يشهد سوق العمل تدهورًا ملحوظًا هذا العام، ما دفع عددًا متزايدًا من الأشخاص في الأربعينيات من العمر إلى العودة إلى مقاعد الدراسة بدلاً من البحث عن فرص عمل جديدة. فقد سجلت عمليات التسريح أعلى مستوياتها منذ 14 عامًا، بينما تقلصت فرص العمل المتاحة إلى حد كبير، وانخفضت معدلات الاستقالة بشكل حاد.
وجعلت هذه الظروف العديد من الباحثين عن عمل يشعرون بالإحباط والضياع، حيث يقضي البعض عامًا كاملًا في محاولة إيجاد وظيفة مناسبة.
ويجد بعض المهنيين في منتصف حياتهم العملية أن العودة إلى التعليم تشكل فرصة لتطوير مهارات جديدة والتكيف مع متطلبات سوق العمل المتغير. ويتجه الكثيرون نحو مجالات مثل تحليلات البيانات، الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، الرعاية الصحية، برامج ماجستير إدارة الأعمال، والشهادات المهنية التي تمنح تأثيرًا مباشرًا على مسارهم المهني، بحسب تصريحات لاسي كيلاني، الرئيسة التنفيذية لشركة ميتا إنترو، لمجلة فورتشن.
وتُعد شركة Metaintro محرك بحث عن الوظائف يضم نحو مليوني مستخدم نشط، ويعالج بيانات مفتوحة المصدر لأكثر من 600 مليون وظيفة بشكل لحظي. وأوضحت كيلاني: "نلاحظ بوضوح تصاعد هذا الاتجاه بين البالغين العائدين إلى الدراسة، فمع التسريحات الأخيرة وتزايد الحاجة إلى مهارات الذكاء الاصطناعي، لم تعد الخبرة المهنية وحدها كافية".
ومن جانبها، قالت المحامية المتخصصة في التوظيف، كيلسي زاميت، من شركة كينغسلي زاميت، إنها لاحظت ارتفاعًا في أعداد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 40 عامًا في برامج الدراسات العليا أو الحاصلين على شهادات مهنية. وأكدت أن هذه الظاهرة ليست جديدة تمامًا، لكنها أصبحت أكثر وضوحًا في ظل تدهور سوق العمل الحالي.
وأضافت زاميت أن هناك أسبابًا متعددة تدفع الأفراد للعودة إلى التعليم في منتصف حياتهم المهنية، منها الشعور بالركود الوظيفي، التعرض لعمليات التسريح، أو الرغبة في مهنة أكثر معنى بعد سنوات من الإجهاد الوظيفي. كما تلعب الظروف الشخصية دورًا مهمًا، مثل تقلص المسؤوليات العائلية، وتحسن الوضع المالي، أو إدراك البعض أن تأجيل العودة إلى الدراسة لن يغير شيئًا. وأوضحت زاميت أن العديد من الأشخاص يتجهون نحو "الصناعات المتدهورة"، أو أولئك الذين توقفت رواتبهم عن النمو، أو يشعرون بعدم الأمان الوظيفي.
وفقًا لأبحاث هانوفر، فإن الشهادات الأعلى طلبًا تشمل مجالات الذكاء الاصطناعي، الميكاترونيات، الروبوتات، هندسة الأتمتة، منهجيات البحث، الأساليب الكمية، وهندسة البناء.
تكلفة العودة إلى الدراسة
على الرغم من المزايا المهنية المحتملة، فإن العودة إلى الدراسة قد تكون مكلفة ماليًا وشخصيًا. فتكلفة برنامج دراسات عليا لمدة عام واحد تبلغ حوالي 43 ألف دولار أمريكي في المتوسط، وهو ما يعادل نحو 70% من متوسط الدخل السنوي في الولايات المتحدة، وفقًا للمركز الوطني لإحصاءات التعليم. وقالت زاميت: "العودة إلى المدرسة يمكن أن تكون مفيدة جدًا، لكنها قد تكون مكلفة للغاية. ومن الضروري النظر في تكلفة التعليم ومدى صعوبة التوفيق بين العمل والمسؤوليات العائلية والدراسة". وأكدت أن على الأفراد تقييم ما إذا كان الاستثمار في التعليم يستحق العائد المتوقع.
وتشير تحليلات مؤسسة أبحاث تكافؤ الفرص إلى أن متوسط زيادة الدخل مدى الحياة بعد الحصول على شهادة ماجستير يبلغ 83 ألف دولار، بينما تصل قيمة بعض الشهادات إلى أكثر من مليون دولار. وتعتبر برامج الماجستير في علوم الحاسوب، الهندسة، والتمريض الأعلى عائدًا، إذ يبلغ متوسط العائد على الاستثمار حوالي 500 ألف دولار. ومع ذلك، أفاد التقرير أن نحو 40% من شهادات الماجستير لا تحقق أي قيمة مالية صافية.
وأوضحت كيلاني أن "العودة إلى الدراسة اليوم تحتاج إلى استراتيجية واضحة، مثل الحصول على شهادة تقنية في مجال مطلوب بشدة. فالعودة غير المحددة أو الغامضة قد لا تؤدي إلى أي تحسين في الفرص الوظيفية. لم يعد التعليم وحده كافيًا لضمان وظيفة أفضل"
هذا المحتوى مقدم من العلم
