طرابلس 23 ديسمبر 2025 (الأنباء الليبية) يحيي الشعب الليبي غدًا الأربعاء، 24 ديسمبر، الذكرى السنوية الرابعة والسبعين لاستقلال البلاد، وهو اليوم الذي أعلن فيه قيام الدولة الليبية عام 1951، بعد عقود من الاحتلال الإيطالي الفاشي والصراعات، وهي مناسبة تمثل محطة وطنية جامعة تستحضر نضال الآباء المؤسسين وحلم بناء دولة مستقلة ذات سيادة.
واقع سياسي معقد
غير أن هذه الذكرى تحل هذا العام مجددًا في ظل واقع سياسي معقد، حيث لا يزال الانقسام السياسي والمؤسسي يلقي بظلاله على المشهد العام، ويحدّ من قدرة الدولة على تحقيق الاستقرار والتنمية. فمنذ سنوات، تعيش بلادنا حالة من الانقسام بين حكومات ومؤسسات متنافسة، ما أدى إلى تعثر المسار الانتخابي، وتراجع الثقة بين الفرقاء السياسيين، وانعكاس ذلك سلبًا على الأوضاع الاقتصادية والخدمية.
وقال محرر الشؤون المحلية بوكالة الأنباء الليبية (وال) إن استمرار هذا الانقسام لا يؤثر فقط على الاستقرار الأمني، بل يعرقل أيضًا جهود إعادة الإعمار وتحسين مستوى المعيشة ووضع حد لمعاناة الليبيات والليبيين التي طال أمدها، رغم ما تزخر به بلادنا من موارد طبيعية وإمكانات بشرية. كما أدى غياب سلطة موحدة إلى ضعف التخطيط طويل المدى وتباطؤ مشاريع التنمية، ما زاد من معاناة المواطنين اليومية.
ودعا المحرر الفرقاء أن يتوقفوا عند ذكرى الاستقلال التي يمكن أن تشكل فرصة لإعادة التذكير بالقواسم الوطنية المشتركة، والدفع نحو حوار سياسي ليبي جاد يفضي إلى توحيد المؤسسات، وإنهاء المراحل الانتقالية المتكررة، والاحتكام إلى إرادة الشعب عبر انتخابات شاملة.
ورأى أنه بين رمزية الماضي وتحديات الحاضر، تبقى ذكرى استقلال ليبيا مناسبة للتأمل في المسار الوطني، واستحضار السؤال الأبرز: كيف يمكن تحويل هذا الإرث التاريخي إلى دافع حقيقي لبناء دولة مستقرة، قادرة على تحقيق تطلعات شعبها في الأمن والتنمية والوحدة؟
واستطرد في سياق متصل أن الذكرى السنوية للاستقلال تحل هذا العام في حين لا تزال بلادنا تعيش واحدة من أكثر مراحلها تعقيدًا منذ إعلان الدولة عام 1951.
ففي الوقت الذي يستحضر فيه الليبيون رمزية الاستقلال والسيادة الوطنية، يفرض الواقع السياسي الراهن تساؤلات جوهرية حول مدى تحقق هذه السيادة في ظل الانقسام الداخلي والتدخلات الخارجية المتزايدة. فمنذ انتفاضة 2011، تحولت ليبيا إلى ساحة صراع مفتوح لتنافس إقليمي ودولي، حيث تعددت أشكال التدخل الأجنبي، سواء عبر الدعم السياسي أو العسكري أو الاقتصادي للأطراف المتنازعة. وقد ساهم هذا التدخل في تعميق الانقسام، وإطالة أمد الأزمة، وإضعاف فرص التوصل إلى تسوية وطنية خالصة تنطلق من إرادة الليبيين أنفسهم.
التدخلات الخارجية
وأكد أن جزءًا كبيرًا من تعثر المسار السياسي يعود إلى التدخل الخارجي في الشأن الليبي وارتهان القرار الليبي لدى عواصم إقليمية ودولية، مشيرًا إلى أن هذا الواقع أفرز حالة من فقدان الثقة بين الأطراف، وأفشل العديد من المبادرات السياسية.
وانعكس هذا التشابك بين الداخل والخارج، يضيف المحرر، سلبًا على مؤسسات الدولة، التي أصبحت في كثير من الأحيان أدوات صراع بدلًا من أن تكون أطرًا جامعة، وأدى غياب القرار الوطني المستقل إلى تعطيل الانتخابات، وتأجيل مشاريع التنمية، واستمرار الأزمات الاقتصادية والخدمية، رغم توفر الموارد اللازمة للنهوض بالبلاد.
وفي هذا السياق، تكتسب ذكرى الاستقلال، برأي المحرر، بعدًا نقديًا يتجاوز الاحتفال الرمزي والخطابات والمزايدات، لتصبح مناسبة لمراجعة المسار السياسي برمته، وطرح سؤال السيادة بجدية: هل يمكن لليبيا أن تستعيد قرارها الوطني في ظل هذا الحجم من التدخل الخارجي والانقسام الداخلي؟
وشدد في هذا الصدد على أن تجاوز هذه المرحلة يتطلب إرادة سياسية وطنية حقيقية، تقوم على تحييد التدخلات الأجنبية، وتوحيد المؤسسات، وقطع الارتباط بالأجندات الخارجية، تمهيدًا لبناء دولة مستقلة فعليًا، لا تكتفي باستحضار ذكرى الاستقلال، بل تجسد معانيه على أرض الواقع.
ولاحظ محرر الشؤون المحلية أنه إلى جانب الانقسام السياسي والتدخلات الأجنبية، تواجه ليبيا أزمة مالية خانقة انعكست بشكل مباشر على حياة المواطنين. فعلى الرغم من امتلاك البلاد لاحتياطات ضخمة من النفط والغاز، لا يزال الاقتصاد يعاني من اختلالات عميقة، أبرزها ضعف الإدارة المالية، وتعدد مراكز القرار، وغياب سياسات اقتصادية موحدة.
تفشي السوق السوداء
وأشار إلى أن الانقسام المؤسسي ساهم في تفشي السوق السوداء، لا سيما في مجالات النقد الأجنبي والوقود والسلع الأساسية، ما أدى إلى تآكل قيمة الدينار وارتفاع معدلات التضخم، وأصبحت الأسعار في ارتفاع مستمر، يفوق قدرة شريحة واسعة من المواطنين على التحمل، وسط تآكل مدخرات المواطنين وتراجع الخدمات الأساسية.
وشدد المحرر على أن تغوّل السوق السوداء لم يكن نتيجة عوامل اقتصادية بحتة، بل هو نتاج مباشر لحالة الفوضى السياسية وغياب الرقابة، إضافة إلى استغلال بعض الأطراف النافذة للأزمة لتحقيق مكاسب مالية، غالبًا في ظل حماية سياسية أو عسكرية، ما أدى إلى تعميق الفجوة الاجتماعية، وزيادة معدلات الفقر، رغم تدفق الإيرادات النفطية.
الفشل الأممي
وتابع المحرر أنه في موازاة الانقسام الداخلي والتدخلات الأجنبية، يبرز فشل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في التوصل إلى خارطة طريق واضحة وقابلة للتنفيذ كأحد العوامل التي ساهمت في إطالة أمد الأزمة، مبينًا أنه بالرغم من تعدد المبادرات والحوارات التي رعتها البعثة على مدى السنوات الماضية، لم تنجح هذه الجهود في كسر حالة الجمود السياسي أو تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة.
وقال إن المسار الأممي اصطدم بتعقيدات المشهد الليبي وتشابك المصالح الإقليمية والدولية، إضافة إلى غياب أدوات ضغط حقيقية تضمن التزام الأطراف بتعهداتها، ناهيك عن التغير المستمر للمبعوثين الأمميين وتبدل أولويات المجتمع الدولي، ما أسهم في فقدان الاستمرارية والزخم، وجعل المبادرات الأممية أقرب إلى إدارة الأزمة بدل حلّها جذريًا.
وانتقد محرر الشؤون المحلية اعتماد البعثة، في بعض المراحل، على توافقات هشة مع نخبة سياسية محدودة، أسهم في إعادة إنتاج الأجسام نفسها، بدل الدفع نحو مسار شامل يستند إلى إرادة شعبية واسعة، وهو ما انعكس في تأجيل الاستحقاقات الانتخابية، واستمرار المرحلة الانتقالية دون أفق زمني واضح.
ودعا في هذا الصدد إلى مراجعة دور البعثة الأممية وآليات عملها، بما يضمن دعم حل ليبي ليبي حقيقي، يعيد الاعتبار للسيادة الوطنية، ويضع حدًا لحالة الانسداد السياسي التي باتت تهدد حاضر الدولة ومستقبلها واحتمال تقسيمها.
انتشار السلاح وتعثر الانتخابات
وتابع أن الانتشار الواسع للسلاح خارج إطار الدولة شكل أحد أخطر التحديات التي تواجه ليبيا اليوم، وهي سابقة منذ الاستقلال، حيث أدى انهيار المنظومة الأمنية وتعدد مراكز القوة إلى بروز جماعات مسلحة باتت تفرض نفوذها في عدد من المدن والقرى وحتى الأحياء السكنية، متجاوزة سلطة المؤسسات الرسمية، ومقوضة أسس الدولة الحديثة.
ورأى أن تغوّل بعض الجماعات المسلحة لم يقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل امتد إلى التأثير في القرار السياسي والاقتصادي، حيث أصبحت بعض هذه التشكيلات طرفًا مباشرًا في الصراع على السلطة والموارد، ما ساهم في تعطيل مسارات التوحيد وبناء جيش وأجهزة أمنية وطنية موحدة. مبينا أن هذا الواقع وفر بيئة خصبة للتدخلات الخارجية، التي وجدت في هذه الجماعات أدوات لتنفيذ أجنداتها داخل البلاد.
وقال إن استمرار الفوضى الأمنية أثر سلبًا على حياة المواطنين، وعلى مناخ الاستثمار وإعادة الإعمار، فضلًا عن إضعاف ثقة الشارع في قدرة الدولة على فرض القانون وحماية السيادة. وفي ظل غياب مشروع وطني جامع لنزع السلاح وإعادة دمج المسلحين ضمن مؤسسات شرعية، يبقى بناء الدولة رهينًا لتوازنات القوة، لا لسلطة القانون.
وشدد محرر الشؤون المحلية على أن تعثر تنظيم الانتخابات يُعد أحد أبرز مظاهر الأزمة السياسية في ليبيا، حيث فشلت البلاد حتى الآن في إنجاز استحقاق انتخابي ينهي المراحل الانتقالية المتعاقبة ويؤسس لشرعية موحدة. فعلى الرغم من الاتفاق المبدئي على أهمية الانتخابات كمدخل لبناء الدولة، اصطدمت العملية الانتخابية بخلافات قانونية ودستورية عميقة، استُخدمت في كثير من الأحيان كأدوات لتعطيل المسار بدل معالجته.
ورأى أن هذا التعثر لا ينفصل عن تأثير الدول المتدخلة في الشأن الليبي، التي سعت، بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى حماية مصالحها عبر دعم أطراف محلية بعينها، أو الدفع نحو مسارات سياسية تخدم توازناتها الإقليمية والدولية. وقد أسهم هذا التدخل في إضعاف فرص التوافق الوطني، وإبقاء حالة الانقسام قائمة، خشية أن تفرز الانتخابات سلطة مستقلة القرار لا تنسجم مع تلك المصالح.
وقدّر محرر الشؤون المحلية أنه في ظل هذا المشهد، لا يبدو تعثر الانتخابات مجرد إخفاق إجرائي، بل أزمة سياسية وسيادية تعكس حجم التداخل بين الداخل الليبي وحسابات الخارج، وتُثبت أن قيام الدولة الليبية يظل مرهونًا بقدرتها على انتزاع قرارها الوطني، وإنهاء الارتهان للتدخلات الأجنبية.
وأكد في الختام، أنه رغم تعقيدات المشهد، يظل الليبيات والليبيون، طال الزمن أو قصر، قادرين، بإرادتهم الوطنية ووحدتهم، على انتزاع قرارهم السيادي ومنع أي تدخلات أجنبية تمس مستقبل دولتهم. (الأنباء الليبية ـ طرابلس) ع د
هذا المحتوى مقدم من صحيفة الأنباء الليبية
