الإمارات ولبنان.. قراءة اقتصادية في أسباب النمو والتعثّر

أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، فوز البروفيسور اللبناني بادي هاني بجائزة «نوابغ العرب 2025» عن فئة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماته في علم الاقتصاد القياسي، ولا سيما في تطوير أدوات تحليل بيانات السلاسل اللوحية، التي تُعد اليوم من أهم مناهج تقييم السياسات الاقتصادية الحديثة. وفي مقابلة مع CNN الاقتصادية، قدّم هاني قراءة تفسيرية للفارق بين الاقتصادات العربية التي نجحت في بناء نموذج مزدهر وتلك التي تعثّرت في تحويل مواردها إلى نمو مستدام، واضعاً الإمارات ولبنان كنموذجين متقابلين.

يرى هاني أن ازدهار الاقتصاد الإماراتي لا يرتبط بعامل ظرفي أو بارتفاع أسعار السلع، بل بمنظومة متكاملة من السياسات والمؤسسات. فالتزام الدولة المبكر بالتنويع الاقتصادي، واستمراره عبر دورات الازدهار والتباطؤ، خلق بيئة استثمارية مستقرة وقابلة للتنبؤ. ويشير إلى أن الأنشطة غير النفطية شكّلت نحو 75.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، نتيجة استثمارات طويلة الأمد في البنية التحتية والتكنولوجيا، وإطار تنظيمي خفّض مستوى عدم اليقين أمام القطاع الخاص. هذا المسار، بحسبه، حوّل التنويع من شعار إلى قاعدة إنتاجية قادرة على توليد نمو فعلي وامتصاص الصدمات الخارجية.

في المقابل، يوضح هاني أن تعثّر لبنان لا يعود إلى نقص في الموارد، بل إلى خلل مؤسسي عميق. فالبلاد تمتلك رأسمالاً بشرياً واسعاً وشتاتاً متعلماً، إضافة إلى تحويلات مغتربين بلغت نحو 6.7 مليار دولار، أي ما يعادل 31% من الناتج المحلي في عام 2023، إلا أن هذه الموارد لم تُترجم إلى استثمار منتج بسبب الشلل السياسي وضعف الحوكمة، ويؤكد أن غياب القدرة على اتخاذ القرار وفرض القواعد أضعف ثقة المستثمرين ومنع تحويل المبادرات الخاصة إلى نمو اقتصادي مستدام.

من مقارنة حالتين إلى قاعدة عامة للإصلاح الاقتصادي بعد المقارنة بين الإمارات ولبنان، يوسّع البروفيسور بادي هاني إطار تحليله ليؤكد أن هاتين التجربتين تعكسان نمطاً متكرراً في الاقتصادات العربية، فالتباين في النتائج لا يعود إلى اختلاف جوهري في الأدوات أو النظريات الاقتصادية. إذ إن معظم الدول تمتلك حلولاً تقنية متشابهة، بل إلى قدرة الدولة على تحويل هذه الحلول إلى سياسات قابلة للتنفيذ والاستمرار.

من هنا، تصبح المقارنة بين بلدين مختلفين في المسار والنتائج مدخلاً لفهم أعمق لطبيعة الإصلاح الاقتصادي في المنطقة ككل.

المؤسسات تحسم مسار الإصلاح قبل السياسات ينطلق هاني من هذه المقارنة ليؤكد أن الإصلاح الاقتصادي ينجح عندما يستند إلى مؤسسات قوية قادرة على التنفيذ والمتابعة والمساءلة؛ فوجود أهداف واضحة لا يكفي ما لم تقترن بإرادة سياسية تحافظ على مسار الإصلاح عبر الزمن، وتمنع التراجع عند أول اختبار. في المقابل، حين تضعف الحوكمة أو تتعطل آليات اتخاذ القرار، تفقد السياسات مصداقيتها تدريجياً، حتى وإن بدت متماسكة على الورق.

بهذا المعنى، لا تفشل الإصلاحات بسبب سوء التصميم بقدر ما تفشل بسبب عجز المؤسسات عن حماية استمراريتها.

دور البيانات.. من قراءة المؤشرات إلى فهم البنية الاقتصادية وفي امتداد مباشر لهذا المنطق المؤسسي، ينتقل هاني إلى مسألة استخدام البيانات الاقتصادية، باعتبارها أداة مركزية في صنع القرار. ويشير إلى أن التركيز المفرط على مؤشرات قصيرة الأجل، مثل معدلات النمو، قد يعطي انطباعاً مضللاً عن الأداء الاقتصادي إذا لم يُرافق بقراءة أعمق لمؤشرات الإنتاجية وسوق العمل وجودة رأس المال البشري، كما أن الاعتماد على بيانات متأخرة أو غير مكتملة يُضعف قدرة الحكومات على تشخيص المشكلات بدقة، ويقود إلى سياسات قائمة على تقديرات غير واقعية. ويضيف أن المشكلة لا تكمن في نقص البيانات بحد ذاته، بل في طريقة توظيفها، فعندما تُستخدم الأرقام لتبرير قرارات مُتخذة سلفاً، بدل أن تكون أداة لاختبار السياسات وتقييم نتائجها وتعديل مسارها عند الحاجة، تفقد البيانات دورها التحليلي، وتتآكل الثقة العامة في كل من الإحصاءات وصنع القرار. من التحليل الاقتصادي إلى الأثر الملموس على حياة الناس ويربط هاني بين جودة التحليل الاقتصادي وقدرته على إحداث أثر مباشر في حياة المواطنين، فحين تكون السياسات مبنية على بيانات دقيقة وتحليل معمّق، تصبح أكثر قدرة على استهداف الاحتياجات الفعلية، سواء في سوق العمل أو في توجيه الإنفاق الاجتماعي. ويعود هنا إلى تجربة الإمارات، حيث سمحت القراءة القطاعية الدقيقة بدعم قطاعات قادرة على توليد قيمة مضافة حقيقية، مثل قطاع النقل والتخزين، الذي قاد نمو الأنشطة غير النفطية في عام 2024.

هذا النوع من التحليل -بحسبه- هو ما يحوّل النمو من رقم مجرّد إلى فرص عمل وتحسّن في النشاط الاقتصادي اليومي.


هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من منصة CNN الاقتصادية

منذ 3 ساعات
منذ ساعتين
منذ 3 ساعات
منذ 3 دقائق
منذ ساعتين
منذ 27 دقيقة
قناة CNBC عربية منذ 8 ساعات
قناة CNBC عربية منذ 8 ساعات
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 17 ساعة
قناة CNBC عربية منذ 6 ساعات
قناة العربية - الأسواق منذ ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 4 ساعات
صحيفة الاقتصادية منذ 21 ساعة
اقتصاد الشرق مع Bloomberg منذ 4 ساعات