أثير| عندما كان المرض يتجوّل في مسقط ومطرح: قصص وأحداث عاشها سكان المدينتين بحثًا عن الصحة

لخّصها: د. محمد بن حمد العريمي

عرفت سلطنة عمان عددًا من المؤسسات الإدارية الحديثة منذ وقتٍ مبكّر من القرن العشرين، فعلى الرغم من معاناة العمانيين كحال بقية شعوب المنطقة من الأمراض المعدية التي كانت سببًا في ارتفاع حالة الوفيات والإصابة بالعاهات المختلفة، نتيجة لأسباب عديدة من بينها قلة الخدمات الصحية، وقلة الوعي الصحي، وتوافد الهجرات البشرية من مناطق مختلفة، إلا أن سلاطين عمان سعوا بقدر جهدهم إلى إدخال الخدمات الحديثة ومن بينها الخدمات الصحية إلى بعض الأماكن والمدن الرئيسة ومن بينها مسقط ومطرح، وتجلى ذلك في افتتاح عدد من المستشفيات والمراكز الصحية.

أثير تقترب في هذا التقرير من بعض ملامح هذا الاهتمام بالجانب الصحي وبالأخص في مدينة مطرح الميناء التجاري المهم، وذلك من خلال استعراض ورقة عمل للباحث الدكتور سليّم بن محمد الهنائي بعنوان الخدمات الطبية والعلاجية في مطرح خلال الفترة بين عام 1970-1909 .

وقد هدفت الورقة البحثية إلى رسم صورة واضحة عن تطور الخدمات الطبية في مدينة مطرح، حيث كشفت الورقة عن الظروف الصحية والحياتية ودورهما في انتشار الأوبئة وكيف تعامل السكان مع الأمراض التي تنتشر في المدينة، وتطرقت للمنهج التاريخي القائم على رصد الأوبئة والأمراض التي انتشرت في المدينة خلال القرن العشرين. كما فصّلت شروط الحياة الصحية في مدينة مطرح خلال فترة زمنية حاسمة، وأساليب العلاج المتّبعة، ودور العوامل الخارجية كالتجارة والإرساليات التبشيرية.

يذكر الدكتور سليّم الهنائي أن العلاج في عمان قديما وحتى فترة قريبة كان يعتمد على التطبيب الشعبي باستخدام وسائل العلاج التقليدية واستمر الحال حتى نهاية القرن التاسع عشر مع بدايات ظهور الإرساليات التبشيرية التي رأت أنه يمكن الدخول للبلاد من خلال الخدمات الصحية، وهذا ما حصل، فقد بدأت تلك الإرساليات أعمالها في عمان منذ أوائل القرن التاسع عشر، واستمرت حتى بداية النهضة في عام 1970م.

ويشير الدكتور الهنائي إلى أن سبب اختياره لعام 1909م ليكون بداية الفترة الزمنية التي تناولتها ورقته، كونه هو العام الذي بدأ فيه الطبيب شارون توماس بافتتاح أول مستشفى في مدينة مطرح، وبالتالي تعد مدينة مطرح من أوائل المدن التي أسس بها الطب الحديث عن طريق الأطباء شارون توماس وبول هاريسون، وويلز توماس، وعدد من الممرضات.

وقد كان لافتتاح مستشفى في مطرح عام 1909م دور كبير في تقديم الخدمات العلاجية والدوائية للسكان وكذلك للقادمين إليها من أجل الحصول على العلاج.

المبحث الأول: الأمراض والأوبئة وانتشارها في مطرح:

أشار الدكتور سليّم الهنائي إلى أن عمان تعد من المناطق التي تنتشر بها الأوبئة، وقد سُجِّل في بعض المصادر العمانية عدد من الأمراض التي انتشرت مثل الطاعون والكوليرا والجدري، وأن المناخ يؤثر على انتشار الأمراض، فهناك فصول معينة في السنة يزيد فيها معدل انتشار الأمراض.

كما أن جملة من العوامل الجغرافية تسهم في انتشار الأمراض مثل الموقع الجغرافي، فموقع عُمان الجغرافي وإطلاله على مساحة بحرية طويلة، مع قرب الموقع من مناطق التماس السكاني الكثيف أسهم في عمليات نزوح بشري قادم إلى عُمان لأغراض التجارة وغيرها، ما أدى إلى انتشار الأوبئة خصوصًا وباء الكوليرا القادم من الهند وجوادر الذي انتشر بين السكان في مطرح.

كما أن الرطوبة تسهم بشكل واضح في انتشار الأمراض المعدية، ويذكر أن وباء الكوليرا ظهر بداية في مطرح في عام 1899م ثم انتشر في باقي المدن والقرى المجاورة، ويعد سبب انتقاله إلى مطرح بسبب هرب عدد من السكان من الحجر الصحي المفروض عليهم في جوادر.

ويذكر الباحث الهنائي أن هناك جملة من العوامل البشرية التي تسهم في انتشار الأمراض مثل امتهان حرفة الزراعة والاعتماد على الشرب من مياه الآبار والأفلاج المكشوفة دائما والمعرضة للفيروسات والطفيليات مثل الجدري والكوليرا. كما أن المشتغلين بالسفن معرضون بحكم الاختلاط بالسكان الآخرين لخطر الأمراض التي تنقلها الفئران والجرذان.

ويشير الدكتور الهنائي إلى بعض التواريخ المرتبطة بقدوم بعض الأوبئة إلى عمان، حيث يذكر أن مرض الكوليرا وصل إلى عمان في سنة 1238 ه م 1816 م، منتقلًا من شرق آسيا عبر الهند نحو الخليج العربي وعُمان. كما أن الفترة بين عامي 1942 1962 م استمر بها الوباء في مناطق مختلفة من العالم.

وبحكم أن مدينة مطرح ساحلية فكانت من المدن الأوائل التي يضربها الوباء جنبا إلى جنب مع مدينة مسقط وباقي المدن الساحلية العمانية، حيث اجتاح الوباء مدينة مطرح في شهر ربيع الآخر عام 1317 ه/ سبتمبر 1899م، ثم بدأ ينتشر في المدن القريبة من مطرح، وكانت الإصابات في اليوم الواحد تتجاوز (300) مصاب، وبلغت حالات الوفاة التي شهدتها مدينتا مطرح ومسقط حوالي 700 نفس.

كما أشار إلى رواية القنصل الفرنسي في السنة نفسها (1899م) بأن وباء الكوليرا انتشر في الفترة بين 29 أكتوبر إلى 3 نوفمبر قد قضى على نحو 150 شخصاً في مدينتي مسقط ومطرح.

كما يشير الباحث إلى أن مدينة مطرح تأثرت بالطاعون الذي ضرب العالم في عام 1821، وقد عاصر ابن زريق المؤرخ العماني هذا الوباء قائلا فيه "وفي هذه السنة، وهي سنة الست والثلاثين والمائتين بعد الألف، وقع الطاعون بعمان، فعمها جميعاً، وكان هذا الطاعون الحادث غير الطاعون الذي يأتي من استامبول الروم والشام وبغداد والبصرة .

كما انتشر مرض الجذام في عمان، وهو بلا شك من الأمراض التي تنتشر بين الفينة والأخرى والتي توجب العزل، ومن المناطق القريبة من مطرح والتي كان يتم فيها عزل المصابين بالمرض منطقة قنتب وسداب، وذلك بعد أن أصدر السلطان سعيد بن تيمور أمرا بذلك.

وانتشر مرض الجدري في أنحاء عُمان ومطرح من ضمن تلك المدن، والذي أدى إلى وفاة أعداد كبيرة من السكان، وقد وردت بعض الإشارات في كتب الفقه، مثل كتاب بيان الشرع وكتاب منهج الطالبين للشقصي بقوله " "وقيل في امرأة أصابها الجدري. فأراد أهلها أن يحولوها من موضع البيت إلى موضع آخر يرجون لها النفع، فقالت لا ترفعوني وحذرتهم" .

كما انتشر مرض الملاريا في عُمان وفتك بعدد كبير من السكان وذلك لوجود المستنقعات والبرك المائية، وتعود أقدم إشارة عن هذا المرض إلى الرائد كليفورد عام 1916 م، حيث أعد تقريرٌ عن مرض الملاريا في مسقط والتي تجاور مطرح والتي بلا شك وصل لها المرض وذلك نقلا عن الطبيب هاريسون في حديثه عن مرض الملاريا الذي يفتك بالأطفال في مطرح والذي يعد أخطر مرض للأطفال مع مرض العيون، وقد بلغ عدد المصابين بالمرض في مطرح عام 1945 ما يقارب 1369 حالة، وقد أصيب سليمان الباروني بهذا المرض في عام 1924م. كما أصاب الوباء السلطان سعيد بن تيمور (1932 1970م) وذلك في عام 1931م الذي أثر على صحته بصورة كبيرة.

كذلك من الأمراض التي تنتشر في مطرح بين الحين والآخر والتي أشار إليها الباحث في ورقته؛ أمراض الفم واللثة وأمراض العيون، وعسر الهضم والإسهال والدوسنتاريا والبواسير، مع انتشار كبير للبعوض بسبب وجود البرك المائية خاصة في مواسم سقوط الأمطار، وكذلك انتشار الذباب بسبب استخدام جرار الماء للشرب في المنازل، وبسبب انتشار التراخوما في مطرح فنجد العشرات من الناس جالسين في طرقات مطرح بسبب العمى، كما انتشر مرض السل وذلك في التقرير رقم 170.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة أثير الإلكترونية

إقرأ على الموقع الرسمي


صحيفة أثير الإلكترونية منذ 20 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 10 ساعات
صحيفة أثير الإلكترونية منذ 22 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 11 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 12 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 13 ساعة
صحيفة الرؤية العمانية منذ 9 ساعات
وكالة الأنباء العمانية منذ 21 ساعة