليات الطرد سنة 1975، وهو ما أتاح تصحيح عدد من المعطيات المتداولة وتعزيز مصداقية العمل التوثيقي والحقوقي.

ويؤكد هذا العمل أن قضية طرد المغاربة من الجزائر ليست مجرد حدث تاريخي من الماضي، بل مأساة إنسانية مستمرة، تتطلب الاعتراف، والإنصاف، وجبر الضرر، وصون الذاكرة الجماعية من النسيان.


هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة كفى

منذ 4 ساعات
منذ ساعة
منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ 4 ساعات
منذ ساعة
هسبريس منذ 20 ساعة
صحيفة الأسبوع الصحفي منذ 20 ساعة
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ ساعتين
هسبريس منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 9 ساعات
هسبريس منذ 7 ساعات
موقع بالواضح منذ 17 ساعة