ليست المعضلة في عدالة القضية الكوردية، فهذه باتت حقيقة تاريخية وقانونية يصعب إنكارها، بل في المسافة الشاسعة بين امتلاك الحق والقدرة على تحويله إلى وعيٍ عامٍّ راسخ. فالرأي العام لا يُبنى بالأخلاق وحدها، ولا بالمعاناة مهما بلغت قسوتها، بل بمن يمتلك أدوات السرد، ومفاتيح التأثير، والقدرة على تحويل الوقائع إلى خطابٍ مفهوم، ومتكرر، ومقنع. وهنا تحديداً يبدأ السؤال الحقيقي: هل نجح إقليم كوردستان في تحويل قضيته من حق معلوم إلى قناعة عامة داخل العراق وخارجه؟
القضية الكوردية لم تكن يوماً عابرة في تاريخ الدولة العراقية، لكنها عانت دائماً من اختزالٍ متعمّد، إما بوصفها تمرّداً دائماً، أو أزمة سياسية مؤقتة، أو خلافاً مالياً قابلاً للمساومة. هذا الاختزال لم يكن بريئاً، بل نتاج تراكم طويل من السياسات المركزية التي تعاملت مع الكورد بوصفهم مشكلة يجب إدارتها، لا شريكاً يجب الإصغاء إليه. وفي المقابل، لم ينجح الخطاب الكوردي دائماً في كسر هذه الصورة النمطية، رغم امتلاكه رصيداً أخلاقياً وتاريخياً نادراً في المنطقة.
لقد قدّم شعب إقليم كوردستان، عبر تضحياته الهائلة، واحدة من أكثر التجارب وضوحاً في مقاومة الدولة القمعية. الأنفال، حلبجة، التهجير القسري، التعريب، إسقاط الجنسية، والمقابر الجماعية ليست وقائع متنازعاً عليها، بل جرائم موثقة بتقارير الأمم المتحدة وHuman Rights Watch، وأُدرجت قانونياً كإبادة جماعية بحكم القضاء العراقي عام 2007. ومع ذلك، ظل هذا الإرث الإنساني الكبير عاجزاً عن التحول إلى قوة ضغط دائمة في الوعي العراقي العام، وكأن الذاكرة الوطنية العراقية تعاني من انتقائية مؤلمة، تتذكّر الضحية حيناً، وتتجاهلها حين تتعارض مع الحسابات السياسية.
في التحوّل الكبير الذي شهده العراق بعد 2003، لم يكن الكورد طرفاً لاحقاً على المشهد، بل كانوا في صلب هندسته. من مؤتمرات المعارضة في أربيل مطلع التسعينيات، إلى مؤتمر لندن عام 2002، وصولاً إلى التفاهمات التي سبقت إسقاط النظام، لعب مام جلال طالباني والرئيس مسعود بارزاني دوراً محورياً في رسم ملامح عراق جديد، يقوم نظرياً على الشراكة والفيدرالية والدستور. لم يكن إصرار الكورد على الفيدرالية ترفاً سياسياً، بل خلاصة تجربة مريرة مع المركز، تُوِّجت بتضمين هذا الخيار في دستور 2005 الذي صوّت عليه العراقيون.
غير أن ما كُتب في الدستور لم يتحول إلى ثقافة سياسية. وهنا تحديداً بدأت أزمة صناعة الرأي العام. فبينما كان الكورد يعتقدون أن النص الدستوري كافٍ لحماية الحقوق، كانت قوى سياسية في بغداد تعمل بهدوء على تفريغه من مضمونه، مستخدمة الإعلام، والخطاب الشعبوي، والخلط المتعمّد بين الفيدرالية والانفصال. وفي غياب حملة خطابية كوردية منظمة، تُخاطب الشارع العراقي بلغة.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من وكالة الحدث العراقية
