خلال العام ونصف العام الماضيين، قلّ إقبال رواد المطاعم الأميركيين، خاصةً ذوي الدخل السنوي الأقل من 40 ألف دولار، على تناول الطعام خارج المنزل، أو على الأقل انخفض إنفاقهم عند تناوله. قد زادت التكاليف المرتفعة، كالإيجار ورعاية الأطفال، من الضغط على ميزانيات المستهلكين، وإضافةً إلى ذلك أثرت حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد، والتعريفات الجمركية المرتفعة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومخاوف تسريح العمال، وتشديد إجراءات الهجرة، سلباً على رغبتهم في الإنفاق. وتُعد المطاعم وخدمات الوجبات الجاهزة والتوصيل من أكثر القطاعات التي يُرجح أن ينخفض فيها الإنفاق، وفقاً لمسح EY-Parthenon الأميركي لثقة المستهلك، إذ أفاد ما يقرب من ربع المشاركين في الاستطلاع بأنهم سيقلصون إنفاقهم على تناول الطعام خارج المنزل أولاً، قبل الترفيه والسفر وصيانة المنزل.
ليس من المستغرب إذاً أن تُظهر بيانات شركة «بلاك بوكس إنتليجنس» انخفاضاً في عدد رواد المطاعم شهرياً طوال العام باستثناء شهر يوليو الذي شهد ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.1% فقط. التركيز على القيمة لفهم استراتيجية (القيمة) في قطاع المطاعم، يكفي النظر إلى ماكدونالدز، أكبر سلسلة مطاعم في الولايات المتحدة من حيث المبيعات، والتي تُعتبر مؤشراً هاماً لاقتصاد المستهلك. في عام 2024 أطلقت ماكدونالدز وجبة اقتصادية بسعر 5 دولارات في الولايات المتحدة في محاولة لجذب المستهلكين ذوي الدخل المحدود الذين كانوا قد قللوا من زياراتهم. هذا العام، عززت ماكدونالدز تركيزها على القيمة، فقد مددت عرض الوجبات بسعر 5 دولارات لفترة أطول من المتوقع، وأضافت عرض «اشترِ واحدة واحصل على الثانية بدولار واحد» على أصناف مختارة من قائمة الطعام في يناير، وفي سبتمبر أعادت السلسلة طرح وجباتها الإضافية، التي توفر للزبائن 15% من إنفاقهم على الوجبات المُجمعة (Combo) مقارنةً بسعر الطبق الرئيسي والبطاطا المقلية والمشروب بشكل منفصل. في الربع الثالث، سجلت ماكدونالدز نمواً في مبيعات فروعها القائمة في الولايات المتحدة بنسبة 2.4%. وقد حذت مطاعم الوجبات السريعة المنافسة لماكدونالدز حذوها، إذ قدّمت خياراتها الخاصة ذات القيمة الأفضل للزبائن. وبشكل عام، يتعين على أصحاب المطاعم الموازنة بين الخصومات التي تجذب الزبائن وهوامش الربح الضئيلة للغاية في هذا القطاع، وعادةً ما يعني ذلك أن الشركات تقدم عروضاً مميزة تجذب الزبائن، ثم تعرض عليهم خيارات إضافية مغرية، سواء كانت آيس كريم أو وجبة رئيسية فاخرة. المطاعم الشعبية تجنب قطاع الوجبات السريعة الشعبية إلى حد كبير خوض غمار المنافسة على (القيمة) هذا العام، ما أثر سلباً على المبيعات. أعلنت كل من كافا، وسويتغرين، وشيبوتلي مكسيكان غريل، عن نتائج مخيبة للآمال خلال الربعين الأخيرين، وأرجع المسؤولون التنفيذيون ذلك إلى المستهلكين الشباب، الذين قلصوا إنفاقهم، إذ ترتفع نسبة البطالة بين هذه الفئة العمرية مقارنةً بعموم السكان، بالإضافة إلى قرار الإدارة الأميركية باستئناف تسلم أقساط قروض الطلاب، ما زاد الضغط على ميزانياتهم، خاصةً أن أسعارهم لا تتحمل هامشاً كبيراً للمناورة. إضافةً إلى ذلك، بمجرد أن تبدأ السلاسل الشعبية في خفض الأسعار، يصعب عليها التوقف لأن الزبائن يتوقعون هذه العروض ولا يرغبون في دفع السعر الكامل، ويبدو أن معظم مديري مطاعم الوجبات السريعة الشعبية غير مستعدين حالياً لتحمل انخفاض هوامش أرباحهم. الفائزون بينما لا تزال المطاعم تخوض حرب القيمة، فقد برز فائز مبكر واحد على الأقل، وهو شركة برينكر إنترناشونال، المالكة لسلسلة مطاعم تشيليز. حققت سلسلة مطاعم تشيليز نمواً في مبيعات فروعها القائمة وحركة الزبائن بنسبة تتجاوز 10% في كل ربع سنة، ويأتي هذا الانتعاش غير المتوقع لسلسلة المطاعم بعد تحول ناجح بقيادة الرئيس التنفيذي كيفن هوشمان، وحملة تسويقية ذكية ومدروسة التوقيت، إذ قارنت وجبة «بيج سماشر» بسعر 10.99 دولار بأسعار الوجبات السريعة. كما أسهم الانتشار الواسع لحملة «تريبل ديبر» الترويجية في تعزيز نمو مبيعات السلسلة بشكل ملحوظ. نجحت تشيليز في استقطاب رواد المطاعم من ذوي الدخل المرتفع، والذين يفضلون خيارات أقل تكلفة من المطاعم الفاخرة، لكن السلسلة تكتسب أيضاً حصة سوقية من العملاء الذين يقل دخلهم السنوي عن 60 ألف دولار، ما يدل على أن رسالتها القائمة على القيمة تلقت صدىً واسعاً لدى شريحة كبيرة من المستهلكين. ثم هناك شركة داردن ريستورانتس، الشركة الأم لسلسلة مطاعم أوليف غاردن، ولونغ هورن ستيك هاوس. رفعت شركة المطاعم أسعار قوائم طعامها بنسب أقل من معدل التضخم، مع التركيز على العروض الترويجية، مثل طبق «باستا بول» الشهير في مطعم «أوليف غاردن»، ووجبة من ثلاثة أطباق بسعر 55 دولاراً في مطعم «روث كريس»، كما طرحت «داردن» خيار تقديم وجبات أصغر حجماً بأسعار أقل لبعض أطباق قائمة «أوليف غاردن». ونتيجةً لهذه الجهود، تشهد «داردن» إقبالاً من المستهلكين ذوي الدخل المرتفع على مطاعمها ذات الأسعار المنخفضة، وفقاً لما صرح به الرئيس التنفيذي، ريك كارديناس، خلال مؤتمر الشركة عبر الهاتف، الأسبوع الماضي.
توقعات 2026 في الوقت الراهن، يبدو من غير المرجح أن تتخلى معظم المطاعم عن استراتيجيتها القائمة على القيمة، على الرغم من أنها ستواجه المزيد من التحديات في المستقبل. ولا يتوقع الاقتصاديون أي تحسن مفاجئ في الاقتصاد، إذ لا تزال التكاليف، وخاصةً أسعار اللحوم، في ازدياد، ما يعني أن المطاعم ستضطر للاختيار بين الحفاظ على هوامش ربحها من خلال رفع أسعار قوائم الطعام أو الحفاظ على عملائها. ولدى وكالة موديز نظرة سلبية لقطاع المطاعم بشكل عام، بسبب انخفاض الإقبال وارتفاع تكاليف العمالة والسلع، ما يضع الضغوط على الشركات للتعرف على جميع جوانب السوق للحصول على حصتها، أو حصة أكبر. (CNN)
هذا المحتوى مقدم من منصة CNN الاقتصادية
