ملخص بعد مرور خمسين عاماً على وفاة هانا آرندت، صدرت حديثاً في باريس عن منشورات كالمان- ليفي (2025، 560 صفحة) الترجمة الفرنسية لكتاب أستاذ الفلسفة في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ توماس ماير، المعنون "هانا آرندت، السيرة". وقد أنجز هذه الترجمة عن الأصل الألماني أوليڤييه مانوني.
لا تكتفي هذه السيرة بإضافة عنوان جديد إلى مكتبة الدراسات الآرندتية، بل تمثّل، بحق، نقطة تحوّل في قراءة حياة وفكر واحدة من أبرز مفكّري القرن العشرين، لما تنطوي عليه من إعادة بناء لمسارها الوجودي بعيداً من السرد الكرونولوجي. ولعلها تقترح، اعتماداً على وثائق غير منشورة ومقاربة تاريخية دقيقة، إعادة قراءة العلاقة بين تجربة هانا آرندت الشخصية والفكر السياسي في القرن العشرين. ولأنها لا تعرض "حياة" منفصلة عن "أعمال"، تكشف هذه السيرة كيف تشكّلت مفاهيم آرندت الكبرى كالتوتاليتارية، والفعل، والحرية، والعنف، والشر، والثورة، والوضع البشري، والحق في امتلاك الحقوق، وسواها، في تماس مباشر مع وقائع المنفى والعمل اليومي.
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more تأتي هذه السيرة التي تتميز إذاً بمنهجها بعد عقود من صدور السيرة الأولى التي وضعتها عام 1982 تلميذة آرندت إليزابيث يونغ-برول، لتؤكّد أن الاهتمام بالمنظّرة السياسية لم يخفت بعد، بل تعمّق وتنوّع. فواضعها، وهو باحث مهتم بتاريخ الفكر وفلسفة القرن العشرين، لم يقرأ آرندت من زاوية "الأسطورة الفكرية" أو "الأيقونة الفلسفية"، بقدر ما أعاد إدراج فكرها في سياقه التاريخي والاجتماعي والسياسي. بهذا المعنى، تبتعد هذه السيرة عن التمجيد، وتقترب من الفهم المركّب لشخصية آرندت التي تنظر إلى نفسها كـ "منظِّرة سياسية" لا كـ"فيلسوفة" بالمعنى الأكاديمي للكلمة، على ما اعترفت في مقابلة تلفزيونية شهيرة بُثّت عام 1964.
ينطلق ماير من فرضية مفادها أن فكر آرندت هو ثمرة تجربة تاريخية معيشة، واستجابة فكرية لأحداث كبرى كصعود النازية واختبار المنفى وفقدان الحقوق وانهيار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وإعادة بناء العالم السياسي، وليس نتاج تأمّل نظري بحت. لذلك، تأتي هذه السيرة لتردم الهوّة التي فصلت بين "المنظّرة السياسية" والأحداث التي عاشتها، واضعةً آرندت في هشاشة وتناقضات زمنها، مبرزةً كيف كانت أفكارها تتكوّن من قلب التجربة، لا من خارجها.
المنفى الباريسي
السيرة الجديدة (دار كالمان ليفي)
في هذه السيرة، تحتّل سنوات المنفى الباريسي (1933 1941) مكانة أساسية، وربما تُعدُّ أكثر أقسامها جدةً وأهمية. فتخبرنا أنه بعد فرار آرندت من ألمانيا النازية، انخرطت في نشاط سياسي وإنساني كثيف، لا سيما ضمن المنظمات اليهودية التي عملت على مساعدة الهاربين من جحيم معسكرات الاعتقال والديكتاتورية، كاشفةً لنا من خلال الوثائق والتقارير والمراسلات، أنها شاركت في تنظيم عمليات الإنقاذ وتحضير الملفات وجمع المعلومات والتواصل مع السلطات بغية تأمين تأشيرات الدخول إلى أميركا أو غيرها من دول العالم.
هذه التجربة، التي ظلّت لفترة طويلة مهمّشة في السرديات الكلاسيكية، تظهر هنا باعتبارها لحظة تأسيسية في تشكّل فكر هذه المنظّرة حول المسألة السياسية والحقوقية. ولعلها غذّت بحسب الكاتب تحليلها الشهير لوضع الذين لا يحظون بالاعتراف كمواطنين في أي دولةٍ، وفكرتها عن "الحق في امتلاك الحقوق"، مشدداً على أن رؤية آرندت السياسية لم تتكوّن في الكتب وقاعات الجامعات وحدها، وأن اللقاءات في المكاتب الصغيرة والمعتقلات والمرافئ وأروقة الإدارات لعبت دوراً في بلورة مقاربتها للأحداث السياسية. هكذا يفهم القارئ كيف انتقلت التوتاليتارية في تحليل آرندت من مجرّد مفهوم نظري إلى خلاصة تجربة تاريخية عاشتها المفكرة على الصعيدين الجسدي والنفسي.
تتوقف السيرة أيضاً عند وصول آرندت إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1941 وبداية ظهور مرحلة جديدة من تكوّنها الفكري، على رغم الصعوبات المادية.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية
