أعلن مجلس محافظة البصرة (مدينة تقع جنوب العراق على الضفة الغربية لشط العرب)مؤخراً، توجهه للتصويت بالإجماع على تحويل المحافظة إلى إقليم إداري ضمن العراق، ما أثار جدلاً واسعاً بين مؤيدين يرونها خطوة لضمان حصول سكان المدينة على حقوقهم في مقدمتها النفط والماء، ومعارضين يخشون أن تؤدي إلى مزيد من الانقسامات والصراع على السلطة.وبدأ أعضاء مجلس المحافظة، بدعم من تحالف "تصميم" الذي يقودة محافظ البصرة أسعد العيداني، بجمع التواقيع لتفعيل ملف إقليم البصرة، مؤكدين أن الخطوة لا تمثل انفصالاً عن العراق بل تغيير إداري يعيد للمحافظة حقوقها، حيث سيتم تقديم طلب رسمي إلى رئاسة الوزراء الأسبوع المقبل للتصويت على تحويل المدينة إلى إقليم إداري بحكم ذاتي.أهمية مدينة البصرة

وتُعتبر مدينة البصرة، من أهم المدن العراقية، تحتل المركز الاقتصادي الأول للنفط، تُنتج النسبة الأكبر من الصادرات النفطية، وعن طريق موانئها يصدّر العراق النفط إلى العالم، لأنها البوابة الوحيدة للبلاد على الخليج العربي، كما أنها جزء من منظومة الأهوار الكبرى المصنّفة على لوائح التراث العالمي يونيسكو 2016.

ولكن المدينة تعاني منذ سنوات عدة، التلوث الناتج عن نشاط الصناعات النفطية، ما أدى إلى هجرة العديد من العائلات نتيجة لجفاف الأهوار وانتشار أمراض السرطان، بالإضافة إلى المشكلة الأبرز وهي فقدان المياه الحلوة الصالحة للشرب، بعد ارتفاع نسب الملوحة في مياه شط العرب نتيجة لقلة الإطلاقات المائية من نهري دجلة والفرات. كل هذه الأسباب مجتمعة دفعت أعضاء مجلس محافظة البصرة للمطالبة بإقليم حكم ذاتي. "مطلب جماهيري"

تقول النائبة في البرلمان العراقي عن محافظة البصرة زهرة البجاري لمنصة "المشهد"، إن المطالبة بإقليم يُدار ذاتياً يضمنه الدستور العراقي، حسب المادة 119 التي تنص أنه لكل محافظة أو أكثر الحق في تكوين إقليم بناءً على استفتاء شعبي، إذاً المطالبة بإقليم البصرة ليست خروجاً عن القانون أو الدستور العراقي، كما أنه مطلب جماهيري تم الاستفتاء عليه عام 2008، والتصويت عليه عام 2012، وفي العام 2018 كانت هنالك مطالبات للحصول على الإقليم، اليوم أيضاً نحن نطالب بإقليم البصرة الدستوري الشرعي الجماهيري.

وعن الأسباب التي دفعت أعضاء مجلس محافظة البصرة للمطالبة بتحويل المحافظة إلى إقليم، تجيب الجباري: هنالك العديد من الأسباب في مقدمتها: مطلبنا بالتصويت على أن تكون مدينة البصرة هي العاصمة الاقتصادية، لكنها رُفضت من قبل الحكومة المركزية.حصول البصرة على حصتها العادلة من النفط كونها مدينة نفطية.الماء، لأنه حاجة ملحّة لكل سكان المدينة، بعد أن تحوّلت المياه الحلوة إلى مالحة، وأصبحت كل عائلة تحتاج شهرياً 500 ألف دينار عراقي ثمن مياه للشرب والغسيل. منذ العام 2009 نطالب بحقوق المدينة وإلى الآن لم يحدث أي تغيير، حتى خطة بناء سد ومحطات تحلية لم نر منها شيئاً، ما دفع سكان البصرة للمطالبة بإقليم حتى يتمكنوا من إدارة أموالهم ومواردهم، وأن تكون قراراتهم محلية وليست مركزية من بغداد.الأحزاب السياسية في البصرة

وتنشط في مدينة البصرة العديد من الأحزاب السياسية، في مقدمتها تحالف تصميم الذي يديره محافظ البصرة أسعد العيداني، تيار الحكمة (عمار الحكيم)، دولة القانون (نوري المالكي)، إضافة إلى بعض الأحزاب السنية والكردية إلا أن تأثيرها محدود، لأن المدينة ذات غالبية شيعية، تعدد الأحزاب الناشطة في المدينة يجعل فكرة إقامة إقليم ذاتي مفتوحة أمام الصراع السياسي على السلطة، عن ذلك توضح الجباري: الصراع على السلطة في بغداد على الرئاسات الثلاثة، أما في البصرة فيوجد توافق سياسي على تحويل المحافظة إلى إقليم، كما أن عدد الأحزاب الناشطة فيها ليس كبيراً، لذلك لن يكون هنالك تنافس على السلطة.

وعن توقيت الإعلان عن الإقليم وشكله، تقول الجباري: "هنالك آلية سنعمل عليها وهي أن مجلس محافظة البصرة سيصّوت على إقامة الإقليم ثم يرفعه إلى رئيس مجلس الوزراء، الذي سيحوله إلى المفوضية العليا للانتخابات للاستفتاء عليه، لا بد من الحصول على نسبة تصويت 10% من أبناء المحافظة للموافقة على إعلان إقليم البصرة".وأضافت "أما عن شكل إقليم البصرة، فسيكون مشابها لإقليم كردستان، إقليم بحكومة ومجلس نواب ووزراء، لن تكون البصرة كما يتم الترويج لها جزيرة معزولة عن العراق، لأنها محافظة لها امتداد بري على مدينتي الناصرية والعمارة، كما أن الإقليم لا يعني التقسيم، بل نسعى للحصول على إقليم بحكي ذاتي يعمل تحت خيمة العراق وفي ظل العلم العراقي".كيف سيؤثر إقليم البصرة على نفط العراق؟

وفي سياق منفصل، يرى المستشار الاقتصادي السابق في الحكومة العراقية الدكتور علاء الدين القصير لمنصة "المشهد"، أن البصرة لا يمكن أن تتحول إلى إقليم يُدار ذاتياً حتى لو كان هنالك إجماع على ذلك، لأن الوضع السياسي العام للعراق غير ملائم، كما أن الموافقة على مثل هذه الخطوة ستشجع باقي المحافظات على المطالبة بأقاليم، بالتالي سيتحول العراق من جمهورية إلى مجموعة أقاليم.

وأضاف القصير "في حال تشكّل إقليم البصرة، فستتأثر واردات النفط العراقية بكل تأكيد، ستحصل البصرة على حصتها من النفط، لكن ليس بنفس الصيغة التي تتعامل فيها بغداد مع إقليم كردستان ولا بذات الاتفاقيات، لأن بغداد سترفض التنازل عن نفط البصرة وستضع شروطا مشددة على إقليم البصرة، نؤكد لكل من يحاول أن التشجيع على هذه الخطوة بحجة تجربة إقليم كردستان، أنه من غير الممكن أن يكون كإقليم كردستان لأن ظروف تشكيله مختلفة تماماً عن ظرف العراق الحالي".وشهدت مدينة البصرة منذ العام 2021، نزوح أكثر من 900 عائلة نتيجة شح المياه، والتصحر، ونفوق الحيوانات، وتدهور البيئة، إضافة إلى عدم حصولها على حصتها العادلة من النفط والماء، بينما تنتشر مصافي النفط التي تلوث المدينة.عن ذلك يقول مدير مركز قراءات للإعلام والتنمية أثير الشرع، لمنصة "المشهد" أنه رغم أن البصرة المنفذ الوحيد لدعم الموازنة العراقية، إلا أن أهلها شعروا بالمظلومية، لأن كل المحافظات العراقية تعتمد على نفط البصرة بينما لا يتمتع أهالي المدينة حتى بحصتهم من المياه الحلوة، في ظل فشل كل المشاريع الحكومية الخاصة بتحلية المياه، كما أنه لا توجد بنية تحتية قوية ولا خدمات تليق بمدينة تنتج النفط، لذلك هنالك فكرة لتحويل المحافظة إلى إقليم، هذا حق يضمنه الدستور العراقي الذي يدعم النظام الفيدرالي.

لكن هنالك عدة تحديات تقف في وجه هذا الإقليم، بحسب الشرع: أولها أن مجلس محافظة البصرة الحالي يتكون من عدة أحزاب وتحالفات، كلها ستبدأ الصراع على الموارد النفطية والموانئ والمنافذ البحرية. البيئة السياسية العراقية حالياً غير جاهزة لإنتاج أقاليم، نتيجة لتعدد الكتل والأحزاب السياسية المتصارعة على النفوذ والمال.وقال الشرع "إن أصبحت البصرة إقليماً ستشهد صرعات خطيرة قد تصل إلى المواجهات المسلحة للحصول على الغنائم والاستيلاء على السلطة السياسية، الحل هو بتفعيل دور نوّاب البرلمان عن محافظة البصرة، للمطالبة بحقوق المحافظة وتطوير المشاريع الخدمية في محافظتهم. لأنه لا يمكن أن نفصل وضع العراق الداخلي عن التطورات الخارجية، اليوم العراق ما زال يحتاج إلى المزيد من الوقت؛ ليتمكن من خوض تجربة الأقاليم".(المشهد)۔

هذا المحتوى مقدم من قناة المشهد