انتخابات 2026 تحت مجهر غير مسبوق.. الدعم العمومي قد يتحول إلى «اختلاس» عند الإخلال

دشّنت المحكمة الدستورية، بقرارها الأخير، منعطفًا حاسمًا في مسار تخليق الحياة الانتخابية، حينما صادقت على المقتضيات الجديدة الواردة في القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، واضعةً لأول مرة بشكل صريح الصرف المالي الانتخابي ضمن دائرة المسؤولية الجنائية المباشرة، ومُقرّةً في الآن ذاته نقل اختصاص الطعون في رفض الترشيحات إلى القضاء الإداري، في قراءة دستورية تُعيد رسم قواعد المحاسبة والاختصاص القضائي قبل أشهر من استحقاقات 2026.

وأكّد قرار المحكمة أن أي إخلال بتبرير الدعم المالي العمومي المخصص للحملات الانتخابية، أو الامتناع عن إرجاع المبالغ غير المستعملة إلى خزينة الدولة، يُكيّف قانونيًا باعتباره «اختلاسًا للمال العام»، ويخضع للعقوبات المنصوص عليها في التشريع الجاري به العمل، في تأصيل دستوري يستند كما جاء في التعليل إلى حماية المال العام وربط المسؤولية بالمحاسبة، بوصفهما من ثوابت البناء الدستوري للمملكة.

المجلس الأعلى للحسابات رقيب مركزي لا استثناء أمامه

وإذا كان الجدل السابق حول المال الانتخابي يتأرجح بين الأخلاقي والسياسي، فإن المحكمة حسمته بنقلة نوعية نحو التجريم، إذ جعلت المجلس الأعلى للحسابات الحلقة المركزية في فحص النفقات الانتخابية، ملزمةً وكلاء اللوائح والمترشحين بتقديم تبرير مفصل ودقيق لأوجه صرف الدعم الذي يتلقّونه عبر أحزابهم، أو إرجاعه كاملًا إلى الخزينة إذا لم يتم صرفه، معتبرةً أن الامتناع عن ذلك لا يُعدّ مجرّد مخالفة تدبيرية، بل «فعلًا يمس بجوهر حماية المال العام».

وفي هذا الإطار، لم يُسقط القرار مسؤولية الأحزاب، بل رسّخ مفهوم «المسؤولية المشتركة»، حين شددت المحكمة على أن الأحزاب تتحمل التزام الإشراف والرقابة على صرف الدعم العمومي، غير أن هذه المسؤولية لا تعفي المترشحين الذين يخوضون الانتخابات باسمها من واجب المحاسبة الجنائية، بما يضع الطرفين أمام التزام دستوري وأخلاقي وقانوني واحد.

اختصاصات جديدة للطعون والقضاء الإداري يتصدر المشهد

وعلى مستوى ثانٍ لا يقل أهمية، صادقت المحكمة على تعديل المادة 87، التي نقلت الطعن في قرارات رفض الترشيحات من المحاكم الابتدائية العادية إلى المحاكم الإدارية، في خطوة اعتبرتها «ضمانة قضائية قوية» لكونها تمنح الطعون إطارًا أكثر تخصصًا، وترفع مستوى الرقابة على القرارات الإدارية الصادرة في مرحلة حساسة من المسار الانتخابي.

ولم يتوقف التشريع عند هذا الحد، إذ يتيح القانون الجديد استئناف أحكام المحاكم الإدارية مباشرة أمام محكمة النقض، مع فرض أجل استثنائي للبث لا يتجاوز 24 ساعة، فيما يتضمن المشروع مقتضى غير مسبوق يقضي بأن عدم بت محكمة النقض في الطعن داخل أجل 24 ساعة يُعتبر تثبيتًا للحكم الابتدائي ورفضًا للطعن بحكم القانون، وهو ما اعتبرته المحكمة «ضرورة يفرضها زمن العملية الانتخابية واستقرار المراكز القانونية للمترشحين».

ورغم التشدد الإجرائي المرتبط بالآجال، أكدت المحكمة أن هذه المساطر لا تُصادر الحق في الانتصاف النهائي، إذ يظل بإمكان المترشحين الطعن في صحة العمليات الانتخابية ككل أمام المحكمة الدستورية بعد إعلان النتائج، ما يخلق طبقتين قضائيتين متكاملتين:

أولى استعجالية وسريعة لتأمين السير الطبيعي للانتخابات،

وثانية تقديرية ونهائية لضمان المشروعية الدستورية الكاملة.

رسالة مؤسساتية بحمولة سياسية

ويبدو القرار، في جوهره، رسالة مؤسساتية واضحة تؤكد أن المال المخصّص للانتخابات ليس دعمًا حزبيًا عاديًا، بل مالًا عموميًا محميًا بالقانون الجنائي، وأن المنازعات الانتخابية لم تعد مسطرة تقليدية، بل اختصاصًا تخصصيًا مضبوطًا بالآجال الصارمة والزمن الدستوري، في اتجاه يعكس إرادة تشريعية وقضائية موحدة نحو محاصرة الانحراف المالي وضبط مسار الترشيحات.

ومع اقتراب استحقاقات 2026، يُتوقع أن يُعيد هذا القرار ترتيب سلوك الفاعلين السياسيين والانتخابيين، ويؤسس لمرحلة جديدة في الحكامة الانتخابية، عنوانها الشفافية، التجريم عند الإخلال، وتخصص القضاء في حماية المسار الديمقراطي للمملكة.


هذا المحتوى مقدم من أشطاري 24

إقرأ على الموقع الرسمي


المزيد من أشطاري 24

منذ 8 ساعات
منذ 5 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 3 ساعات
منذ 6 ساعات
منذ 5 ساعات
آش نيوز منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 11 ساعة
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 3 ساعات
هسبريس منذ 19 ساعة
هسبريس منذ 7 ساعات
هسبريس منذ ساعتين
آش نيوز منذ 8 ساعات