القطار الأطلسي رحلة نحو المجهول على سكك بسرعتين

في الوقت الذي يعيش فيه المغرب على إيقاع تنظيم تظاهرات قارية كبرى، واستقبال آلاف الزوار من إفريقيا والعالم، كان من المفترض أن يشكل المكتب الوطني للسكك الحديدية واجهة حضارية تعكس صورة بلد بصدد التحليق نحو المستقبل. غير أن رحلة على متن القطار الأطلسي رقم 614 المتوجه نحو الشرق تكشف حقيقة أخرى سكك حديدية بسرعتين، ومستوى خدمات لا يليق ببلد راهن على البنيات التحتية كعنوان للتقدم.

تتجه أنظار القارة والعالم نحو المملكة، التي نجحت، باعتراف الجميع، في تشييد بنيات تحتية حديثة، وتهيئة ملاعب بمعايير عالمية، ووضع ترتيبات لوجستيكية وتنظيمية تعكس طموح بلد يسعى إلى ترسيخ مكانته كقوة تنظيمية رياضية قارياً ودولياً. غير أن هذا المشهد الإيجابي يظل منقوصاً أمام اختلالات واضحة في أحد أكثر القطاعات حساسية خلال التظاهرات الكبرى: النقل العمومي، وتحديداً النقل السككي، حيث لا يزال قطار الأطلس في مفارقة لافتة غير متوقف بمحطة الرياض، بما يوحي بأن جزءاً من الشبكة يُدار بمنطق تفادي إظهار ضعف الأسطول، بدل منطق تحسين الجودة الشاملة ومواكبة السياسة الوطنية في العدالة المجالية وتكافؤ الولوج إلى الخدمات.

على متن القطار، لا سبورة إلكترونية تُخبر المسافرين بالمدن والمحطات، ولا صوت ناعم يعلن الوصول أو يطمئن الركاب إلى وجهتهم. إحساس عام كأن الرحلة تتجه نحو المجهول؛ الركاب لا يجدون أمامهم سوى سؤال الجالس بجانبهم لمعرفة أين وصل القطار، في غياب أبسط معايير التواصل داخل المرافق الحديثة.

أما الأبواب الحديدية بين العربات، فهي قصة أخرى. قوة بدنية مطلوبة لفتحها، وكأن الأمر يتعلق بتمارين رفع الأثقال، لا بباب مخصص لركاب من مختلف الأعمار والحالات الصحية. باب يُرهق المسافرين بدل أن يسهل عبورهم، ويطرح أسئلة عن شروط السلامة والولوج.

غياب مراقب التذاكر زاد الأمور تعقيداً. ركاب من جنسية بريطانية وجدوا أنفسهم في مقاعدهم المحجوزة سلفاً يشغلها أشخاص لا علاقة لهم بالعربة، في مشهد يجسد فوضى تنظيمية غير مقبولة داخل مرفق عمومي يفترض فيه الانضباط والصرامة، خاصة في مرحلة تستقبل فيها البلاد ضيوفاً من مختلف بقاع العالم.

تراجع مستوى الصيانة والنظافة داخل القطار كان حاضراً بدوره: مقصورات مهترئة، تجهيزات متعبة، وأجواء لا ترقى إلى الحد الأدنى من المعايير، في وقت تعرف فيه الشبكة الحديدية حركية مكثفة خلال فترة تنظيم كأس إفريقيا، حيث كان الرهان الطبيعي هو الرفع من الجودة لا كشف هشاشتها.

رسائل عديدة حملها مواطنون متضررون إلى المدير العام للمكتب، ربيع لخليع، مؤكدين أن تركيز الاهتمام انصب على ما يسمى بـ المغرب النافع وخطوطه الراقية، بينما تُركت قطارات الأطلس، الموجهة نحو الشرق ومناطق واسعة من البلاد، في الهامش خدمات متواضعة، ضعف مواكبة، وتفاوت صارخ بين خطوط الدرجة الأولى والثانية في خدمة عمومية يجب أن تكون موحّدة المعايير.

اليوم، لم يعد النقاش ترفاً إعلامياً، بل سؤال كرامة مواطن وعدالة مجالية. فإذا كان المغرب يراهن على صورته أمام العالم، فإن القطارات ليست مجرد وسيلة نقل، بل مرآة دولة ومؤسسة عمومية يفترض أن تشتغل بنفس الجودة في كل الاتجاهات لا بسرعتين ولا بمعيارين.


هذا المحتوى مقدم من وكالة الأنباء المغربية

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من وكالة الأنباء المغربية

منذ 5 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ ساعة
منذ 10 ساعات
منذ 4 ساعات
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 5 دقائق
هسبريس منذ 9 ساعات
هسبريس منذ ساعتين
هسبريس منذ 14 ساعة
هسبريس منذ 14 ساعة
هسبريس منذ 9 ساعات