مقالات الشروق| د.أحمد سعيد عزت عامر يكتب: ماذا بعد إدراج الكشري على قائمة اليونسكو؟ قراءة ورؤية مستقبلية -إن إدراج عنصر في إحدى قائمتَي اليونسكو للتراث الحي خطوة مهمة، لكنه ليس نهاية الطريق، ولا غاية الصَّون بحدِّ ذاته، فالإدراج يجب أن يُعدَّ انطلاقة لعمل تشريعي وتنفيذي واقتصادي مؤسَّسي، يقود إلى سياسات وطنية أكثر نُضجًا واستدامةً، وإن تنظيم السجل الوطني للتراث الحي وآليات الصَّون والتنمية الوطنية يجب أن يكون هو الأوْلى بالاهتمام، برؤية مؤداها أن السجل الوطني ليس مجرد مستودع معلومات، بل أداة للتنمية الرشيدة، ولبناء مؤشرات قياس أثر السياسات الثقافية، ولتوجيه دعم البرامج، وتخطيط المبادرات المجتمعية، وتعزيز فرص الاستدامة الاقتصادية المتصلة بالتراث الحي.. المقال كاملا

في اجتماع العاشر من ديسمبر عام 2025 أعلنت اللجنة الحكومية للتراث الحي، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، المنعقد في العاصمة الهندية نيودلهي، إدراج "الكشري الطبق اليومي -الممارسات المرتبطة به" في القائمة التمثيلية للتراث الحي للبشرية، تفعيلًا لنص المادة 16 من اتفاقية صَون التراث الحي (اليونسكو 2003)، بناءً على الملف الذي تقدمت به مصر -ممثَّلة في وزارة الثقافة- لإدراجه في القائمة التمثيلية للتراث الحي للبشرية، ليصبح العنصر رقم 11 المدرَج في قائمتَي اليونسكو لعناصر التراث الحي للبشرية في مصر، ليكون طبق الكشري جزءًا من التراث الإنساني البشري، لا مجرد وجبة وطنية شعبية.

وهو إنجاز يستحق الوقوف عنده؛ تأملًا لما يمثِّله، وما يعنيه، وما يستتبعه من خطى، وما يستلزمه من استقراء للموقف؛ جلاءً لحقيقة هذا الإدراج، وحدود هذا الإنجاز، برجاءٍ متجدد ألا يقتصر تأمل الإنجاز على حدث احتفالي مؤقت وعابر.

صدقًا، الكشري ليس مجرد وجبة شعبية لا يستغني عنها أفراد المجتمع المصري باختلاف تنوعاته وطبقاته الاجتماعية والاقتصادية، ولا يُعدُّ إدراجه في قوائم اليونسكو للتراث الحي مجرد احتفاء بطبق شعبي، بل هو تأكيد على أن هذا العنصر يعبر ثقافيًّا عن ممارسة اجتماعية متداولة بين أجيال، تمثِّل ذاكرة جماعية وهوية حية في مصر.

تأريخ وتعداد

إن هذا الإنجاز المعتبَر، وما استتبعه من مظاهر احتفاء به، هو سير واستكمال لنهج اتبعَته ورسَّخته وزارة الثقافة المصرية منذ قيام العالم الجليل الأستاذ الدكتور أحمد علي مرسي -رحمه الله- بقيادته للجمعية المصرية للمأثورات الشعبية (إحدى أهم وأقدم منظمات المجتمع المدني)، لإدراج "السيرة الهلالية" في قائمة روائع التراث الشفهي للإنسانية، تلك التي كانت أولى إرهاصات التوصية التي صدرت عن اليونسكو في عام 1989 بالدعوة إلى حماية الثقافة التقليدية، وجاءت السيرة الهلالية رقمًا هامًّا في القائمة المعلَنة في عام 2001، قبل أن تنشئ اتفاقية صَون التراث الحي (اليونسكو 2003) قائمتَيها "التمثيلية، والصَّون العاجل"، وصمدت السيرة الهلالية رقمًا وحيدًا باسم مصر في القائمة التمثيلية، حتى بدأت صحوة إدراج العناصر في عام 2016.

وبناءً على ذلك يُصبح عدد عناصر التراث الحي في مصر المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث الحي 11 عنصرًا؛ 9 عناصر في القائمة التمثيلية للتراث الحي للبشرية، وعنصران آخران في قائمة التراث الحي الذي يحتاج إلى صَون عاجل، والعناصر هي:

السيرة الهلالية (2008)، التحطيب "لعبة العصا" (2016)، الأراجوز "فن تحريك الدُّمى اليدوية التقليدية" (2018)، الكليم الصعيدي "النسيج اليدوي في صعيد مصر" (2020)، الخط العربي "المعرفة والمهارات والممارسات" (2021)، المهرجانات المتعلقة برحلة العائلة المقدسة في مصر (2022)، النخيل "المعرفة والمهارات والتقاليد والممارسات" (2022)، النقش على المعادن -الذهب والفضة والنحاس- "الفنون والمهارات والممارسات المرتبطة بها" (2023)، السمسمية "صناعة الآلة الموسيقية والعزف عليها" (2024)، الحِنَّة "الطقوس والممارسات الجمالية والاجتماعية" (2024)، الكشري "الطبق اليومي والممارسات المرتبطة به" (2025).

دلالات اجتماعية وثقافية واقتصادية وقانونية

إن دلالة الإدراج في القائمة التمثيلية للتراث الحي للبشرية تتمثل في إبراز أنه ثمة ممارسة اجتماعية لعنصر تراثي حي تتداخل مع أنماط الحياة اليومية لأفراد مجتمع محلي، تُتداوَل بين الأجيال، وتعبر عن هوية المجتمع، وتمثل عنصرًا تراثيًّا إنسانيًّا على أرض دولةٍ طرفٍ في اتفاقية اليونسكو لصَون التراث الحي.

وتطبيقًا على طبق الكشري تتجلَّى هذه الممارسة في تناول أفراد المجتمع لهذا الطبق الشعبي "الكشري" في المطاعم الشعبية، والبيوت، والمناسبات التي ترتبط بها حياة أفراد المجتمع؛ من مظاهر احتفالية، أو احتفائية بحدَث، أو نشاط اجتماعي أو ديني أو أيدلوجي، ما يؤكد العلاقة المنضبطة لعناصر التراث الحي بين الدولة والمجتمع المحلي، ذلك المجتمع الحامل والحامي الحقيقي لعناصر التراث الحي.

وهو ما أشار إليه الملف المصري لترشيح إدراج "الكشري" في القائمة التمثيلية، متضمنًا الممارسات المتعلقة به، وتشمل: "طرق الإعداد، وتبادُل الخبرات، والتجمع حول المائدة"، مما يجعله رمزًا للاندماج الاجتماعي، وتعزيزًا للقيمة الثقافية لممارسة العنصر على الخريطة التراثية للعالم، وإقرارًا وطنيًّا بدور "الكشري" في خريطة الهوية الثقافية العالمية كتراث عالمي موجود على أرض مصر.

هذا فضلًا عما يمثِّله الإدراج في القائمة من تأكيد على الدلالة الاقتصادية لطبق الكشري؛ كونه يمثِّل مصدر رزق لفئة غير قليلة من أفراد المجتمع، سواءً كانوا أصحاب مطاعم صغيرة، أو كبيرة، أو عاملين في هذه أو تلك، أو الباعة المتجولين من أصحاب عربات الكشري الشعبية، وما يشكِّله ذلك من عنصر جذب سياحي ثقافي يمكن استثماره في برامج ترويج خريطة السياحة الغذائية المصرية، بما ينعكس إيجابًا على الحِرَف والممارسات التقليدية المتصلة به.

قانونًا لا يُعدُّ إقرار وموافقة اللجنة الحكومية للتراث الحي التابعة لليونسكو على إدراج هذا العنصر -وغيره- مَنْحَ المجتمع المحلي أو الدولة كمُمثِّل للمجتمع المحلي، أيَّةَ حقوق ملكية فكرية للعنصر المتواجد على أرضها، فلا يمثِّل هذا الإدراج صكَّ ملكية أو إقرارًا بحصرية وجود العنصر في أراضي الدولة المدرَج باسمها العنصر، بل هو اعتراف من الدولة الطرف في الاتفاقية بأن هذا العنصر موجود على أراضيها، يمارسه المجتمع المحلي على أراضيه بالصورة التي أوردها ملف الترشيح كتراث إنساني، وهو ما لا يَحُول دون إمكانية التصويت على إدراج العنصر ذاته على القائمة ذاتها -أو القائمة الأخرى- كعنصر يتم ممارسته على أراضي دولة أخرى طرفٍ في الاتفاقية، فضلًا عن إمكانية تقديم وقبول إدراج ملفات مشتركة بين أكثر من دولة عضو، كما في ملفات (الخط العربي "المعرفة والمهارات والممارسات"، نخيل التمر "المعرفة والمهارات والتقاليد والممارسات"، النقش على المعادن الذهب والفضة والنحاس "الفنون والمهارات والممارسات المرتبطة بها، السمسمية "صناعة الآلة الموسيقية والعزف عليها"، الحِنَّة "الطقوس والممارسات الجمالية والاجتماعية")، التي تقدَّمت بها مصر كملفات مشتركة مع دول أخرى، وتم إدراجها في القائمة التمثيلية.

معايير إدراج العناصر الفردية والمشتركة في القائمتين

تنشئ الاتفاقية قائمتين وسجلًّا لعناصر التراث الحي؛ القائمتان هما: القائمة التمثيلية للتراث الحي للبشرية، وقائمة التراث الحي الذي يحتاج إلى صَون عاجل، وسجل الممارسات الجيدة في مجال الصَّون.

القائمة التمثيلية تستهدف غرضًا أساسيًّا هو إبراز تنوُّع التراث الثقافي غير المادي في العالم، وزيادة الوعي بأهميته كتعبير حيوي عن هوية المجتمعات، وتمثِّل اعترافًا بقيمة الممارسة الثقافية.

أما قائمة التراث الحي الذي يحتاج إلى صَون عاجل فتستهدف غرضًا أساسيًّا، هو تركيز الانتباه على العناصر التي تواجه خطر اندثار أو اختفاء "الممارسة" نفسها، رغم الجهود الوطنية والمحلية لمواجهة تهديد يتمثَّل في عوامل اجتماعية أو اقتصادية أو بيئية أو تعليمية.

أما سجل الممارسات الجيدة في مجال الصَّون فيهدف إلى تحقيق غرض أساسي هو تجميع برامج ومشروعات ناجحة تُظهِر أفضل الممارسات في صَون التراث غير المادي، بغضِّ النظر عن إدراج العنصر نفسه في أي قائمة، بحسبه سجلًّا عمليًّا للخبرات المنجَزة التي يمكن أن تكون مرجعًا للدول والمجتمعات في كيفية حماية الممارسات التراثية بشكل فعَّال.

ووفقًا للاتفاقية وتوجيهاتها التنفيذية يتطلَّب إدراج أي عنصر في أيٍّ من القائمتين أو البرنامج أو المشروع في السجل استيفاءَ عددٍ من المعايير الجوهرية، هي:

أن يتوافق العنصر المقترَح مع تعريف التراث الحي الوارد في المادة 2 من الاتفاقية.

إدراج العنصر في قائمة حصر وطنية.

أن يتم الترشيح بموافقة ومشاركة أوسع ما يمكن للمجتمعات المحلية.

وضع الدولة تدابير صَون للعنصر المتواجد على أراضيها، وعلى الدولة.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من جريدة الشروق

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة الشروق

منذ ساعة
منذ 3 ساعات
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 30 دقيقة
منذ 40 دقيقة
صحيفة الوطن المصرية منذ 3 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ 10 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 11 ساعة
موقع صدى البلد منذ 9 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 3 ساعات
صحيفة المصري اليوم منذ 6 ساعات
بوابة أخبار اليوم منذ 7 ساعات
صحيفة اليوم السابع منذ ساعتين