الجنوب ليس معادلة جغرافية بل إرادة شعب رداً على مقال الكاتب عبدالرحمن الراشد

اعترف أنني من أكثر المتابعين إعجابًا بكتابات الأستاذ عبدالرحمن الراشد. منذ سنوات وأنا أقرأ مقالاته بانتظام، وأنتظرها لما فيها من تحليل عميق وتنوير مهم تجاه ما يعصف بالمنطقة وإيمانًا بقيمتها المهنية وقدرتها على تبسيط التعقيدات للقارئ العربي.

لكنني فوجئت بمقاله الأخير عن الجنوب والمجلس الانتقالي. لم تكن المفاجأة في اختلاف الرأي فحسب؛ فالاختلاف طبيعي، بل ضروري. المفاجأة أن المقال بدا خارج هوية الراشد التي عرفناها : أقل تماسًا مع حقائق الميدان، وأكثر اقترابًا من سرديات جاهزة تُصاغ هذه الأيام ضمن موجة ضغط إعلامي وسياسي تستهدف المجلس الانتقالي وتقدّم الجنوب بوصفه مشكلة لا بوصفه حلًا . لذلك شعرت أن المقال لم يُكتب من قناعة تحليلية كاملة بقدر ما جاء كاستجابة لبيئة ضغط، وكأن الفكرة قُدّمت مسبقًا ثم طُلب إخراجها بأسلوب الكاتب.

ومن هنا، يصبح من حقنا ومن واجبنا أيضًا أن نردّ بهدوء سياسي، لأن جوهر المسألة ليس مقالًا عابرًا، بل محاولة إعادة تعريف قضية شعب، وتقديمها كأنها رهينة حتمية الجغرافيا لا كحق سياسي تقرره الإرادة الشعبية.

إرادة الجنوب تصنع السياسة لا حتمية الجغرافيا

في كل مرة يُراد لليمن أن يُقرأ من نافذة واحدة، تظهر مقولة الحتمية الجغرافية كأنها القانون الأعلى الذي يلغي إرادة الشعوب ويختزل مستقبلها في خطوط الحدود وتأثيرات الجوار . والحقيقة أن الجغرافيا تضع الإطار، لكنها لا تكتب المصير. الذي يكتب المصير هو الإنسان حين يقرر، والإرادة الشعبية حين تتحول إلى مشروع سياسي قابل للحياة.

الجنوب لم يمضِ ثلاثين عامًا يدافع عن وحدة بل قاوم كلفة مشروع فاشل، لم يمضِ شعب الجنوب ثلاثين عامًا وهو يحرس مشروع الوحدة ، بل عاش ثلاثين عامًا وهو يدفع ثمن مشروع سياسي فشل مبكرًا وتحول من شراكة بين دولتين إلى منظومة هيمنة وإقصاء.

فبعد حرب 1994 لم تعد الوحدة إطارًا توافقيًا، بل صارت واقعًا مفروضًا بقوة السلاح، أُعيدت فيه صياغة قواعد الحكم بعقلية المنتصر، وتراجعت فيه الشراكة إلى حدها الأدنى، وتحوّل الجنوب إلى ساحة تهميش سياسي واستنزاف اقتصادي وتجريف للهوية والمؤسسات.

ومن هنا، فإن نضال الجنوبيين لم يكن تمردًا على دولة مستقرة ، بل كان مقاومة لمسار فشلٍ مزمن ومحاولة لاستعادة حق سياسي طبيعي: أن تكون لهم دولة عادلة تمثلهم وتحمي مصالحهم وتصون قرارهم.

الإرادة أهم من الجغرافيا لأنها تصنع السلام الداخلي

الجغرافيا وحدها لا تمنح دولة شرعية ولا تضمن الاستقرار. الاستقرار تصنعه الشرعية الداخلية: قبول الناس، عقد اجتماعي عادل، ومؤسسات أمنية تُدار لصالح المجتمع لا لصالح شبكات النفوذ. لذلك فإن إرادة الشعوب أهم من الجغرافيا، لأنها هي التي تصوغ السلام الداخلي، وتمنح الدولة القدرة على بناء علاقات متوازنة مع الجوار، بعيدًا عن منطق التوتر والارتهان.

ومن زاوية سياسية أدق: الدول لا تُقاس فقط بمن يؤثر فيها، بل بكيف تدير نفسها. والجنوب اليوم يطرح سؤال إدارة الدولة قبل سؤال شكلها: دولة قادرة على ضبط الأمن، حماية المدنيين، وقطع الطريق أمام التطرف.

السعودية شقيقة كبرى لكن لا تُختزل السياسة في الوصاية

السعودية دولة محورية في الإقليم، وتأثيرها بحكم الجوار والمصالح أمر طبيعي. لكن تحويل هذا التأثير إلى قاعدة تقول إن لا مشروع ينجح دون رضاها هو اختزال مخل. العلاقات بين الدول تُبنى على المصالح المتبادلة، لا على نفي إرادة الشعوب. والأهم: أن المشروع الأقرب للسعودية ليس الأكثر صراخًا باسمها، بل الأكثر صدقًا في حماية أمنها.

وهنا يبرز واقع لا يمكن القفز عليه: الجنوب كان، ميدانيًا وسياسيًا، الشريك الأكثر التصاقًا بمواجهة الأخطار التي تهدد المنطقة، وفي مقدمتها الحوثي والإرهاب. لم يكن الجنوب مجرد خطاب سياسي، بل قوة على الأرض؛ نجح في تثبيت الأمن في مساحات واسعة، وخاض معركة قاسية ضد تنظيم القاعدة، وأغلق منافذ كانت تتحول إلى ممرات خطر على الإقليم والملاحة الدولية.

طوال عقود، تلقت قوى يمنية كثيرة دعمًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا، لكنها لم تنتج دولة، ولا انتصارًا، ولا مؤسسات. بل تحولت بعض هذه القوى إلى مراكز تعطيل : تعيش على الأزمة وتستثمر في استمرارها. لذلك فإن النقاش الحقيقي ليس: من يملك الاعتراف؟ بل: من يملك القدرة؟

الجنوب قدّم نموذج الشرعية الميدانية : أمن يُدار، مدن تُحمى، وخلايا إرهابية تُلاحق. بينما استمرّت الشرعية الكلامية في الدوران داخل خطاب سياسي لا ينتج غير الفشل وتراكم الأزمات وتدويرها.

الحوثي: خطر إقليمي والجنوب كان خط الاشتباك الأول

الحديث عن الحوثي كوكيل لإيران صحيح من حيث الطبيعة الأيديولوجية والارتباط الخارجي، لكن الاستنتاج السياسي الأهم هو التالي: من واجه هذا المشروع في لحظاته الأكثر تمددًا كان.....

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه


هذا المحتوى مقدم من عدن تايم

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من عدن تايم

منذ 9 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 51 دقيقة
حضرموت 21 منذ 5 ساعات
مأرب برس منذ 4 ساعات
مأرب برس منذ 3 ساعات
مأرب برس منذ 4 ساعات
صحيفة عدن الغد منذ 5 ساعات
صحيفة عدن الغد منذ 7 ساعات
مأرب برس منذ 14 ساعة
حضرموت 21 منذ 7 ساعات