كيف تحوّل القطاع العقاري في دبي إلى عصر الرموز الرقمية في عام 2025؟

بقلم رياض جوهر، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة بلاك أوك العقارية لم تكن أهم الدروس التي تعلمتها في مسيرتي المهنية وليدة الصفقات الكبرى أو المشاريع الرنانة؛ بل ولدت من رحم مواجهة القيود، فخلال فترة عملي كمدير تجاري في شركة إس إل إس دبي، نفدت الوحدات السكنية بالكامل سريعاً، ولم يتبقَ سوى الشقق الفندقية الفاخرة، تميزت هذه الوحدات بمساحاتها الواسعة وتجهيزاتها المتكاملة، غير أن قيمتها السعرية أقصت شريحة واسعة من المستثمرين الراغبين في الشراء، اتضح لنا حينها أن العائق لم يكن ضعف الإقبال، بل في حجم رأس المال الضخم والمطلوب لامتلاك وحدة من قبل مستثمر فردي، ومن رحم هذا التحدي بدأت الفكرة بالتبلور. لقد فرض ذلك التحدي ضرورة إعادة التفكير والنظر في كيفية هيكلة وبيع العقارات الفاخرة في دبي، وتطلبت المرحلة ابتكار حل يتيح تملك هذه الأصول من قبل شريحة أوسع من المستثمرين، دون التسبب في إبطاء وتيرة المبيعات. كان الواقع واضحاً تماماً، فالمساحات الواسعة وتكاليف الخدمات العالية نتج عنها أسعار باهظة.. وفي كثير من الحالات كان من غير الواقعي توقع أن يستحوذ مشترٍ واحد على العقار بأكمله... لذلك قمنا بتغيير نموذج العمل. من خلال تعاوننا القوي مع دائرة الأراضي والأملاك في دبي، قدّمنا هيكلية الملكية الجزئية للشقق الفندقية المفروشة، وبموجب هذا النموذج تم تقسيم كل وحدة عقارية إلى أربعة أجزاء، ولكل منها سند ملكية مستقل ورسمي.

لقد منح هذا النظام المستثمرين مرونة في شراء جزء واحد أو عدة أجزاء من الوحدة العقارية، كما عزز نموذج الدخل المضمون جاذبية الاستثمار.

أسهم هذا النموذج في ظهور فئة استثمارية جديدة بالكامل، تتيح امتلاك أصول عقارية فاخرة مقابل جزء بسيط من قيمتها، مع ضمان التمتع بكل حقوق الملكية القانونية الكاملة. وعلى الرغم من أن نظام الملكية الجزئية كان قائماً في أسواق كالولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، فإن دبي تميّزت بترسيخ هذا النموذج ضمن إطار تنظيمي واضح ومحكم، لقد شكّلت تلك الخطوة محطة فاصلة في استراتيجيات المطورين تجاه الأصول العقارية الفاخرة عالية القيمة، وكان جلياً منذ ذلك الحين أن هذه مجرد البداية لمشروع أضخم. لقد أحدث مفهوم الملكية الجزئية تحولاً جذرياً في نهج "المالك الوحيد للعقار الواحد"، وفي عام 2025، تبنت دبي هذا المفهوم وطورته إلى آفاق أوسع بكثير لتضاعف أبعاده بعشرات المرات. الترميز ببساطة هو الصيغة الرقمية للملكية الجزئية، فبدلاً من الاكتفاء بتقسيم العقار إلى 4 سندات ملكية، بات بالإمكان تقسيمه إلى 4000 حصة رقمية، حيث يُعبِّر كل رمز عن جزء من الملكية ويكون موثقاً بالكامل في سجلات البلوكشين. يكمن التأثير الحقيقي هنا في نطاق الوصول، ففي الوقت الذي قلّصت فيه الملكية الجزئية الحد الأدنى للاستثمار ليصل إلى مليون أو مليوني درهم، جاء الترميز ليدفعه نحو مستويات غير مسبوقة لا تتجاوز بضعة آلاف فقط، تخيل أن عقاراً بقيمة 5 ملايين درهم أصبح متاحاً للمستثمرين بمبلغ 5000 درهم فقط، حيث تُخصص الأرباح والعوائد لكل مساهم بحسب حصته الرقمية بشكل تناسبي. إن ما تشهده دبي اليوم ليس تحولاً مفاجئاً، بل هو الامتداد الطبيعي لنموذج استثماري وُضعت لبناته الأولى، وجرى تنظيمه، والاعتراف به منذ سنوات مضت. شهد هذا العام نقطة تحول واضحة، فقد أطلقت دائرة الأراضي والأملاك في دبي شهادة ملكية جزئية مرمزة للعقارات، ما منح العقارات المرمزة صفة قانونية رسمية، كما تم استحداث بيئة تجريبية تنظيمية، تتيح للمطورين إصدار أصول عقارية مرمزة ضمن بيئة خاضعة للرقابة. دخل المطورون العقاريون في دبي حقبة التنفيذ الفعلي للترميز الرقمي، فقد شهدت شركة "ماج" إقبالاً هائلاً عند ترميز جزء من محفظة أصولها الفاخرة، حيث بيعت إحدى الشقق بالكامل في أقل من دقيقتين لمستثمرين من مختلف أنحاء العالم. ومن جانبها، كشفت "داماك" عن مبادرة استراتيجية للترميز بقيمة مليار دولار، فيما يستعد مطورون آخرون لطرح عروض مماثلة.

وبناء على الأخبار المتداولة في السوق تشير التوقعات إلى أن الفترة ما بين 2025 و2026 ستشهد انطلاق مشاريع كبرى تعتمد على البلوكشين من قبل أربع إلى خمس شركات تطوير عقاري رائدة.

بالنسبة للمستثمرين، تتجلى مزايا الترميز في كونه يذلل العقبات أمامهم، ويفتح أبواب الاستثمار في العقارات المتميزة التي كان الوصول إليها في السابق بعيد المنال.. فمن خلال امتلاك حصة محدودة في أصل عقاري يدر عوائد مستمرة، يضمن المستثمر الحصول على أرباحه بشكل تناسبي ودقيق. وفي الوقت نفسه، يتطلب الدخول في عالم الترميز وعياً كافياً وفهماً دقيقاً، إذ يبحث المستثمرون عن الشفافية في كل ما يخص الهياكل القانونية، وإدارة الأصول، وآليات بيع الحصص (التخارج)، بالإضافة إلى الرسوم والأسواق الثانوية. وعلى الرغم من نضج المنظومة التشريعية في دبي، تظل توعية المستثمرين ضرورة ملحة لاستيعاب هذا النموذج الجديد.

لم يكن إطلاق نموذج الملكية الجزئية في مشروع "إس إل إس دبي" ضرباً من استشراف المستقبل فحسب، بل كان استجابة عملية لتحديات السوق، من خلال تحويل أصول عقارية كبرى تفتقر إلى السيولة إلى وحدات استثمارية مرنة ومتاحة لشريحة أوسع من المستثمرين. يسير الترميز على خطى الملكية الجزئية ولكن بزخم تقني وطلب عالمي واسع من المستثمرين، لقد مثلت الملكية الجزئية حجر الأساس، أما الترميز فهو المحرك الذي يقودنا نحو المستقبل بسرعة أكبر. كان الاستثمار في العقارات الفاخرة لعقود مضت حكراً على شريحة محدودة من السوق، وقد فتحت الملكية الجزئية الباب الأول أمام شريحة أوسع، أما الترميز الرقمي اليوم فقد جاء ليفتح هذا الباب على مصراعيه. من المفارقات الإيجابية أن دبي، التي أعادت تشكيل مفهوم الملكية عبر السندات الجزئية، تتصدر الآن المشهد العالمي في قيادة التحول نحو العقارات المرمزة. تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 11 دقيقة
منذ 13 دقيقة
منذ 10 دقائق
منذ 30 دقيقة
منذ 34 دقيقة
منذ 10 دقائق
فوربس الشرق الأوسط منذ 11 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 10 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 17 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 9 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 16 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 16 دقيقة
قناة العربية - الأسواق منذ 16 ساعة
صحيفة الاقتصادية منذ 13 ساعة