لك السكينة والسلام.. وأنت ترقد رقدتك الأخيرة بعد هذا المشوار المتعب والشيق للغاية

خلال السنوات الطويلة التي قضيناها بالمقر المركزي لوكالة المغرب العربي للأنباء بشارع علال بن عبد الله بالرباط، كانت قاعة التحرير المركزي بالطابق الثالث تشهد، من حين لآخر، انشراحا وحبورا يكسران ما كان يطبع العمل من رتابة ..

كان مروره المتكرر بالقاعة، صاعدا إليها من الطابق الثاني حيث كان يعمل بقسم التحرير الإسباني، يسم الفضاء ببصمة مميزة.. تلك الضحكة المجلجلة، وذاك الكلام الجميل الطلق الذي "يرفع" من شأنه، هو الكائن المفتخر بذاته والمعتز بكينونته، مظهرا، وثقافة، وسلوكا.

إنه الزميل والصديق العزيز، الصحفي الأنيق، ظاهرا وباطنا، محمد الشهبي العلوي، الذي غادر الدار الفانية،الجمعة، بعد معاناة مريرة مع المرض.

خاض الرجل بمزاجيته العنيدة المتمردة، حروبا داخل المؤسسة، ظلم في أشواط كثيرة منها ولم ينصف سوى لماما.

راكم الرجل صداقات وعداوات، حسب المزاج والسياق، وفي ذلك كان ميزان الضبط، مدا وجزرا، متأرجحا للغاية.

كنت أمازحه بالقول: "شكون اللي عفيتي عليه من قائمتك السوداء.."، فيسرد علي أسماء من "عفى" عنهم، وأسماء من يعدون في خانة المغضوبين عنهم إلى يوم الدين.

إلا أنني أشهد أنه "راجع"، غير ما مرة، مواقفه حيال زملاء وأصدقاء معينين، بعد أن تبين له أنه كان على "ضلال"..

حقا، إن "الأسلوب هو الرجل". وكان أسلوب الراحل الجلي في ذلك، هو الإحتفاء بالحياة مهما تقلبت الأحوال واشتدّت الأهوال..

والشاهد على ذلك، تلك الوفرة الوافرة من الصور الفوتوغرافية التي كان يحرص على توثيقها يوميا وهو يصول ويجول في التمتع بممارسة طقوسه اليومية، علما أنه ظل وحيدا أعزب طيلة حياته..

كان الفقيد رجل الصورة بامتياز.. كان مؤرخ اللحظة في شتى تجلياتها بالفضاء العام والرسمي.. انتشاؤه بالتقاط صور مع الحمام المتجمع بحديقة شارع محمد الخامس بالعاصمة، وداخل المقاهي والمطاعم، وعلى شاطىء المحيط حيث كانت تحلو له السباحة بين الصخور، والمشي طويلا على الكورنيش، وداخل الأروقة والمتاحف وقاعات العروض الثقافية والفنية المختلفة

كان يحلو له أن نصفه بنعت "رجل الحطة"، بالنظر إلى الهندام الأنيق (العصري والتقليدي)، الذي كان يحرص على استبداله يوميا.

كان يتمتع بذاك الجلد النادر.. تلك الأنفة الزائدة عن الحد.. تلك المكابدة الذاتية في معركة قهر متطلبات اليومي بتوفير ما قد يلزم مما يوحي بأن الوضع تحت السيطرة.. تلك النعمة الظاهرة، وإن كانت تستبطن معاناة يومية جراء قلة اليد..

لا أعرف إن كان الراحل، الذي امتدّت رحلته في الحياة أزيد من سبعين سنة، قد دون مذكرات، كما كنا نحثه على فعل ذلك، وهو الذي نسج علاقات، يندر من ضاهاه فيها .. علاقات كثيرة ومتعددة المستويات.. من العلاقة مع بائع سمك السردين في حي شعبي بسويقة الرباط إلى العلاقة مع العديد من كبار الدبلوماسيين والصحفيين والمسؤولين بالدولة، كونه كان صحفيا يتمتع بزاد معرفي راكمه بفضل تمرسه في أكثر من منبر إعلامي، وإتقانه للعربية والفرنسية والإسبانية.

وأنت ترقد رقدتك الأخيرة، بعد هذا المشوار المتعب للغاية والشيق للغاية، لك السكينة والسلام، أيها الزميل والصديق الإستثنائي..


هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من جريدة كفى

منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ ساعة
منذ ساعتين
منذ 44 دقيقة
منذ ساعة
هسبريس منذ 10 ساعات
هسبريس منذ 19 ساعة
آش نيوز منذ ساعة
جريدة أكادير24 منذ 14 ساعة
Le12.ma منذ 16 ساعة
هسبريس منذ 18 ساعة
هسبريس منذ 5 ساعات
هسبريس منذ ساعة