تحل علينا اليوم /الجمعة/ ذكرى رحيل الموسيقار الكبير فريد الأطرش، أحد أبرز رموز الموسيقى العربية في القرن العشرين، وصاحب تجربة فنية متفردة جمعت بين الغناء والتلحين والعزف والتمثيل، وأسهمت في صياغة الوجدان العربي لعقود طويلة، حتى استحق عن جدارة لقب "ملك العود" و"موسيقار الشرق".
كانت حياة فريد الأطرش قصة من أجمل قصص الفن والإبداع، وتجربة ثرية تمزج بين أمير من أسرة عريقة وطفل يبحث عن وطن، وموهبة تسعى إلى تأكيد ذاتها وقدراتها، حتى بلغ قمة الهرم إبداعًا وحضورًا.
وُلد فريد الأطرش عام 1910 في بلدة القريا بمحافظة السويداء جنوبي سوريا، ونشأ في أسرة عريقة عُرفت بتاريخها الوطني، وانتقلت الأسرة في مرحلة مبكرة إلى مصر، حيث بدأت ملامح رحلته الفنية تتشكل، وسط ظروف حياتية صعبة صقلت شخصيته الإنسانية والفنية.
وتلقى الأطرش تعليمه في عدد من المدارس بالقاهرة، قبل أن يلتحق بـ معهد الموسيقى العربية، الذي مثّل نقطة الانطلاق الحقيقية لموهبته، وسرعان ما لفت الأنظار بتفرد موهبته في العزف على العود، ليكتشفه الموسيقار مدحت عاصم ويقدمه إلى الإذاعة المصرية، حيث بدأ مشواره الفني الاحترافي.
بعد النجاح الكبير الذي حققته أغنيته الأولى "يا ريتني طير لأطير حواليك"، انطلق فريد الأطرش بقوة في عالم الغناء، وقدم على مدار رحلته الفنية نحو 300 أغنية، إلى جانب عدد كبير من المقطوعات الموسيقية والموسيقى التصويرية لأفلامه، وتنوعت أعماله بين الأغنية العاطفية والوطنية والاجتماعية، إلى جانب براعته في غناء الموال، مما أضفى على مسيرته طابعًا غنيًا ومتنوعًا.
ويرى النقاد أنه يستحيل حصر أغاني فريد الأطرش واختيار بعضها دون غيرها، فكل أعماله تحظى بمحبة الجمهور وتمثل علامات بارزة في تاريخ الموسيقى العربية، ومن أبرزها على سبيل المثال: "أول همسة"، "الربيع"، "حكاية غرامي"، "نجوم الليل"، "بساط الريح"، "يا جميل يا جميل"، "جميل جمال"، و"حبيب العمر".
وكان من أبرز من تعاونوا مع فريد الأطرش في كتابة أغانيه أحمد رامي، بيرم التونسي، مأمون الشناوي، حسين السيد، كامل الشناوي، فتحي قورة، صالح جودت، ومرسي جميل عزيز، هؤلاء الكواكب في سماء الكلمة التي دارت جميعها في فلك فريد الأطرش.
كما لحّن عددًا كبيرًا من الأغاني لكبار المطربين والمطربات في مصر والوطن العربي، من بينهم أسمهان، نور الهدى، شادية، صباح، فايزة أحمد، وردة الجزائرية، وديع الصافي، ومحرم فؤاد.
وفي السينما، قدم فريد الأطرش حتى وفاته 31 فيلمًا قام فيها جميعها بدور البطولة، بدءًا من فيلم "انتصار الشباب" مع شقيقته أسمهان عام 1941، وانتهاءً بفيلم "نغم في حياتي" عام 1975، جامعًا بين التمثيل والغناء، كما ظهر كضيف شرف في فيلم "منتهى الفرح".
حقق عدد كبير من هذه الأفلام نجاحًا جماهيريًا لافتًا، من بينها "حبيب العمر"، "بلبل أفندي"، "عفريتة هانم"، "حكاية العمر كله"، "لحن الخلود" وفيلم "قصة حبي" الذي كتب له القصة والسيناريو والحوار، وتولى إنتاجه بنفسه.
كما قام بتحويل العديد من الروايات العالمية إلى أفلام من بطولته، مثل "رسالة غرام"، "رسالة من امرأة مجهولة"، "عهد الهوى"، و"نغم في حياتي".
تعاون فريد الأطرش في أفلامه مع كبار المخرجين والمؤلفين، من بينهم أحمد بدرخان، وهنري بركات، ويوسف شاهين، وكمال الشيخ، ومحمود ذو الفقار، ومن المؤلفين بديع خيري، ويوسف وهبي، وأبو السعود الإبياري، والسيد بدير، وتوفيق الحكيم.
كما أسهم في إدخال فن الأوبريت إلى السينما المصرية من خلال أوبريت "ليلة في الأندلس" في فيلم "انتصار الشباب"، الذي يُعد أول أوبريت غنائي عرفته السينما المصرية.
اختير فريد الأطرش عام 1965 رئيسًا لـ جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى في مصر، كما عينته نقابة الفنانين اللبنانيين رئيسًا فخريًا لها مدى الحياة، تقديرًا لمكانته الفنية الرفيعة.
ونال الراحل عددًا كبيرًا من الأوسمة والجوائز، من بينها ميدالية الخلود الفنى من فرنسا، وجائزة "أعظم عازف على العود في العالم العربي وتركيا" عام 1962، وجائزة الفنون والآداب المصرية من الدرجة الأولى، وقلادة النيل، ووسام الاستحقاق المصري، ووسام الكوكب الأردني برتبة فارس، كما حصل على أربع جنسيات عربية هي المصرية والسورية واللبنانية والسودانية.
وفي 19 أكتوبر 2020، احتفل مؤشر البحث العالمي "جوجل" بذكرى مرور 110 أعوام على ميلاده.
وفي 26 ديسمبر 1974، توفي فريد الأطرش إثر أزمة قلبية في مستشفى "الحايك" بالعاصمة اللبنانية بيروت، بعد مسيرة فنية حافلة بالعطاء والإبداع، ودفن في مصر تنفيذاً لوصيته بأن يدفن بجوار شقيقته الفنانة الراحلة اسمهان في مقابر عائلته بالبساتين.
وفي ذكرى رحيله، يبقى فريد الأطرش لحن الخلود الحاضر في تاريخ الفن العربي، بما تركه لنا من أعمال خالدة تتحدث بلغة الحب والحنين والشجن، وتروي حكاية فنان كانت حكايته بحق هي "حكاية العمر كله".
هذا المحتوى مقدم من بوابة دار الهلال
