أزمة السكن في سبها ناقوس خطر تدقه معاناة الأسر

سبها 21 ديسمبر 2025 (الأنباء الليبية) تتراكم الظروف الاقتصادية القاسية وغياب التخطيط العمراني، لم يعد السكن مجرد مأوى، بل أصبح تحديا يوميا يخوضه المواطنون بحثا عن الاستقرار.

وفي الجنوب الليبي، وتحديدا في مدينة سبها، تشتد أزمة السكن بصورة أكبر بسبب غياب مشاريع البناء، سواء في التمليك أو الإيجار، لتتشكل معاناة مركبة تثقل كاهل الأسر وتضعها في مواجهة دائمة مع القلق والخوف من فقدان المأوى.

في هذه المدينة الجنوبية، حيث تتقاطع الهشاشة الاجتماعية مع الفوضى الاقتصادية، تتشكل عشرات القصص المغمورة تحت الغبار؛ نساء ورجال وأطفال يطاردون سقفا يحميهم من قسوة الحياة لا من المطر فقط. ومن بين هذه القصص، تبرز قصتان نموذجيتان: رحمة سعد حمودة سعد، وعمر، لتقدما صورة واقعية ومؤثرة عن أزمة السكن في سبها.

-امرأة تلاحق الأمان

تحت سقف يرشّ البداية من بيت العائلة، قالت رحمة: «في بداية زواجي، كنت أعيش في غرفة داخل بيت عمّي، وهو منزل عربي بسيط مبني من العشوائيات.

كانت ظروفنا صعبة للغاية، ودخل زوجي ضعيفا، بل في تلك الفترة لم يكن لدينا أي مصدر دخل ثابت.

وخلال فصل الشتاء، كانت مياه الأمطار تتسرّب إلى داخل الغرفة، فكنا نعيش تحت سقف يرشّ فوق رؤوسنا كلما اشتدّ المطر.

وبعد إنجابي لطفلي الأول، بدأ زوجي يتقاضى أول راتب له، ومع اتساع أسرتي، وجدت نفسي مضطرة للانتقال إلى الإيجار، إذ لم يعد ممكنًا أن أعيش في غرفة واحدة تضم ستة أطفال، إلى جانب عائلة عمّي التي تتكوّن من تسعة أشخاص.

كانت الحياة في هذا الازدحام خانقة؛ دورة مياه واحدة نتقاسمها جميعًا، ومشاحنات يومية تنشب بسبب أمور بسيطة، لكنها كانت تضعني في مواقف محرجة ومؤلمة».

-قلق لا ينتهي

أوضحت رحمة أن حياتها اليومية مليئة بالقلق والمعاناة، محاصرة بين إيجارات مرتفعة، ومسكن غير مستقر، ومرض طفلتها الذي يتطلب رعاية خاصة، فتجد نفسها في سباق دائم لتأمين بيت يحمي أسرتها.

وأضافت؛ لقد سئمنا من التنقّل المستمر من مكان إلى آخر، فنحن نعيش في قلق دائم، وأحيانا نعجز عن دفع الإيجار، فيطالبنا المالك بالمغادرة فورا، وزوجي يضطر للسفر إلى العاصمة لمدة أسبوعين كل شهر على نفقته الخاصة، بينما أبقى أنا وأطفالي في خوف دائم. نحن لا نعيش براحة إطلاقا».

-دخل محدود وإيجار لا يرحم

أشارت إلى أن راتب زوجها لا يتجاوز ألف دينار، في حين وصل الإيجار إلى ألف وخمسمائة دينار ليبي، مؤكدة أنها تحاول المساعدة من خلال العمل داخل البيت وصناعة كريمات بسيطة لتغطية جزء من المصروفات، بينما تصبح تكاليف علاج طفلتها معركة يومية للبقاء.

ذكرت رحمة؛ «منذ اليوم الأول الذي دخلنا فيه الشقة، اشترط المالك دفع ستة أشهر مقدما، واضطررنا لدفع ثمانمائة دينار دفعة واحدة، دون أي تقسيط أو مهلة.

طوال فصل الصيف كنا نرفع المياه إلى الطابق الثالث، ونعاني من مشاكل الكهرباء والأسلاك القديمة، وكان المالك يطالبني بالمغادرة في كل مرة، ملوحا بالطرد».

-إيجار جديد وتحديات تتضاعف

أضافت؛ «لاحقا، انتقلنا إلى شقة أخرى، حيث وافق المالك على الدفع الشهري بدل المقدم، غير أن الإيجار ارتفع من ثمانمائة إلى ألف وخمسمائة دينار، وهو مبلغ يفوق قدرتنا، خصوصا مع مصاريف العلاج والتعليم ومتطلبات الحياة اليومية.»

شددت رحمة؛ «كمواطنة ليبية، أتمنى أن أمتلك منزلا يؤويني أنا وأطفالي، على الأقل أن نحصل على سكن آمن.

أنا ربة بيت ولا أملك وظيفة ثابتة، وأحاول مساعدة زوجي قدر المستطاع، خاصة في رمضان والأعياد، لكن حياتنا كلها قلق، ففي كل يوم نتساءل: إذا لم نستطع دفع الإيجار، إلى أين سنذهب؟ وأين سنأخذ الأطفال؟» .

-أطفال بلا استقرار

وأوضحت أن أثر السكن المتعب انعكس على حياة أطفالها، إذ يتقاسم ابناها الأكبر غرفة ضيقة مع بقية إخوتهم، بينما تحتاج طفلتها المريضة إلى مدرسة خاصة لا تستطيع الأسرة تحمّل تكاليفها، أما طفلها ذو الست سنوات، فلم يتمكن من الالتحاق بالروضة.

-حياة على الهامش

أبدت امتنانها لجيرانها وأقاربها، وقالت: «لولا مساعدة الجيران والأقارب، لما تمكنت من إصلاح الباب أو الشرفة وغيرها من الأضرار، نحن نواجه تهديدا جديدا كل يوم».

-مرآة لأزمة مدينة كاملة

أشارت رحمة إلى أن الأزمة في سبها، والجنوب عموما، لا تقتصر على الجانب المادي، بل تهدد استقرار الأسر والتعليم والصحة النفسية والجسدية.

شاب يكافح لإيجاد سقف مستقر

قال عمر إنه كان مرتبطا بابنة عمته لعدة سنوات حتى أنهت دراستها الجامعية وتحصلت على وظيفة.

وأضاف أنه خلال تلك الفترة كان يعمل بوظيفته الأساسية، إلى جانب عمل مسائي إضافي، محاولا توفير الحد الأدنى لتأسيس حياة مستقرة، مشيرا إلى أنه استفاد من أحد برامج القروض المخصصة للزواج، إلا أن الزواج تم دون امتلاك منزل.

-الإيجار المفاجئ

وأوضح أنه بدأ حياته الزوجية في شقة إيجار بلغت قيمتها سبعمائة دينار شهريا، واستقر فيها لمدة عام وثلاثة أشهر، أنجبت خلالها زوجته طفلتهما الأولى.

وأضاف أن المالك طلب منه الإخلاء بحجة صيانتها وتجهيزها لابنه، ليجد نفسه فجأة مسؤولًا عن أسرة بلا مأوى.

-صعوبات مستمرة

أشار إلى أن البحث عن منزل آخر كان شاقا بسبب قلة المعروض وارتفاع الطلب، ما اضطره في نهاية المطاف إلى السكن مع أهله، بينما عادت زوجته وطفلته إلى بيت أهلها. وبعد فترة، تمكن من استئجار شقة فوق منزل إحدى الأسر، واستقر فيها لعامين، ظن خلالهما أنه وجد أخيرا مكانا دائما.

-الانتقال المؤقت

أضاف عمر أنه قام بصيانة الشقة على نفقته الخاصة، وأنجبت زوجته طفلتهما الثانية، قبل أن يطلب منه الإخلاء مجددا بحجة حاجة أحد أقارب المالك للمنزل.

وأكد أن الوضع عاد إلى نقطة الصفر، حيث تعيش زوجته وبناته حاليا في بيت أقاربها، بينما يقيم هو مع أهله، في انتظار فرصة جديدة للسكن.

-حلم البناء المؤجل

أشار إلى أنه يمتلك قطعة أرض صغيرة، إلا أن ضعف الإمكانيات وغياب القروض المخصصة لذوي الدخل المحدود جعلا حلم البناء مؤجلا إلى أجل غير معلوم.

-أزمة السكن واقع يزداد قسوة

أكد أن ليبيا عموما، والجنوب على وجه الخصوص، تعاني من أزمة سكن خانقة، تتجلى بشكل أوضح في مدينة سبها، حيث يغيب التخطيط العمراني وتتوقف مشاريع الإسكان منذ سنوات طويلة.

وقد أدى هذا الغياب إلى تمدد العشوائيات، وارتفاع غير مسبوق في أسعار الإيجارات، دون أي رقابة أو تنظيم.

وفي ظل متوسط دخل لا يتجاوز ألفا إلى ألف وخمسمائة دينار، يجد المواطن نفسه عاجزًا عن تأمين مسكن لائق، ما يضع آلاف الأسر على هامش الاستقرار، ويحوّل السكن من حق إنساني إلى عبء يومي يهدد الكرامة والحياة الأسرية.

تُظهر قصتا رحمة وعمر الصورة الواقعية لأزمة السكن في سبها والجنوب عموما، حيث تتقاطع الضغوط الاقتصادية، ارتفاع الإيجارات، توقف المشاريع، وغياب التمويل لتشكل عبئًا يوميًا على الأسر.

هي صور حيّة لمعاناة حقيقية تستوجب حلولا عاجلة على مستوى التخطيط العمراني، الرقابة على الإيجارات، ودعم برامج التمليك والقروض لذوي الدخل المحدود، لضمان حق المواطن في السكن والاستقرار.

-بلدية سبها: توقف مشاريع الإسكان منذ عقود فاقم أزمة السكن

عميد بلدية سبها بالحاج علي بالحاج قال: أزمة السكن نتاج عقود من التهميش وتوقف مشاريع الإسكان، وملف التوسع السكاني والنمو العمراني داخل مدينة سبها لا يمكن فصله عن تاريخ طويل من التهميش، موضحا أن الدولة الليبية لم تنفّذ أي مشاريع إسكان حقيقية موجهة لمواطني الجنوب منذ عام 1974، وحتى سنة 2006.

وأوضح أن أول محاولة جادة لمعالجة أزمة السكن تمثلت في جلب شركة أجنبية لتنفيذ مشاريع إسكانية، مشيرا إلى أن المشروع نُفّذ عبر شركات تابعة لأجهزة تنفيذية مختلفة، من بينها شركة «سيكجي» والشركة الهندية، التي أنجزت مشروعا سكنيا في منطقة القرضة شمل نحو 3050 وحدة سكنية، وبلغت نسبة الإنجاز فيه ما بين 60 و70 في المائة.

وأضاف أن مشروعا آخر أُنجز في منطقة محلة المنشية، المعروفة سابقا بدار معمر، بعدد 3277 وحدة سكنية، نفذته شركة كانت تُعرف قبل الثورة بالشركة الجماهيرية، قبل أن يتغير اسمها لاحقا إلى شركة الأركان الوطنية، لافتا إلى أن نسبة الإنجاز في هذا المشروع تراوحت بين 70 و80 في المائة، قبل أن تتوقف الأعمال مع اندلاع أحداث 2011.

وأشار إلى أن ما بعد الثورة شهد انسحابا جماعيا للشركات المنفذة، بعد تسوية مستحقاتها المالية مع الدولة، وهو ما أدى إلى ترك المشاريع دون استكمال، في ظل الفوضى الأمنية التي عاشتها البلاد بين عامي 2011 و2020، خاصة في الجنوب، مؤكدًا أن هذه الوحدات السكنية تُركت شاغرة لفترات طويلة.

وبيّن أن بعض المواطنين استغلوا هذه المباني غير المكتملة، فسكنتها عائلات ليبية تفتقر إلى أوراق ثبوتية، إلى جانب وجود عائلات من جنسيات غير ليبية، ما حول بعض المواقع إلى بؤر سكن عشوائي تفتقر لأبسط مقومات العيش، سواء من حيث البنية التحتية أو الجوانب الأمنية.

وأكد بالحاج أنه سبق وأن خاطب الجهات المختصة، وعلى رأسها صندوق الإعمار والتنمية، مطالبا بإعادة صيانة الوحدات السكنية القائمة داخل مدينة سبها، تمهيدا لتخصيصها لمستحقيها من المواطنين الليبيين، خصوصا الشباب المقبلين على الزواج، والأسر المقيمة بالإيجار.

وأوضح أن الخطة المقترحة تقوم على إخلاء الوحدات السكنية بشكل قانوني ومنظم، ثم صيانتها تدريجيًا، بدءا بمشروع القرضة، على أن ينقل القاطنين المؤهلين إلى وحدات أخرى مؤقتة، قبل إعادة توزيع الوحدات بعد استكمال الصيانة، بما يضمن استيعاب ما يقارب 3000 أسرة.

وأشار كذلك إلى وجود عمارات سكنية أخرى في مناطق مختلفة من المدينة، من بينها عمارات تتبع مصرف الادخار، نفذتها شركات محلية خاصة، وبلغت نسب إنجازها ما بين 90 و100 في المائة، مؤكدا أن مسؤولية استكمال هذه المشاريع، وربطها بشبكات الصرف الصحي والكهرباء، تقع على عاتق المصرف بالتنسيق مع الجهات العامة.

وشدد على ضرورة معالجة أوضاع القاطنين الحاليين، خاصة أولئك الذين وُعدوا منذ عام 2005 بالحصول على وحدات سكنية بديلة دون أن تتحقق تلك الوعود، داعيا إلى تشكيل لجان مختصة للتأكد من الأهلية القانونية والاجتماعية للمستفيدين، وضمان تخصيص السكن للمواطنين الليبيين المستحقين فقط.

ولفت إلى أن غياب البنية التحتية والخدمات الأساسية في هذه التجمعات السكنية يشكل خطرا حقيقيا، ليس فقط على المستوى الاجتماعي، بل حتى من زاوية الأمن القومي، معتبرًا أن هذه المناطق كان يفترض أن تُنشأ وفق معايير عمرانية نموذجية، لا أن تُترك مهملة ومهشّمة.

وفي سياق متصل، أشار عميد بلدية سبها إلى أن المدينة تشهد ضغطًا سكانيًا غير مسبوق، خاصة بعد نزوح أعداد كبيرة من سكان مدينة مرزق ومدن أخرى، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الإيجارات، موضحا أن إيجار منزل بسيط قد يصل إلى 500 أو 600 دينار، في حين تتجاوز إيجارات الشقق 1500 دينار.

وأكد في ختام حديثه أن هذا الواقع يُثقل كاهل المواطنين، لا سيما الشباب المقبلين على الزواج، مشددًا على أن سبها، التي يناهز عدد سكانها المليون نسمة، باتت في أمسّ الحاجة إلى مشاريع إسكان عامة جديدة، تتبناها الدولة بشكل عاجل، للتخفيف من أزمة السكن المتفاقمة ودعم الاستقرار الاجتماعي.

-خلل مركب وغياب خطة وطنية

قال الباحث والمهتم بالشأن العام أحمد ناصر قرينإن: أزمة السكن في ليبيا لا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة، معتبرا أن حجم الخلل القائم أكبر من أن يختزل في سبب واحد، في ظل تعدد العوامل التي تسهم في تفاقم هذه الأزمة.

وأوضح قرين؛ أن غياب خطة وطنية حقيقية للإسكان قادرة على استيعاب الزيادات المتواصلة في الطلب على المساكن يُعدّ من أبرز أسباب تعقد الأزمة، مشيرا إلى أن هذا القصور يتزامن مع عدم توفر تمويل مصرفي يدعم البناء المنظم والمخطط له.

وأضاف أن عدم استقرار أسعار مواد البناء يشكل عامل ضغط إضافيا على المواطنين، لافتا إلى أن هذه التحديات مجتمعة تُلقى على عاتق المواطن وحده، دون وجود آليات دعم فعّالة تخفف من الأعباء المتزايدة.

وأكد أن المواطن، في ظل هذه الظروف، يجد نفسه مضطرا للتعامل مع الأزمة بإمكاناته المحدودة جدًا، ما يدفعه في كثير من الأحيان إلى اللجوء لأساليب تحايل لتأمين السكن بأي شكل ممكن.

وأشار قرين إلى أن معاناة ذوي الدخل المحدود تتضاعف عند الدخول في تجربة البناء، حيث قد تستغرق عملية استكمال المسكن سنوات طويلة، بسبب ضعف القدرة المالية وغياب الدعم المؤسسي، الأمر الذي يعمّق الإحساس بعدم الاستقرار السكني والاجتماعي.

-مداخلة اقتصادية

يرى عضو هيئة التدريس بجامعة سبها أبوعزوم اللافي، أن أزمة السكن في مدينة سبها لم تعد مجرد إشكال عقاري مؤقت، بل تحولت إلى أزمة هيكلية مركّبة، نتجت عن تداخل عوامل اقتصادية ومؤسسية وديموغرافية، تفاقمت بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة.

وأوضح اللافي أن المدينة، على غرار باقي المدن الليبية، شهدت ارتفاعًا عاما في المستوى العام للأسعار، شمل مواد البناء، والأيدي العاملة، والخدمات المرتبطة بالسكن، نتيجة تراجع قيمة الدينار وارتفاع تكاليف الاستيراد، وهو ما انعكس مباشرة على تكلفة إنشاء الوحدات السكنية الجديدة.

وأضاف أن هذا الواقع أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في الإيجارات، دون أن يقابله أي تحسّن في القدرة الشرائية للمواطن، الذي بات يعاني، إلى جانب ذلك، من نقص حاد في السيولة النقدية.

وأكد أن هذه المفارقة، المتمثلة في ارتفاع الإيجارات مقابل تراجع الدخل الحقيقي، جعلت السكن عبئا ثقيلا على الأسر والشباب، حيث أصبح يستنزف نسبة كبيرة من الدخل الشهري، الأمر الذي أخلّ بالتوازن المعيشي، وأر سلبا على الإنفاق على التعليم والصحة والغذاء، مهددا بذلك الاستقرار الاجتماعي.

وفي السياق ذاته، شدد اللافي على أن العامل المؤسسي يُعد أحد أبرز أسباب تفاقم الأزمة، مشيرًا إلى الغياب شبه الكامل للدور التنظيمي للدولة في قطاع الإسكان، سواء من حيث عدم وجود سياسات وطنية واضحة للإسكان، أو غياب آليات ضبط وتنظيم سوق الإيجارات، فضلا عن توقف المصارف عن أداء دورها في التمويل السكني، وهو ما حدّ بشكل كبير من قدرة الشباب على التملك.

وبين أن هذا الفراغ المؤسسي ترك السوق لآليات عرض وطلب غير متوازنة، حيث يتزايد الطلب بفعل النمو السكاني، وارتفاع أعداد الأسر النازحة، والتوسع العمراني غير المخطط، في مقابل عرض محدود جدا، نتيجة توقف مشاريع الإسكان العام وغياب التمويل المصرفي.

وأضاف أن النشاط العقاري القائم يقتصر في الغالب على أصحاب رؤوس الأموال، الذين يتجهون إلى العقار باعتباره ملاذًا آمنًا لحفظ القيمة أو وسيلة لتبييض الأموال، مع توجيه هذه الاستثمارات أساسا للفئات القادرة على الدفع، وليس لتلبية الاحتياجات الحقيقية لغالبية السكان.

وأشار إلى أن هذا الوضع فتح المجال أمام ارتفاعات غير مبررة في الإيجارات، وأحيانًا ممارسات احتكارية، في ظل غياب أي حماية حقيقية للمستأجر، لا سيما فئة الشباب حديثي الزواج وذوي الدخل المحدود.

وختم اللافي مداخلته بالتأكيد على أن استمرار أزمة السكن في سبها يحمل انعكاسات خطيرة اجتماعيا وتنمويا، إذ يضعف الاستقرار الأسري، ويؤخر تكوين الأسر الجديدة، ويعيق التنمية العمرانية بالمدينة.

ودعا إلى تدخل حكومي عاجل ومتكامل، يبدأ بإعادة تفعيل مشاريع الإسكان المتوقفة عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص، وتفعيل دور المصارف في توفير التمويل العقاري الميسر، وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في قطاع الإسكان بضمانات حكومية، إلى جانب تنظيم سوق الإيجارات عبر آليات رقابية تحد من المضاربات، وتنشيط دور البلديات في التخطيط العمراني وتوفير أراضٍ صالحة للبناء بأسعار مناسبة، مؤكدا أن غياب هذه الحلول سيبقي الأزمة مرشحة لمزيد من التصاعد، بكلفة اجتماعية واقتصادية باهظة.

-حق السكن بين النصوص الدستورية والواقع

قال المستشار القانوني عقيلة محجوب: إن التشريعات الليبية تلتزم بما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشأن حق الإنسان في السكن، مشيرا إلى أن الحق في مأوى يقي من الحر والبرد ليس رفاهية، بل جزء من الكرامة الإنسانية. وأضاف أن الدساتير الليبية منذ دستور 1951، مرورا بالإعلان الدستوري الجمهوري، ووثائق دستورية لاحقة، وصولًا إلى الإعلان الدستوري المؤقت 2011، ومشروع دستور 2017، جميعها أكدت على حق المواطنين في مسكن لائق، كما أكدت القوانين العقارية الليبية على وجوب عمل الدولة لضمان هذا الحق.

وأوضح المستشار عقيلة محجوب أنه: أولا الدستور الليبي (2011/2016): ينص على التزام الدولة بوضع سياسات وخطط وطنية توفر السكن الملائم، مع مراعاة خصوصية المجتمع الليبي واحتياجات الأسر ذات الدخل المحدود. كما يشير إلى أن المساكن لا يجوز المساس بها إلا وفق القانون، ما يكفل حماية المنزل وحقوق ساكنيه.

ثانيًا تشريعات عقارية قديمة: في القوانين العقارية الليبية السابقة منذ الستينيات والسبعينيات، وُجدت نصوص صريحة تعتبر الحق في السكن حاجة ضرورية للفرد والأسرة، وتضمن ملكية المسكن، مع إمكانية تملك قطعة أرض لبناء مسكن ضمن المخطط العمراني.

ثالثًا نصوص ذات صلة بالسياسات السكنية: تقارير دولية سابقة أظهرت أن القانون الليبي اعترف بحق المواطن في وحدة سكنية مناسبة أو قطعة أرض لبنائها، ما يعكس إرادة تشريعية لضمان هذا الحق.

وأشار المستشار عقيلة محجوب إلى أن الدستور الحالي يلتزم صراحةً بتوفير سياسات إسكان ملائمة، مع دعم الفئات محدودة الدخل، وحماية حرمة المسكن كجزء من الملكية الخاصة، التي لا يجوز التعدي عليها أو مصادرتها إلا وفق القانون وللمنفعة العامة.

ورغم هذا الإطار القانوني، يرى المستشار عقيلة محجوب أن مدينة سبها تواجه فجوة كبيرة بين ما يكفله القانون وما يعيشه المواطن فعليًا، نتيجة غياب مشاريع الإسكان، توقف قروض مصرف الادخار، نقص الرقابة على الإيجارات، وتمدد العشوائيات، ما يجعل الأزمة الحالية تفاقمًا كبيرا. وأضاف أن السؤال الأهم الآن: هل ما يجري هو تقصير إداري واقتصادي، أم إخلال حقيقي بحق دستوري يتيح للمواطن المطالبة والمساءلة؟

-معوقات تعرقل استكمال المساكن

قال مدير مصرف الادخار فرع سبها أبو بكر المختار: إن مصرف الادخار يُعدّ من المصارف المتخصصة في توفير السكن للمواطنين، من خلال منح القروض التي تهدف إلى تسهيل عملية البناء والمساهمة في توفير مسكن لائق للأسرة الليبية، منذ تأسيس المصرف.

وأوضح المختار أن المصرف يعمل، في إطار اختصاصه، على دعم المواطنين الراغبين في البناء أو استكمال مساكنهم، مشيرا إلى أن هذه الجهود تأتي في سياق الدور الاجتماعي للمصرف، الهادف إلى تعزيز الاستقرار الأسري وتحسين الظروف المعيشية.

وأضاف أن عام 2022 شهد صدور قرار رقم (926)، يقضي بالمساهمة في حل بعض الإشكالات التي تواجه الأسر المحتاجة، بما في ذلك دعم استكمال المساكن غير المكتملة، وإمكانية تمويل أجزاء من المسكن، مؤكدًا أن المصرف يمنح هذه القروض دون فرض أي فوائد أو عمولات.

وأشار مدير مصرف الادخار إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد، وفق الاستراتيجيات المستقبلية، خططًا تهدف إلى مواكبة التوسع العمراني والنمو السكاني، بما يسهم في تلبية الاحتياجات السكنية المتزايدة.

وفي السياق ذاته، بيّن المختار أن هناك عددًا من المواقع السكنية التي لم يتم استكمالها، مرجعًا ذلك إلى عدم توفر شهادات عقارية منذ عام 2011، بسبب إيقاف إصدارها، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على المال العام وحماية حقوق المواطنين من العبث أو التلاعب.

وأكد أن غياب المخططات العمرانية الحديثة يُعد من أبرز الأسباب التي تعيق تنفيذ مشاريع الإسكان واستكمال الوحدات السكنية، مشددًا على أن معالجة أزمة السكن تتطلب تكامل الأدوار بين الجهات المعنية، وتوفير بيئة قانونية وتنظيمية واضحة تُمكّن المصارف من أداء دورها بشكل فعّال.(الأنباء الليبية) س خ.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR

إعداد: عزيزة محمد


هذا المحتوى مقدم من صحيفة الأنباء الليبية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من صحيفة الأنباء الليبية

منذ 14 دقيقة
منذ 3 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 4 ساعات
الساعة 24 - ليبيا منذ 6 ساعات
وكالة الأنباء الليبية منذ ساعتين
تلفزيون المسار منذ 19 ساعة
الساعة 24 - ليبيا منذ 10 ساعات
عين ليبيا منذ 10 ساعات
صحيفة الأنباء الليبية منذ 5 ساعات
تلفزيون المسار منذ 3 ساعات
الساعة 24 - ليبيا منذ 8 ساعات