ليست حسناء أبو زيد اسماً عابراً في المشهد السياسي المغربي. حضورها البرلماني، وأسلوبها اللغوي الرصين، وقدرتها على إدارة النقد بهدوء، جعلتها تحظى بمتابعة خاصة داخل فضاء سياسي يتّسم غالباً بالتكرار والرتابة. فهي تنتمي إلى تقليد يساري عريق، لكنها اختارت الاشتغال من داخل المؤسسة، لا من خارجها.
برزت أبو زيد أساساً من خلال تدخلاتها البرلمانية التي كسرت، نسبياً، النسق الخطابي السائد. لغة فصيحة، بناء حجاجي متماسك، ونبرة أخلاقية تحاول استعادة المعنى في السياسة. هذا ما منحها صورة السياسية المثقفة، القادرة على مخاطبة الرأي العام دون انزلاق إلى الشعبوية أو الصراخ.
غير أن هذه الجرأة ظلّت، في نظر منتقديها، محكومة بسقف واضح. فقد انتقدت أداء الحكومات، ولامست اختلالات تدبير ملفات كبرى، من بينها ملف الصحراء، لكنها لم تذهب إلى مساءلة مركز القرار أو تفكيك البنية العميقة للسلطة. نقد من الداخل، محسوب، يحرج دون أن يقطع.
في قضية الصحراء تحديداً، أثارت مواقفها نقاشاً واسعاً. فبين من رأى فيها صوتاً مختلفاً تجرأ على الاعتراف بإخفاقات الدولة في التدبير، ومن اعتبر خطابها منطقة رمادية لا ترقى إلى موقف جذري، ظل الجدل قائماً. لكن المؤكد أن النقاش انصرف أحياناً إلى أصلها أو هويتها، بدل الانشغال بجوهر خطابها، وهو ما يعكس حساسية الملف أكثر مما يعكس حقيقة موقعها السياسي.
تجربة حسناء أبو زيد تختزل معضلة اليسار المغربي داخل السلطة: كيف يمكن الاحتفاظ بالروح النقدية دون الاصطدام بجدران المؤسسة؟ وكيف يمكن توسيع هامش الاختلاف دون دفع ثمن تنظيمي؟ إقصاؤها من قيادة الاتحاد الاشتراكي لا يُقرأ فقط كخلاف داخلي، بل كعلامة على أزمة أعمق في تدبير الاختلاف داخل الأحزاب التاريخية.
في المحصلة، ليست حسناء أبو زيد ثورية بالمعنى الجذري، ولا هي جزء من جوقة الصمت. إنها يسارية اختارت الاشتغال في المنطقة الوسطى: منطقة تمنحها المنبر، لكنها تفرض عليها حدوداً. وبهذا المعنى، فهي ليست استثناءً بقدر ما هي مرآة لأزمة السياسة الحزبية في المغرب اليوم.
هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى
