المرأة الإفريقية وكرة القدم: حضور يتجاوز المدرجات

بقلم : أحمد بومهرود باحث في الإعلام و الصناعة الثقافية

في خضم الأجواء الكروية التي يعيشها المغرب مع احتضانه لنهائيات كأس الأمم الإفريقية، لا تقتصر أهمية الحدث على التنافس الرياضي بين المنتخبات، بل تتجاوزه ليعكس تحولات عميقة في المجتمع الإفريقي، لعل أبرزها تطور حضور المرأة في كرة القدم. حضور لم يعد محصورًا في المدرجات أو في أدوار ثانوية، بل أصبح فاعلًا ومؤثرًا داخل الملعب وخارجه.

لطالما ارتبطت كرة القدم في المخيال الإفريقي، كما في كثير من المجتمعات، بالرجال باعتبارها رياضة خشنة لا تتماشى مع الصورة التقليدية للمرأة. غير أن السنوات الأخيرة شهدت تغيرًا ملحوظًا، حيث فرضت المرأة الإفريقية نفسها في هذا المجال، متحدية الأعراف الاجتماعية والصعوبات الاقتصادية وضعف الدعم المؤسساتي في بعض الدول.

من الهامش إلى قلب المنافسة

أثبتت كرة القدم النسائية الإفريقية قدرتها على التطور والمنافسة، سواء على المستوى القاري أو الدولي. فقد نجحت عدة منتخبات إفريقية نسوية في تسجيل حضور مشرّف في البطولات العالمية، ما ساهم في تغيير النظرة السائدة تجاه مستوى اللاعبات وإمكاناتهن. كما أصبحت البطولات القارية الخاصة بالسيدات تحظى باهتمام إعلامي وجماهيري متزايد، خاصة عندما تُنظم في بلدان تمتلك بنية رياضية متقدمة مثل المغرب.

هذا التطور لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة سنوات من العمل والصبر، خاضتها لاعبات كثيرات في ظروف صعبة، حيث لعبن أحيانًا دون عقود احترافية واضحة أو تغطية إعلامية عادلة، ومع ذلك واصلن الطريق لإثبات الذات.

أدوار تتجاوز اللعب

لم يقتصر حضور المرأة الإفريقية في كرة القدم على اللعب فقط، بل امتد إلى مجالات التحكيم، والتدريب، والإدارة الرياضية. فقد بدأت أسماء نسائية إفريقية تبرز في إدارة المباريات الكبرى وقيادة الفرق واللجان التقنية، في مؤشر واضح على تحول بنيوي داخل المنظومة الكروية الإفريقية.

هذا التوسع في الأدوار يعكس وعيًا متزايدًا بأهمية إشراك المرأة في صناعة القرار الرياضي، ويؤكد أن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل مجال مهني واجتماعي يمكن أن يفتح آفاقًا واسعة أمام النساء، خاصة في القارة الإفريقية التي تشكل فيها الرياضة وسيلة للصعود الاجتماعي والتمكين.

تحديات اجتماعية ما زالت قائمة

رغم هذا التقدم، لا تزال المرأة الإفريقية في كرة القدم تواجه تحديات حقيقية، أبرزها القيود الاجتماعية والثقافية، خاصة في المناطق المحافظة، حيث يُنظر إلى ممارسة الفتيات للرياضة بعين الريبة أو الرفض. كما تعاني كرة القدم النسائية من ضعف التمويل، وقلة التغطية الإعلامية مقارنة بنظيرتها الرجالية، ما يحدّ من انتشارها واستدامتها.

لكن المفارقة أن هذه التحديات نفسها ساهمت في صنع جيل من اللاعبات القويات، اللواتي أصبحن رموزًا للإصرار والتغيير، ليس فقط داخل الملاعب، بل داخل مجتمعاتهن أيضًا.

كرة القدم كأداة للتغيير الاجتماعي

أصبحت كرة القدم النسائية في إفريقيا أداة فعالة لتغيير الصور النمطية حول المرأة، وتعزيز قيم المساواة والثقة بالنفس. فمشاهدة فتيات إفريقيات يحملن قمصان منتخباتهن ويدافعن عنها في ملاعب كبرى، يبعث برسائل قوية إلى الأجيال الصاعدة مفادها أن الطموح لا جنس له، وأن الرياضة حق للجميع.

كما أن الحضور النسائي المتزايد في المدرجات، سواء كمشجعات أو كمنظمات ومتطوعات، يعكس تحولًا في علاقة المرأة بالفضاء الرياضي العام، ويؤكد أن كرة القدم باتت فضاءً مشتركًا يعكس تنوع المجتمع الإفريقي.

خاتمة

في سياق كأس الأمم الإفريقية التي يحتضنها المغرب، يبرز حضور المرأة الإفريقية في كرة القدم كأحد أهم مؤشرات التحول الاجتماعي والثقافي في القارة. حضور لم يعد رمزيًا أو هامشيًا، بل أصبح جزءًا أصيلًا من المشهد الكروي الإفريقي.

إن المرأة الإفريقية اليوم ليست مجرد متفرجة في مدرجات الملاعب، بل شريكة في صناعة اللعبة، وصوتًا فاعلًا في تطويرها، ورمزًا لتغير أعمق يشهده المجتمع الإفريقي بأكمله. حضور يتجاوز المدرجات ليصل إلى قلب الملعب، وقلب المجتمع.


هذا المحتوى مقدم من جريدة أكادير24

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة أكادير24

منذ 4 ساعات
منذ 7 ساعات
منذ 10 ساعات
منذ 8 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 5 ساعات
هسبريس منذ 10 ساعات
هسبريس منذ 6 ساعات
Le12.ma منذ 8 ساعات
Le12.ma منذ 7 ساعات
هسبريس منذ 9 ساعات
هسبريس منذ 9 ساعات
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ ساعة