كان مقعدي يحمل الرقم 10 في أعلى مدرجات ملعب الأمير مولاي عبد الله من الجهة الخلفية للحارس بونو في الشوط الأول خلال مباراة المغرب ومالي، كنت حاضرا في الملعب حوالي ساعة قبل انطلاق اللقاء، مستمتعا بملعب دائما ما تشعر أنك تلجه للمرة الأولى.
ظهر شاب مفتول العضلات بالقميص الأحمر للمنتخب المغربي يحمل الرقم 2، يبحث عن مكانه وهو غير عابئ بالجو البارد الذي عم الأجواء، فكان رقم مقعده 9 إلى جواري، وكما لو أن رقم المقعد يعكس شخصية صاحبه، فقد كان مهاجما شرسا في المدرجات !
لم يكد يضع رايته وأغراضه، حتى انطلق يهتف باسم المغرب، وبما أنه من الطبيعي في الملعب أن تتجاذب أطراف الحديث مع من يشاركك هواء التشجيع، افتتحنا النقاش بالحديث عن التشكيلة المحتملة، فاتضح لي أنه مغربي من أبناء الجالية بفرنسا. نصحته مبتسما بضرورة الاحتفاظ بالجهد إلى غاية انطلاق المباراة، فقال لي لا تخف "أنا تيربو".
انطلقت المباراة، ولم يتوقف عن التشجيع، كانت بعض الأهازيج تنطلق منه لتعم أرجاء المدرجات، وحتى عندما يتماهى الجمهور مع المباراة في صمت، كان يقفز من مكانه مطلقا إحدى لازمات التشجيع، فننطلق معه بحماس.
كانت تبدو عليه المعرفة التقنية بكرة القدم وهو الذي لا يتجاوز عمره 26 سنة، كان منفعلا، يتفاعل مع كل كرة، ومع كل تمريرة، كان سعيدا حتى بتصيد ضربة خطأ أو بضربة تماس للمغرب، ظل على هذا الحال حتى نهاية المباراة.
أنهى الحكم زمن المباراة بصافرة لم يصلنا صداها...استدار صوبي وقال "تعادلنا مع أفضل منتخب في مجموعتنا، يتوجب تغيير الكثير من الأشياء قبل مباراة زامبيا، صابيري لم يكن جيدا، تغيير دياز كان هدية لمدرب مالي، أتمنى دخول حكيمي"، قالها وهو يشير لقميصه الذي يحمل إسم "حكيمي".
سعدت صراحة بلقاء هذا الشاب.
مغادرة الملعب كشفت لي العدد الكبير لأبناء الجالية المغربية الذين حضروا المباراة، كلهم بأقمصة المنتخب وباقي وسائل التشجيع، تجمعوا في حلقات متباينة العدد في ساحة الملعب، كانوا يناقشون بحماس الجوانب التقنية للكرة بشكل دقيق.
خلال صعودي صوب القنطرة المؤدية لحي الرياض، فهمت من حديثي مع أحدهم أنهم يلتهمون برامج القنوات الفرنسية التي تستضيف محللين سبق لهم اللعب أو التدريب بفرنسا وخارجها، وبأن ذلك أكسبهم ثقافة التحليل بشكل طبيعي...وكان الإجماع أن امرابط شكل عبئا على المنتخب بسبب نزعته الدفاعية وأن العيناوي رجل المباراة.
كلمة حق: الجمهور الذي حضر مباراة المغرب ومالي لم يهدأ من التشجيع، حتى أن بعض المدرجات الأمامية ظلت الجماهير فيها واقفة طيلة المباراة. ليس بالشكل الذي نشاهده في مباريات بعض الفرق المغربية، لكن أفضل مما عايناه في مباريات المنتخب في الآونة الأخيرة.
بالتوفيق للمغرب.
هذا المحتوى مقدم من جريدة كفى
