ينعكس الالتزام بالاستدامة إيجابيا على صورة البحرين كوجهة استثمارية خاصة في ظل الدعم الحكومي لبرامج التحول الاقتصادي الأخضر
الشركات البحرينية التي تتبنى سياسات استدامة متقدمة أكثر قدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية
القطاع المصرفي في صدارة التوافق مع معايير ESG وSDGs
الاستدامة البيئية مدخل استراتيجي يعزز جودة التطوير العمراني ويرفع القيمة السوقية للمشاريع
في ظل التحولات العالمية المتسارعة نحو تبنّي مبادئ الاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية، تبرز مملكة البحرين كنموذج إقليمي يسعى إلى دمج هذه المفاهيم ضمن مساره التنموي والاقتصادي. وفي هذا الإطار، حول هذ الأمر أجرت البلاد حوارًا مع الأكاديمي والباحث في مجال التنمية المستدامة الدكتور حمد فوزي بهزاد، للوقوف على مستوى نضج مفهوم الاستدامة داخل الشركات البحرينية، ومدى انتقاله من مبادرات بيئية محدودة إلى نهج مؤسسي متكامل يشمل الحوكمة والأثر الاجتماعي، إضافة إلى استعراض التحديات والفرص المرتبطة بتحويل الاستدامة إلى ميزة تنافسية حقيقية تدعم جذب الاستثمار وتعزز النمو الاقتصادي المستدام، إلى نص الحوار
كيف تقيّم مستوى نضج مفهوم الاستدامة داخل الشركات البحرينية حاليًّا؟ وهل ما مازال محصورًا في المبادرات البيئية أم بدأ يشمل الحوكمة والأثر الاجتماعي بشكل متكامل؟
شهد مفهوم الاستدامة داخل الشركات البحرينية تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، إذ انتقل من مبادرات بيئية محددة إلى نهج مؤسسي أكثر شمولية يربط بين البيئة والحوكمة والمسؤولية الاجتماعية. ويمكن القول إن الشركات البحرينية وصلت اليوم إلى مرحلة النضج المتسارع حيث بدأت مبادئ الاستدامة تُدمج في السياسات التشغيلية وفي طريقة اتخاذ القرار وليس فقط ضمن حملات تطوعية.
ويظهر ذلك في عدة تطبيقات عملية داخل مملكة البحرين فالبنوك الكبرى بدأت بإصدار تقارير استدامة متوافقة مع معايير ESG وشركات الاتصالات طبّقت مبادرات لخفض الانبعاثات وتحسين كفاءة الطاقة بينما تبنّى القطاع الصناعي برامج لإدارة النفايات والتحول للطاقة النظيفة إلى جانب مبادرات تمكين المرأة التي حققت حضورًا متناميًا في مواقع قيادية. كما أن الدعم الحكومي قوي وواضح نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) من خلال سياسات وطنية وأطر تنظيمية تشجّع الشركات على تبني هذه الأهداف كمحرك للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
ومن العوامل التي ساهمت في توسّع الامتثال، دخول شركات دولية إلى السوق البحرينية والتي تحرص بطبيعتها على الحفاظ على سمعتها العالمية وضمان توافق عملياتها مع المعايير الدولية خصوصًا في القطاعات الحساسة مثل التصنيع والخدمات المالية. كذلك أثّرت التوجيهات التنظيمية من مصرف البحرين المركزي التي تشدّد على مراعاة تمثيل المرأة عند تشكيل مجالس إدارة الشركات المدرجة والإفصاح عن ذلك ضمن تقارير الحوكمة للشركات، مما يعزز مبدأ التنوع والاندماج المؤسسي في القطاع الخاص البحريني.
كما شهدت المؤسسات تأثيرًا متزايدًا من الخريجين الجدد الذين يمتلكون وعيًا حديثًا بمفاهيم الاستدامة وبدأوا يساهمون في تطوير السياسات المؤسسية والتأثير على صُنّاع القرار داخل شركاتهم. ورغم أن بعض الشركات لا تزال في بدايات رحلتها إلا أن هذا يُعد فرصة للتطوير وليس تحدياً خاصة مع الدعم الوطني من رؤية البحرين الاقتصادية 2030. ومن المتوقع أن يواصل مستوى النضج تحسنه خلال السنوات المقبلة لتصبح الاستدامة جزءًا أصيلًا من التميز التنافسي للشركات البحرينية.
ما هي الخطوات العملية للانتقال من الامتثال إلى الاستدامة كميزة تنافسية حقيقية؟
أؤمن أن الشركات البحرينية قد وصلت اليوم إلى مستوى متقدم من الفهم والنضج يجعلها قادرة على مواصلة تعزيز التزامها بأهداف التنمية المستدامة. فهناك وعي مؤسسي آخذ في النمو وممارسات تشغيلية بدأت ترتبط بشكل مباشر بمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية، غير أن تحقيق نقلة نوعية أوسع يتطلب دورًا موازيًا من الحكومة لتهيئة بيئة محفزة تشجع الشركات على اتخاذ خطوات مبكرة وواسعة النطاق. فالاستفادة الوطنية من التنمية المستدامة لا تتحقق من خلال جهود فردية بل عبر حركة جماعية تكاملية تحقق وفورات الحجم الكبير وتمهد لنتائج اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى.
ويُعد إنشاء وزارة التنمية المستدامة في البحرين مؤشرًا واضحًا على جدية المملكة في ترسيخ هذا التوجه. فوجود جهة حكومية متخصصة يعزز التنسيق الوطني ويخلق إطارًا موحدًا يربط بين البيئة والمجتمع والاقتصاد بما ينسجم مع مفهوم (3Ps= Planet, People and Profit) أي الكوكب والناس والربحية. ويُسجَّل هنا دور محوري لسعادة السيدة نور بنت علي الخليف وزيرة التنمية المستدامة، التي تُعد أول وزيرة تتولى هذا المنصب منذ تأسيس الوزارة، حيث لعبت دورًا أساسًا في بناء وتقوية قنوات التواصل والتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية ذات الصلة بالتنمية المستدامة. وقد استطاعت سعادتها عبر موقعها المزدوج كوزيرة للتنمية المستدامة والرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية، أن توحّد الرؤية بين المسار الاستراتيجي للتنمية الاقتصادية وبين أهداف الاستدامة، مما أسهم في مواءمة السياسات الحكومية وتعزيز جاهزية الدولة لدعم القطاع الخاص في رحلته نحو التحول المستدام.
هذا التكامل بين التنمية المستدامة والاقتصاد الوطني يشكل قاعدة انطلاق قوية لأي شركة ترغب في تحويل الاستدامة من التزام تنظيمي إلى عنصر تفوق حقيقي وميزة تنافسية راسخة في السوق المحلي والإقليمي والدولي.
تنمية رأس المال البشري كمحفّز للاستدامة
وتبرز تجارب دول المنطقة في توضيح أثر الحوافز الحكومية على سلوك القطاع الخاص، ففي المملكة العربية السعودية على سبيل المثال تشجع السياسات الشركات على تدريب وتأهيل الكوادر الوطنية بحيث تُحتسب أيام التدريب السنوية ضمن مؤشر تنافسي مهم عند التقدم للمناقصات الحكومية. هذا النموذج خلق بيئة تدفع الشركات إلى زيادة استثماراتها في رأس المال البشري ورفع جودة المهارات مما انعكس إيجابًا على الاقتصاد وفتح فرصًا جديدة لجذب الاستثمار الأجنبي نتيجة توفر قوى عاملة أكثر تأهيلًا.
الاستدامة الاقتصادية وتحويل الطاقة النظيفة إلى رافعة ربحية
ومن الأمثلة الدولية القوية على بُعد الربحية تجربة الدنمارك في قطاع الطاقة المتجددة وتحديدًا في صناعة توربينات الرياح؛ حيث بدأت المبادرة في الثمانينيات بدافع بيئي، إلا أن الحكومة سرعان ما تبنت سياسة متكاملة تجمع بين دعم البحث والتطوير، وتقديم حوافز مالية للمصنعين، وتسهيل تراخيص المشروعات، إضافة إلى الاستثمار المبكر في البنية التحتية للطاقة النظيفة. هذا النهج ساعد الشركات المحلية على النمو التكنولوجي السريع، وعلى رأسها شركة فيستاس التي أصبحت واحدة من أكبر الشركات العالمية في مجال توربينات الرياح بإيرادات تتجاوز 18 مليار دولار وتصدير منتجاتها لأكثر من مئة دولة. ونتيجة لهذه السياسات أصبحت صناعة طاقة الرياح تساهم بما يقارب 5 % من الناتج المحلي الإجمالي للدنمارك، كما خلقت عشرات الآلاف من الوظائف وجذبت استثمارات أجنبية ضخمة في تكنولوجيا الطاقة النظيفة. ويُظهر هذا النموذج العالمي بوضوح كيف يمكن لسياسات حكومية مبنية على رؤية بعيدة المدى أن تحوّل الاستدامة إلى رافعة اقتصادية حقيقية تحقق الربحية وتعزز التنافسية الوطنية في آن واحد.
الاستدامة البيئية كأداة لتحسين
جودة التطوير العمراني
ويمتد هذا المنطق إلى القطاع العقاري كذلك حيث تقدم بعض الولايات الأميركية مجموعة واسعة من الحوافز المالية وغير المالية للمطوّرين الذين يدمجون عناصر الاستدامة في مشاريعهم. وتشمل هذه الحوافز خفض الضرائب على المشاريع منخفضة الانبعاثات وإعطاء نقاط إضافية في أنظمة تقييم الأراضي وتقديم منح مباشرة للمباني ذات الكفاءة العالية في الطاقة إضافة إلى تسريع إجراءات الموافقات والتصاريح للمشاريع الحاصلة على شهادات خضراء مثل LEED أو WELL مقارنة بالمشاريع التقليدية.
ونجحت مدن مثل بوسطن وسياتل وسان دييغو في تحويل هذه السياسات إلى نتائج.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من صحيفة البلاد البحرينية
