ذكاء الأعمال.. كيف تقرأ المنظمات نفسها؟

د. جهاد يونس القديمات ذكاء الأعمال Business Intelligence هو أحد المفاهيم الإدارية الحديثة التي أصبحت تشكل ركيزة أساسية في عمل المنظمات المعاصرة، فهو يساعدها على فهم نفسها بشكل أعمق من خلال قراءة البيانات التي تنتجها يوميا، فكل منظمة، مهما كان حجمها أو مجال عملها، تنتج كما هائلا من البيانات نتيجة أنشطتها التشغيلية والإدارية والمالية والتسويقية، وهذه البيانات تبقى بلا قيمة حقيقية إذا لم يتم تحليلها وتفسيرها وربطها بسياق العمل وأهدافه، وهنا يأتي دور ذكاء الأعمال في تحويل البيانات الخام إلى معلومات واضحة، ثم إلى معرفة يمكن الاستفادة منها في التخطيط واتخاذ القرار وتحسين الأداء.

في الممارسات الإدارية التقليدية، كان اتخاذ القرار يعتمد بدرجة كبيرة على الخبرة الشخصية والتجربة السابقة، إضافة إلى تقارير عامة غالبا ما تصل متأخرة ولا تعكس الواقع بدقة، ورغم أهمية الخبرة، إلا أن الاعتماد عليها وحدها أصبح غير كاف في ظل التغيرات السريعة التي تشهدها بيئة الأعمال، فاليوم تتغير الأسواق بسرعة، وتزداد المنافسة، وتتعدد المتغيرات التي تؤثر في أداء المنظمة، وفي هذا السياق، أصبحت القرارات القائمة على الانطباعات أو الحدس عرضة للخطأ، مما دفع المنظمات إلى البحث عن أساليب أكثر موضوعية ودقة، وكان ذكاء الأعمال أحد أهم هذه الأساليب.

أظهرت التجارب العملية والدراسات الإدارية أن المنظمات التي تعتمد على البيانات في قراراتها تحقق نتائج أفضل من حيث الأداء والاستقرار، فالقرار المبني على معلومات دقيقة ومحدثة يكون أكثر قدرة على معالجة المشكلات واستغلال الفرص، وذكاء الأعمال لا يقدم مجرد أرقام، بل يساعد الإدارة على فهم ما تعنيه هذه الأرقام، ولماذا حدثت؟، وما الذي يمكن أن يحدث مستقبلا إذا استمرت الاتجاهات الحالية، وبهذا المعنى، يصبح ذكاء الأعمال أداة لفهم الواقع وليس فقط لوصفه.

تكمن أهمية ذكاء الأعمال في قدرته على إعطاء معنى للبيانات وربطها بالأهداف الاستراتيجية للمنظمة، فالبيانات وحدها لا تخلق قيمة، بل تتحول إلى قيمة عندما يتم تفسيرها بشكل صحيح واستخدامها في الوقت المناسب، ويساعد ذكاء الأعمال الإدارة على التركيز على المؤشرات الأكثر تأثيرا في الأداء، بدل الانشغال بتفاصيل كثيرة لا تضيف قيمة حقيقية، كما يساهم في توحيد لغة الحوار داخل المنظمة، حيث تصبح القرارات مبنية على أرقام ومؤشرات واضحة، لا على آراء شخصية أو اجتهادات فردية.

مع تطور التكنولوجيا، أصبحت المنظمات تمتلك أنظمة متقدمة قادرة على جمع كميات ضخمة من البيانات في وقت قصير، إلا أن توفر البيانات لا يعني بالضرورة تحسن جودة القرار، فكثير من المنظمات تعاني من وفرة البيانات مقابل ضعف في الاستفادة منها، وغالبا ما تعود هذه المشكلة إلى غياب إطار واضح لذكاء الأعمال، أو إلى ضعف في جودة البيانات نفسها، أو إلى عدم ربط التحليل بالأهداف الفعلية للمنظمة، ومن هنا يظهر أن ذكاء الأعمال ليس مجرد تقنية، بل هو أسلوب إداري يتطلب وعيا وثقافة منظمية داعمة.

مع التحول الرقمي، تضاعف حجم البيانات الناتجة عن مختلف الأنشطة داخل المنظمة، فأصبحت العمليات التشغيلية والمالية والتسويقية والموارد البشرية تنتج بيانات بشكل مستمر، كما أصبحت التفاعلات مع العملاء تتم في الغالب عبر قنوات رقمية، تترك أثرا يمكن تحليله، غير أن هذا التحول الرقمي لم يواكبه دائما نضج في الفهم التحليلي، مما أدى إلى فجوة بين الإمكانات التقنية المتاحة، وجودة القرارات المتخذة، وفي كثير من الحالات، فشلت مشروعات التحول الرقمي، لأنها ركزت على التكنولوجيا وأهملت الجانب الإداري والتحليلي.

التحول الرقمي الحقيقي لا يعني فقط استخدام أنظمة حديثة أو أتمتة العمليات، بل يتطلب إعادة التفكير في طريقة العمل والاستفادة من البيانات الناتجة عنه، وذكاء الأعمال هو الأداة التي تربط بين التكنولوجيا والإدارة، حيث يحول المخرجات الرقمية إلى معلومات قابلة للاستخدام، وبدون هذا الربط، تصبح التكنولوجيا عبئا ماليا دون عائد حقيقي، وتتحول الأنظمة إلى مجرد أدوات لتخزين البيانات بدل أن تكون أدوات لدعم القرار.

ترتبط جودة القرار الإداري ارتباطا مباشرا بدقة المعلومة وتوقيت توفرها، فالمعلومة المتأخرة قد تفقد قيمتها، والمعلومة غير الدقيقة قد تؤدي إلى قرارات خاطئة، ويساعد ذكاء الأعمال في معالجة هذه المشكلة من خلال توفير معلومات محدثة وواضحة، يمكن مقارنتها عبر الزمن أو بين الوحدات المختلفة داخل المنظمة، وبهذا يسهم في إدارة الوقت الإداري بشكل أفضل، حيث تصبح القرارات أسرع وأكثر استنادا إلى الواقع.

مع دخول.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الغد الأردنية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الغد الأردنية

منذ 9 ساعات
منذ 9 ساعات
منذ 11 ساعة
منذ 11 ساعة
منذ 9 ساعات
منذ 10 ساعات
موقع الوكيل الإخباري منذ 13 ساعة
خبرني منذ 16 ساعة
خبرني منذ 7 ساعات
قناة المملكة منذ 23 ساعة
خبرني منذ 10 ساعات
وكالة أنباء سرايا الإخباريه منذ 13 ساعة
رؤيا الإخباري منذ 13 ساعة
وكالة عمون الإخبارية منذ 12 ساعة