تتداول عملة الإيثيريوم ثاني أكبر عملة مشفرة من حيث القيمة السوقية على الإطلاق اليوم السبت 27 ديسمبر 2025 عند مستويات 2900 دولار بعد هبوط عنيف من مستوى 4800 دولار فيما تتزايد المخاطر بهبوط أعنف إلى مستويات الدعم عن 2200 دولار.
تسجل الإيثر (ETH) واحدة من أشد فترات شح المعروض منذ إطلاق شبكة إيثريوم عام 2015، بعد هبوط أرصدة العملة في السوق إلى مستويات غير مسبوقة.
ويرى المحللون، بحسب تقاريرنشرت مؤخراً على منصة "كوين تيليغراف"، أن هذا التراجع العميق في المعروض القابل للبيع قد يمهد لـ«اختناق في الإمدادات» يدعم أسعار الإيثر في المدى المتوسط.
أزمة المعروض
وفق البيانات، تراجعت كميات الإيثر المخزنة في ديسمبر 2025 بواقع 43% منذ بداية يوليو، وهي الفترة التي بدأت خلالها عمليات شراء الصناديق المؤسسية (DATs) بالارتفاع.
فيما يشير تقرير ميلك رود إلى أن الإيثر «يدخل أضيق بيئة معروض في تاريخه»، مضيفاً أن مستويات كهذه «لم تُسجل من قبل».
وبالمقارنة، يبلغ رصيد البيتكوين 14.7%، ما يعني أن ضغط الشح أكثر حدة على الإيثر.
وتسحب الإيثر تدريجياً نحو قطاعات بعيدة عن البيع منها:
- التحصيص (Staking) وإعادة التحصيص (Restaking)، وهي عملية تجميع أو تخزين أصول الكربيتو وذلك لكسب مكافآت تشفير.
- نشاط شبكات الطبقة الثانية (Layer-2).
- الصناديق المؤسسية مثل DATs.
- الحفظ طويل الأجل (Custody).
- دوائر الضمان والتمويل اللامركزي (DeFi collateral loops).
عند الانتقال من المقارنة النظرية بين البيتكوين والإيثيريوم إلى التحليل الاستثماري، يتضح أن الفارق بينهما لا يكمن فقط في الاستخدامات التقنية، بل في النموذج الاقتصادي الذي يولّد القيمة لكل أصل، فالبيتكوين يعتمد على نموذج الندرة الرقمية البحتة، حيث يُقاس العائد الاستثماري بشكل رئيسي على أساس العرض المحدود والطلب المتزايد، بينما يستند الإيثيريوم إلى نموذج أقرب إلى «اقتصاد البنية التحتية»، إذ تتولّد قيمته من حجم النشاط الاقتصادي الذي يعمل فوق شبكته.
الإيثيريوم وبيتكوين
من منظور اقتصادي، يمكن تشبيه البيتكوين بأصل تحوّطي غير منتج للتدفقات النقدية، يعتمد تقييمه على الثقة والندرة، تماماً كما هو الحال مع الذهب، وعلى هذا الأساس، تميل المؤسسات الاستثمارية إلى إدراجه ضمن فئة «الأصول البديلة» بهدف التحوط من التضخم، أو تنويع المحافظ، أو تقليل الارتباط بالعملات الورقية، هذا النموذج يجعل توقعات العائد مرتبطة أساساً بدورات السيولة العالمية، والسياسات النقدية، ومستوى القبول المؤسسي.
في المقابل، يعمل الإيثيريوم وفق نموذج اقتصادي أكثر تعقيداً، يمكن تحليله باستخدام أدوات قريبة من تقييم البنى التحتية الرقمية أو منصات التكنولوجيا الكبرى، فعملة «إيثر» لا تُستخدم فقط كأداة ادخار، بل كعنصر تشغيلي أساسي لدفع رسوم المعاملات، وتشغيل العقود الذكية، وتأمين الشبكة من خلال آلية إثبات الحصة، ووفق هذا النموذج، كل معاملة، وكل تطبيق لامركزي، وكل خدمة مالية تُبنى على الشبكة، تخلق طلباً حقيقياً على العملة، ما يربط قيمتها مباشرة بالنشاط الاقتصادي الفعلي.
الإيثيريوم وحرق الرسوم
وتزداد أهمية هذا الربط عند النظر إلى آلية حرق الرسوم، التي أدت في فترات النشاط المرتفع إلى تقليص المعروض الصافي من الإيثيريوم، وهو ما خلق ديناميكية مزدوجة تجمع بين الطلب التشغيلي والانكماش النسبي في العرض، هذه المعادلة دفعت بعض بيوت الأبحاث إلى التعامل مع الإيثيريوم كأصل شبه إنتاجي، يمكن أن يولّد «عائداً ضمنياً» من خلال المشاركة في التحقق من المعاملات والحصول على مكافآت إثبات الحصة، وهي نقطة فارقة عن البيتكوين الذي لا يوفّر عائداً دورياً لحامليه.
ومن منظور المحافظ الاستثمارية، بات الإيثيريوم يُدرج ضمن فئة أصول النمو المرتبطة بالتكنولوجيا، لا ضمن فئة التحوط فقط، فالعلاقة بين سعر الإيثيريوم ونمو تطبيقات التمويل اللامركزي، وأسواق الرموز غير القابلة للاستبدال، وحلول البنية الرقمية، باتت أكثر وضوحاً، ما يجعل تقييمه أقرب إلى تقييم منصة رقمية عالمية تستفيد من تأثيرات الشبكة، حيث تزداد القيمة مع ازدياد عدد المستخدمين والمطورين والتطبيقات.
الإيثيريوم والويب 3
أما على مستوى الربط بين الإيثيريوم والويب 3، فيمكن القول إن الإيثيريوم يشكّل العمود الفقري لهذا المفهوم، فالويب 3 يقوم على نقل ملكية البيانات والقيمة من الشركات المركزية إلى المستخدمين، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون بنية لامركزية قابلة للبرمجة، وفي هذا السياق، يعمل الإيثيريوم كنظام تشغيل للاقتصاد الجديد، حيث تُبنى فوقه تطبيقات الهوية الرقمية، ومنصات المحتوى اللامركزي، وأسواق الأصول الرقمية، ونماذج الحوكمة القائمة على المجتمعات.
ويتقاطع هذا الدور بشكل متزايد مع تطور الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل الحاجة إلى بنية تحتية شفافة لإدارة البيانات والنماذج والخوارزميات، ففي بيئة يهيمن عليها الذكاء الاصطناعي، تبرز إشكاليات الثقة وملكية البيانات وحقوق الاستخدام، وهي تحديات يوفر الإيثيريوم حلولاً هيكلية لها من خلال العقود الذكية والملكية الرقمية الموثقة. وبدأت بالفعل تظهر تطبيقات تجمع بين الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين، مثل أسواق النماذج الذكية اللامركزية، ومنصات مشاركة البيانات مقابل عوائد رقمية، وأنظمة دفع تلقائية بين الخوارزميات دون تدخل بشري.
الإيثيريوم والتحول الرقمي
ومن منظور استثماري طويل الأجل، يعزز هذا التقاطع من فرضية أن الإيثيريوم ليس مجرد أصل مرتبط بدورة العملات المشفرة، بل جزءاً من منظومة أوسع تشمل التحول الرقمي، والاقتصاد القائم على البيانات، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وكلما توسّع الاعتماد على هذه التقنيات، زادت أهمية وجود بنية لامركزية موثوقة تدير القيمة والملكية، وهو الدور الذي يتموضع فيه الإيثيريوم بشكل استراتيجي.
ويمكن القول إن البيتكوين يمثل رهاناً على المال النادر في عالم رقمي، بينما يمثل الإيثيريوم رهاناً على نمو الاقتصاد الرقمي نفسه، الأول يستمد قيمته من الندرة والثقة، والثاني من الاستخدام والتوسع والابتكار، وهذا الفارق الجوهري هو ما يجعل الإيثيريوم محل اهتمام متزايد من المستثمرين الذين لا يبحثون فقط عن تحوط أو مضاربة، بل عن التعرض لبنية تحتية قد تشكّل الأساس الاقتصادي للتكنولوجيا في العقود المقبلة.
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية
